10/01/2010 - 11/01/2010 - <center> Fénix Traducción فينيق ترجمة Phoenix Translation </center> Fénix Traducción فينيق ترجمة Phoenix Translation : 10/01/2010 - 11/01/2010

2010-10-25

El misterio de la conciencia لغز الوعي The mystery of consciousness

Por Steven Pinker — Traductor: Javier Fernández Retenaga
Enero de 2007
La joven sobrevivió a un accidente de coche, en cierto modo. Algunas partes de su cerebro quedaron aplastadas y a los cinco meses pudo abrir los ojos, pero no respondía a los estímulos visuales, a los sonidos ni al tacto. Se encontraba en lo que en la jerga neurológica se denomina estado vegetativo persistente. Dicho en lenguaje corriente, más cruel, era un vegetal.
se puede leer todo el artículo, aquí
 
 
 
 
لقد بقيت الشابّة على قيد الحياة، إثر تعرضها لحادث سيارة. انسحق جزء من دماغها، وتمكنت بعد مرور فترة 5 أشهر من فتح عيونها، لكن، لم تستجب للمؤثرات البصرية، ولا للمؤثرات السمعية واللمسيّة. لقد كانت في حالة تسمى بلغة علم الاعصاب: 
 
وضع إنباتيّ دائم أو الحالة الخضرية الدائمة. كما يُقال باللغة الجارية، والاكثر قسوة، هي عبارة عن نبات.

تخيّلوا المفاجأة التي أصابت العلماء البريطانيين والبلجيك، عندما قاموا بتصوير الدماغ،  بتقنية الرنين المغناطيسي، لفحص الدم المتدفّق إلى أجزاء نشطة من الدماغ: 
 
فعندما نطقوا جُملاً، نشطت مناطق الدماغ المسؤولة عن اللغة. عندما طلبوا منها تخيّل أنها كانت تتمشى في غرف منزلها، نشطت الأماكن المُولجة بالتوجيه المكاني ومعرفة المواقع. وعندما طلبوا اليها أن تتخيّل أنها قد لعبت التنس، نشطت مناطق الدماغ المسؤولة عن النشاطات الحركيّة. في الواقع، نتائج التصوير، بالكاد، تختلف عن ذات النتائج لدى متطوعين أصحاء. فعلى ما بدا، لديها ومضات وعي.

في محاولة منهم لفهم كيفية وضع الشابة، هل يمكنها إستقبال الكلمات والعواطف (الأحاسيس أو المشاعر) من عائلتها المُحبطة من عدم قدرتها على إشعارهم بفهمها لهم، وبالتالي، تهدئة خواطرهم؟ أو أنها غارقة بوضعها، وعند سماعها لصوت ما، تعود إلى الحياة مع تفكير ملموس، ما تلبث بعده أن تعود من جديد إلى الفراغ؟ ففيما لو نتمكّن من إختبار وجود كهذا، فهل سنفضّل إعتبارها ميِّتة؟ وفيما لو يكن لتلك الأسئلة جواباً، فهل سنغير سياستنا مع المرضى الغير قادرين على إظهار ردود أفعال، بطريقة يظهر فيها حلّ وضع الصبيّة تيري شيافو أمراً معقداً للغاية؟
 
بدت أخبار تلك القضيّة الفريدة، التي حدثت في شهر أيلول سبتمبر الماضي (هذا المقال ظهر العام 2007) محطّ إهتمام حقل مثير جديد للدراسة هو: علم الوعي


إحتكر التكهُّن اللاهوتي الإجابة على تلك الأسئلة سابقاً، إضافة لنقاشها في جلسات السمر وسهرات التجمعات الطلابية، أما الآن، فهي محطّ إهتمام علم الأعصاب الإدراكي في المقام الأول. حيث تمّ التوافق على بعض القضايا، فيما يوجد خلاف كبير في قضايا أخرى، وربما لا يتم الوصول الى حلّه. بدأت تتغيّر بعض قناعاتنا العميقة بخصوص ما يعنيه الكائن البشريّ.

لا يجب أن نتفاجأ، عند بحث الوعي، بأن يُصيبنا الفرح، أحياناً، والإنزعاج في أحيان أخرى. 
 
إنها لا تشبه أيّة قضيّة أخرى. كما أعلن ديكارت، لا يوجد شيء مثير للريبة أكثر من وعينا ذاته. لقد وضعته الأديان الرئيسية بسياق الروح، التي تبقى على قيد الحياة بعد موت الجسد لأجل إستقبال أحداث الحساب الأخروي، او لأجل الإندماج في عقل كونيّ. 
 
بالنسبة لكل واحد منا، الوعي هو الحياة ذاتها، لأجل ذلك، قال المخرج الشهير وودي آلن:
 
"لا أرغب بنوال الخلود من خلال عملي. أرغب بنواله دون أن أموت". 
 
 القناعة بأن الآخرين، أيضاً، يمكن ان يتألموا وينجحوا مثلنا بالضبط: 
 
هي جوهر التعاطف وأساس الاخلاقيات.

لتحقيق التقدّم العلمي في حقل معقّد كعلم الوعي، من المهم، في البداية، تعرية بعض المُغالطات. فالمؤكد بأنّ الوعي لا يتوقّف على اللغة. فالاطفال وكثير من الحيوانات والمرضى المُصابين بتشوهات دماغية:
 
ليسوا كائنات آليّة (روبوتات) فاقدة للأحاسيس، بل لديهم ردود أفعال كالتي لدينا، حيث يُشيرون وجود أشياء هنا أو هناك. 
 
 كذلك، لا يمكن تحديد الوعي عبر الوعي الذاتي فقط. 
 
لقد سبق لنا جميعا أن تركنا الإستماع للموسيقى، التمارين الرياضية أو المتعة الحسيّة، لكن، يختلف هذا عن البقاء بلا وعي بسبب ضربة ما.

المشكلة "السهلة" (البسيطة) و"الصعبة" (العوِّيصة)


ما يتبقى ليس مشكلة واحدة تقترب من الوعي، بل هناك مشكلتين، فقد حدّد الفيلسوف ديفيد جون تشالمرز مشكلة سهلة ومشكلة صعبة. 
 
بدايةً، شكّل إطلاق صفة "سهلة" من قبل الباحثين مزحة: 

فهي "سهلة" في المعنى القائم بعلاج السرطان أو إرسال أحد ما الى المريخ. يعرف العلماء، بشكل أو بآخر، عمّا يُبحَث، ومع التمويل الكافي والمهارات الفكرية: ربما يتحقق الأمران خلال هذا القرن.
 
ما هي "المشكلة السهلة" بالضبط؟ 

هي التي حقّقت الشهرة لفرويد: 

الفرق بين التفكير الواعي والغير واعي. 
 
 بعض أنواع المعلومة الموجودة في الدماغ – كالتي تحضر أمام الملاحظة البصرية، خيالاته، خططه اليومية، الملذات وخيبات الامل:
 
 خبرات واعية. 
 
حيث يمكن أخذها بعين الإعتبار، يمكن نقاشها والسماح لها بلعب دور الدليل المسلكي. 
 
فيما فئات أخرى، كضبط إيقاع دقات القلب، القواعد التي تنظّم الكلمات عند الكلام وعاقبة التقلصات العضلية، التي تسمح له بالقبض على القلم: 
 
غير واعية. 

  هي في مكان ما من الدماغ، حيث لا يمكن بدونها القيام بالمشي، الكلام ولا الرؤية. لكنها موجودة عبر دارات تخطيط وعقلنة، وحضرتك لن تتمكّن من قول شيء حولها.

حسناً، تقوم المشكلة السهلة على التفريق بين الحاسوب العقليّ الواعي وغير الواعي، وفي تحديد إرتباطاته بالدماغ وتفسير سبب تطوره.
 
أما المشكلة الصعبة، فمن جانبها، ترتكز على أسباب شعورنا بحدث واعي في رأسنا، لماذا يوجد شخص أول؟ خبرة ذاتيّة. ليس الأمر مجرّد إختلاف شيء أخضر عن شيء أحمر، بل يذكرنا بأشياء أخرى خضراء ويسمح لنا بالقول "هذا أخضر" (مشكلة سهلة)، بل يظهر، أيضاً وبشكل واقعي، أخضر:
 
 يُنتج خبرة بالإخضرار وهذا لا يمكن إختزاله بأي شيء آخر. 
 
 فكما قال لويس أرمسترونغ، عندما طلبوا منه تعريف الجاز:
 
"فيما لو تسأل عن ماهيته، فأبداً، لن تصل إلى معرفته".

تكمن المشكلة الصعبة في تفسير كيفية ظهور الخبرة الذاتية إنطلاقاً من الحاسوب العصبونيّ. 
 
هي مشكلة صعبة (عوِّيصة)، لأنّه لا أحد يعرف بأيّة صيغة يمكن حلّها، ولا حتى مجرّد البدء بالحلّ، عبارة عن مشكلة علميّة حقيقية. 
 
وليس مُفاجئاً إتفاق كل العالم على إعتبار المشكلة الصعبة لغزاً.

رغم عدم حلّ المشكلتين، للآن، يتفق علماء الأعصاب على الكثير من نقاطهما، وأوضحوا على أن الأقلّ إثارة للجدل، ويعتبره كثيرون عادياً، هو الأكثر أهميّة. 

 
هذا ما أسماه فرانسيس كريك: 

"الإفتراض المُدهش"، الفكرة التي تتركّز حول أفكارنا، أحاسيسنا، أفراحنا وآلامنا: 
 
تقوم بشكل كليّ على نشاط الأنسجة الدماغية الفيزيولوجي. 

فلا يُقيم الوعي في روح أثيريّة، تستخدم الدماغ بوصفه مساعد رقمي شخصي؛ فالوعي عبارة عن حالة نشاط في الدماغ.


إلى أيّ حدٍّ يُعتبر الدماغ كآلة؟


لقد قارب العلماء هذا المفهوم بسبب مراكمتهم للإختبارات، التي طالت كل مشهد من مشاهد الوعي لإرتباطه بالدماغ. 

عبر الرنين المغناطيسي الوظيفيّ، يقرأ أخصائيُّو علم الأعصاب الإدراكي، تقريباً، أفكار الشخص، إعتباراً من الجريان الدموي في دماغه. حيث يمكنهم إخبارنا على سبيل المثال: 
 
فيما لو يُفكِّر الشخص بوجه، بمكان، أو فيما لو أنّ الصورة التي يراها الشخص، هي زجاجة (قنينة) أو حذاء أو حبّة بطاطا!

ويمكن توجيه الوعي بإستخدام مؤثرات فيزيائية. يمكن للإثارة الكهربائية للدماغ، خلال عملية جراحية، ان تُسبب هلوسات للشخص لا يمكن تمييزها عن الواقع، مثل ترديده لأغنية، قد سمعها في الغرفة أو بحفلة عيد ميلاد فترة الطفولة. 
 
يمكن لمواد كيميائية التأثير على الدماغ: 
 
من الكافيين والكحول الى البروزاك أو ال سي دي، فتسبب حدوث إضطرابات عميقة في التفكير والشعور ورؤية الناس. 

عند إجراء جراحة في الجسم الثفني وفصل نصفي الكرة (علاج مُستخدم في حالة الصرع): 
 
يتولد وعيين ضمن ذات الجمجمة، كما لو أن سكين قد قسمت الروح إلى جزئين!!

وبناءاً على ما نعرفه، فإنّ توقف النشاط الفيزيولوجي للدماغ: 
 
يؤدي لإنعدام وجود الوعي. 

أبرزت محاولات الدخول بتماس مع أرواح الموتى ( قام علماء جديُّون بهذه المحاولات قبل نحو قرن من الزمن) بعض الحيل السحرية الرخيصة فقط، فالإختبارات المقتربة من الموت ليست شهود عيان على إنفصال الروح عن الجسد، بل هي عبارة عن عوارض نقص في الأوكسجين في العيون وفي الدماغ. 

في شهر أيلول سبتمبر، تمكّن فريق بحث، مكون من علماء أعصاب سويسريين، من تحفيز وإلغاء ما أرادوا من الخبرات الجسدية، عبر إستثارة قسم الدماغ المحتوي على منطقة الرؤية والأحاسيس الجسدية.


وهم التحكُّم
 

خلاصة أخرى مُدهشة من علم الوعي: 
 

إحساسنا البديهي بوجود "أنا"، فاعلة تُقيم في مركز التحكُّم بدماغنا، مُصوِّرة لشاشات الحواس ودافعة لأزرار العضلات: 
 
عبارة عن وهم. 

يقوم الوعي على عاصفة من الحوادث المتوزعة في الدماغ.  
 
تلك الحوادث، التي تلح على لفت إنتباهنا، وعندما تبرز حادثة على حساب غيرها من الحوادث، يُعَقْلِنُ الدماغ الجواب اللاحق ويُنتِج إنطباع يقول بأنّ الأنا الفردية منوط بها كل شيء.


لنركّز إنتباهنا على الإختبارات الشهيرة حول التنافر المعرفي
 
عندما أخضعوا المتطوعين إلى شحنات كهربائية عبر إختبار خداعي يقترب من التعليم، فهؤلاء الذين قُدّمَ لهم سبباً وجيهاً ("سيساعد القائمين على الإختبار من العلماء على فهم حوادث التعليم") قد إعتبروا الشحنات أكثر إيلاماً من أولئك الذين قُدِّمَ لهم سببا واهياً ("لدينا فضول")، ويعود هذا لأنّ الفريق الثاني قد سخر من آلام الآخرين دون سبب وجيه. مع هذا، عندما سألوهم عن سبب موافقتهم على إستقبال تلك الشحنات، قدّموا أسباباً خاطئة، مثل قولهم: كنت على تماس مع أجهزة الراديو وتعودت على الشحنات!!!

لا تتم عقلنة القرارات المتخذة في ظروف قليلة الوضوح فقط، بل في بنية خبرتنا الآنية أيضاً. 
 
كلنا نشعر بوعي عالم غني ومليء بالتفاصيل ونراه بأعيننا. 
 
مع ذلك، وبتنحية النقطة الميتة (نقطة عمياء) في نظرنا جانباً، فالرؤية فظّة بشكل مُذهل. حافظ مثلاً على إبتعاد يدك بضعة سنتيمترات عن نقطة تسديدك وقم بعدّ أصابعك. 
فيما لو يقم شخص بسحب وإعادة موضعة غرض عند كل مرّة تطرف بها بعيينك (الأمر الذي يسمح للقائمين على الإختبار بعرض صورتين، تمرّان بسرعة)، سيصعب على ذاك الشخص ملاحظة الفرق. غالباً ما يقفز نظرنا بسرعة من نقطة لاخرى، فيستقرّ عند كل شيء يلفت إنتباهنا، بحيث يُتيح لنا رؤية ما نحتاج رؤيته فقط. 
يقودنا هذا لظهور حالة من الخداع ويجعلنا نعتقد بأننا قد امتلكنا كل التفاصيل: 
 
هذا مثال، يُبيّن لنا كيف نُبالغ بتثمين قدرة وعينا.

  قد يُشكّل تآلف الأعمال الإختيارية وهماً، نتيجة التنبيه للقيام بتصحيح بين ما نقرّره وما ترسمه حركة جسمنا. 



لقد درس عالم النفس دانيال ويغنر اللعبة التي يُوضع فيها غرض (شيء) أمام مرآة، فيتواجد شخص خلفه وياخذه بيديه ليضعه تحت إبطيه ويحركه من جهة لأخرى، محاولاً إظهار أن الغرض ذاته يُحرِّك اليدين. ففيما لو يستمع الغرض لتسجيل يُشير إلى الشخص الواقف خلفه وما يقوم بعمله عبر الأيدي (إلقاء تحية، لمس الأنف ... الخ)، فهو سيشعر كما لو أنه ذاته يوجّه اليدين في الواقع.

يظهر التحكّم الدماغي بالمعلومة بصيغة أوضح في الشروط العصبيّة، حين تتأذى بعض الأجزاء السليمة من الدماغ، تظهر نقاط ضعيفة (الغير مرئيّة للأنا، فهي جزء من الـ هو). فمريض غير قادر على التعرُّف الفوري على زوجته عند رؤيتها، لكنه يعترف بأنّ جوانب وصيغ عمله متطابقة مع جوانب وصيغ عمل زوجته، يقود هذا لإعتباره دجّالاً (مُخادعاً) متدرباً بشكل جيّد. 
يعتقد مريض أنه في منزله وهو موجود بمصعد المستشفى، حيث يقول دون أن يرف له جفن:
 
"لا يمكنك تخمين التكلفة التي دفعناها لأجل تركيب هذا المصعد!!!".

لماذا يحضر الوعي، على الأقل، على مستوى "المشكلة السهلة" التي فيها أجزاء مُتاحة من المعلومة وأجزاء أخرى غير مُتاحة؟ 

السبب هو عبء المعلومة. تماماً، كما هو حاصل بيومنا هذا:
 
 يمكن رؤية شخص مُرهق بسبب كثرة المعلومات التي تصله عبر وسائل الإعلام، فستنهار الدوائر الدماغيّة المسؤولة عن إتخاذ القرارات، فيما لو تقم بنقل المعلومة لكل تفصيل وكل حركة عضلية صغيرة مُسجلة بمكان ما من الدماغ بثبات. 
 
عوضاً عن هذا، تستقبل ذاكرتنا كل ما له علاقة بالحوادث الأهمّ لأجل تحديث فهمنا للعالم وإكتشاف تداعيات ذلك. 



يُقارن عالم النفس الإدراكي برنار بارز الوعي من خلال سبُّورة عالميّة:
 
 فتُدوِّن الحوادث الدماغيّة نتائجها عليها، وتُلاحَظُ نتائج الآخرين أيضاً.


نُصدِّقْ ما نُطلقه من أكاذيب
 

السبب الثاني في إمكانية إبعاد المعلومة عن الوعي: 
 
فلأنها إستراتيجيّة. 

 
حذّر عالم الأحياء التطوري روبرت تريفيرس من إمتلاك الأشخاص لأسباب تدفعهم لتقديم أنفسهم كرقيقي قلب وعقلانيين ومؤهلين. 
 
فالمُعلِن الأفضل، هو ذاك الذي يعتقد بصدق كذباته، مؤكداً، هكذا، على عدم تعريض الخداع للإكتشاف عبر حركات عصبية صغيرة أو تناقضات ما. بطريقة يتكيف فيها الدماغ للحفاظ على التفاصيل المُرتكبة بعيدة عن الحوادث الواعية، التي تحكم ردّ فعلنا مع الأشخاص الآخرين. بذات الوقت، يحفظ تلك التفاصيل عبر حوادث غير واعية لأجل تفادي ذهاب الشخص بعيداً زيادة عن الواقع، وبالتالي، فقدان التماس معه.

وماذا يوجد في الدماغ ذاته؟ 

ربما تتساءل كيف تمكّن العلماء من البدء بالعثور على مقرّ الوعي وسط كل هذا الضجيج والتشويش لمئات آلاف ملايين العصبونات.
 
  السرّ في ملاحظة أيّ أجزاء من الدماغ تعاني من حدوث تغيرات، عندما يقفز وعي الشخص من تجربة إلى أخرى. 
 
هناك تقنيّة تسمى التنافس ثنائيّ العين، التي فيها تُسلَّطُ أشعة عمودية على العين اليسرى وأشعة أفقية على العين اليمنى. تتنافس العينان عبر الوعي ويرى الشخص أشعة عمودية خلال بضع ثواني، ثمّ يرى أشعة افقية، وهكذا على التوالي.

يمكن لأيّ شخص القيام بإختبار بسيط: 
 
ينظر الشخص بعينه اليمنى إلى جدار أبيض من خلال أسطوانة ورقية والحفاظ على وجود اليد اليسرى أمام العين اليسرى بالضبط. بعد مرور بضع ثواني، سيظهر ثقب أبيض في اليد، بعدها سيختفي الثقب الابيض، ليعود للظهور لاحقاً... وهكذا الخ.

كذلك، تختبر القرود التنافس ثنائيّ العين. يمكنها تعلُّم الضغط على زر عند حدوث كل تغيّر بأحاسيسها، في الوقت الذي تسجل فيه الأقطاب المزروعه في الدماغ أيّ تغيُّر في النشاط. 

 
إكتشف عالم الأعصاب نيكوس لوغوتيتيس بأنه في أوائل المناطق الدماغية التي تحدث فيها المعلومة البصرية في القسم الخلفي من الدماغ، بالكاد، حصل هناك تغيرات عندما إنتقل وعي القرد من وضع إلى وضع آخر. 
 
بالمقابل، ظهرت تغيرات بمناطق دماغية سفلية، عندما حدثت التغيّرات في وعي القرد. هذا لا يعني بأنّ هذا المكان الواقع في الجزء السفلي من الدماغ: 
 
عبارة عن شاشة إنعكاس الوعي او الإدراك. 
 
ما يعنيه وفق نظرية كريك ومعاونه كريستوف كوخ:
 
 بأنّ الوعي يُقيم فقط في الأجزاء "الفوقانيّة او العلوية" من الدماغ، فالأجزاء المتصلة بالدارات هي المسؤولة عن العواطف (الأحاسيس أو المشاعر) وإتخاذ القرارات، بدقّة، ما هو مُنتظر من إستعارة او مثال السبُّورة السالف الذكر.


موجات دماغيّة
 

يمكن تتبُّع آثار الوعي في الدماغ: 
 
ليس عبر البُعد المكانيّ فقط، بل أيضاً، بمرور الزمن.
 
 يعرف علماء الأعصاب، منذ زمن غير قليل، بأنّ الوعي يتوقّف على تواترات مرئيّة ملموسة للذبذبة في جهاز (تخطيط كهربية الدماغ). تقوم تلك الموجات الدماغيّة على دارات تنشيط (أو تحفيز) بين القشرة الدماغية (السطح الخشن للدماغ) والمهاد البصري (مجموعه من النوى الواقعة وسط الدماغ والتي تعمل كمحطات إستقبال وإرسال). 
 
يُشير وجود موجات كبيرة بطيئة وعاديّة إلى: 
 
حالة الكوما، حالة تخدير أو نوم عميق. 
 
اما وجود موجات أصغر وأسرع وأدق، فهي توافق:
 
 حالة اليقظة والحذر.
 
 تلك الموجات ليست عديمة الفائدة كرنين أي جهاز كهربائي منزلي صاخب، بل هي تُفيد بالسماح للوعي بالقيام بعمله في الدماغ. 
 
يمكنها ربط نشاط مناطق شديدة الإختلاف فيما بينها (واحدة لأجل اللون، أخرى لأجل الشكل، ثالثة لأجل الحركة)، كي تعطي مكاناً لظهور خبرة واعية متماسكة، شيء شبيه بمُرسلات البث ومستقبلاته المضبوطة بذات التردد.
 
 فعلياً، عند تنافس نموذجين بالوعي، في إختبار تنافس ثنائي العين، فتتقلب العصبونات، التي تمثّل العين "الرابحة" بالمنافسة، بالتزامن، بينما لا تفعل العصبونات، التي تمثّل العين الملغيّة، هذا.

يتقدّم علماء الأعصاب، بثبات، في هذا الدرب:
 
 نحو تحديد الإرتباطات العصبية بالوعي، كجزء من "المشكلة السهلة". 
 
لكن، وفي الواقع، كيف يمكن تفسير الطريقة التي تسبب بها تلك الحوادث الوعي، بمعنى الخبرة الداخلية، أي "المشكلة الصعبة"؟


مُقاربة "المشكلة الصعبة"

لتقييم صعوبة المشكلة الصعبة، خذ كيفية إمكان رؤيتك للألوان بذات الطريقة مثلي أنا بعين الإعتبار. مؤكد انك أنت كما أنا، سنقول بأن لون العشب أخضر، لكن، ربما، ترى أنت العشب بلون غير الذي أراه، فيما لو يكن على جلدك، فقد تصفه بالأرجوان. أو يُطرَح عدم إمكان وجود زومبي أصليّ، كائن يعمل مثلك أو مثلي ولكنه في الواقع لا يمتلك "أنا" تشعر بشيء. هذا هو جوهر الحدث العرضي ستار تريك الذي عبره يرغب العاملون بتطبيق الهندسة المنعكسة مع قاعدة المعلومات (قواعد بيانات) المُقدّمة، الأمر الذي يؤدي لإشتعال النقاش حول: 
 
فيما لو يكن أكثر من فكّ آلة، أو سيعني الإنتهاء لإمتلاك حياة محسوسة.


لا حد يعرف ما العمل مع المشكلة الصعبة. 
 
هناك من يمكنه رؤيتها كبوابة تسمح لنا بإلقاء نظرة على الروح، لكن، هذا لا يعني سوى إعادة ترقيع مشكلة "الوعي"، للمضي نحو تسميتها مشكلة "الروح":
 
 لعبة بسيطة على الكلمات لا يمكنها توفير أي نوع من أنواع المعرفة على الإطلاق.


يرفض كثير من الفلاسفة، مثل دانييل دينيت، وجود "مشكلة صعبة" حتى. يقولون أنّ التأمّل بأصوات وألوان منعكسة: 
 
عبارة عن تضييع للوقت، حيث لا وجود لشيء يمكنه حل هذه المشكلة بأيّة طريقة. كل ما يمكن فعله لاجل فهم الوعي - كاكتشاف أيّ أطوال للموجة تجعل الناس ترى الأخضر كأخضر أو إلى أيّ حدٍّ يقولون بظهوره ميّال للأزرق أو أيّ مشاعر تصاحبه - يتصل فقط بملاحقة المعلومة في الدماغ، ما يعني العودة من جديد للغرق في "المشكلة السهلة"، دون وجود أي شيء أكثر للتفسير. تتفاعل أغلبية الناس مع هذا البرهان عبر عدم التصديق، حيث يظهر نفي واقع أساسي لا يمكن نفيه: خبرتنا الذاتية.


بين علماء الأعصاب، الموقف الأكثر وروداً بالنسبة "للمشكلة الصعبة": 
 
 بهذه اللحظة، غير محلولة، لكن، ربما، تحت وطأة البحث ستُحَّل "المشكلة السهلة". فيما يرتاب آخرون إزاء هذا التفاؤل المُفرط، لانّ  تناول المشكلة السهلة، لا يُقربنا، ولو بالحدّ الأدنى، نحو حلّ المشكلة الصعبة. 

يقولون بأنّ تحديد الوعي عبر الفيزيولوجيا الدماغيّة: 
 
عبارة عن ضربٌ من الحظّ، وينفي هذا كليّاً الوعي كقاعدة معلومات (قواعد بيانات) متقدمة، لافتقاره للنسيج اللدن لدماغ بشريّ فقط.
 تحديد الوعي عبر ملاحقة المعلومة، سيذهب بعيداً في الاتجاه المُعاكس مُقرّاً لوعي بسيط في منظمات حرارية وآلات حاسبة، ويشكل هذا قفزة لا يمكن تفهمها من قبل أغلبية الناس. 

يقترح البعض من أمثال عالم الرياضيات روجر بنروز بأنّنا سنعثر على الجواب بيوم من الأيام القادمة من خلال الميكانيك الكوانتيّ. لكن وفق فهمي، فهذا يُعادل الشعور بكون الميكانيك الكوانتيّ : 
 
حالة شاذة أو غريبة او عجيبة، وبأنّ الوعي، أيضاً، هو كذلك، وبذلك، ربما يتمكّن الميكانيك الكوانتيّ من تفسير الوعي.


ولدينا ايضا الفرضيّة المعروضة من قبل الفيلسوف ،كولين مكغين التي يقول من خلالها بأنّ الدُوار الذي نشعر به عندما نطرح المشكلة الصعبة، هو ذاته صفة مميزة لدماغنا. وباعتبار أن دماغنا حصيلة التطور، وهكذا أدمغة الحيوانات التي تمتلك حدوداً، فنحن أيضاً لدينا حدودنا. فدماغنا لا يمكنه الإحتفاظ بعدد مكوّن من 100 رقم في الذاكرة، لا يمكنه رؤية فراغ بسبعة أبعاد، وربما، أيضاً، لا يمكنه تحقيق فهم بديهي لسبب ملاحقة المعلومة عصبياً والتي نشاهدها من الخارج، التي يجب أن تعطي مكاناً للخبرة الداخلية الموضوعية.  
أميل لهذا مع أني أقبل بأن الفرضيّة يمكن ان تُلغى في اللحظة التي يمكن ان يظهر فيها عبقري لم يُولَد بعد كداروين او أينشتاين وعياً مع فكرة مدهشة جديدة، تجعلنا نراه ونفهمه بوضوح فجأة.

كائناً ما تكن حلول المشكلتين السهلة والصعبة، يشكّك قليل من العلماء بوجود الوعي ضمن نطاق النشاط الدماغيّ. 
 
بالنسبة لكثير من الدينيين فهذا عبارة عن وجهة نظر مُريعه. 
 
هذا ليس مُحبطاً للآمال بإمكان بقائنا على قيد الحياة عند موت جسدنا فقط، بل أيضاً يُزعزع الفكرة التي تعتبرنا مسؤولين عن قراراتنا، ليس في هذه الحياة فقط، بل أيضاً فيما يمكن أن يأتي. 
في مقاله "آسف، لكن روحه تُقارب الموت"، ينشغل توم وولف بمحاولة قتل علم الروح:
 
"الكرنفال المُخيف الذي سيحدث يمكن أن يُظهر عبارة "الغياب الشامل لكل القيم" بوصفها عديمة الجدوى".


نحو أخلاق جديدة
 

وفق وجهة نظري، هذا تقهقر: 
 
حيث توفّر بيولوجيا الوعي قاعده أكثر تماسكاً للأخلاق من إعتقاد لا يمكن إثباته بروح خالدة. ليس فقط تخفيف للآلام البشرية عبر معرفة لفيزيولوجية الوعي: 
 
من خلال علاجات جديدة ضد الآلام والإكتئاب، بل هذه المعرفة، أيضاً، يمكنها إجبارنا على التعرُّف على مصالح كائنات أخرى، الأمر الذي يشكّل جوهر الأخلاق.

كما يعرف أيّ طالب فلسفة، لا يمكن لأي شيء أن يُجبرني على الإعتقاد بأن أحداً ما أكثر وعي مني نفسي. هذه الإمكانية لنفي إمتلاك أشخاص آخرين للمشاعر: 
 
ليس تمريناً أكاديمياً فقط، بل عبارة عن عيب متفاقم عام، كما يوضحه تاريخ طويل من القساوة البشريّة. 

مع هذا، بمجرد إنتباهنا لان وعينا ذاته هو مُنتَج من دماغنا وبأنّ الآخرين لديهم أدمغه كدماغنا: 
 
يُصبح نفي الإحساس أو الوعي عن الآخرين أمراً مُحالاً. 

أليس لديك عيني يهوديّ؟ سأل شايلوك. 
 
بيومنا هذا، يُصبح السؤال المُباشر:
 
 أليس لدى اليهودي أو العربي، الأفريقي، الطفل أو الكلب قشرة دماغيّة أو مهاد؟ فهنا الواقع الغير قابل للنفي، هو: 
 
أننا كلنا مصنوعين من ذات العجينة العصبيّة، ما يجعل من المستحيل رفض قدرتنا المُشتركة على الاحساس بالآلام؟

وفيما لو يتم التفكير بهذا، فإنّ الاعتقاد بحياة مستقبلية: 
 
ليس مثالياً بعد كل شيء، حيث انه بالضرورة، يحرف الحياة في الأرض. وكمثال شهير حديث، هو الأشخاص الذين قاموا بتنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول.

أيضاً لنقم بالتفكير بسبب تذكيرنا لأنفسنا دوماً بأنّ "الحياة قصيرة". إنه دافع للتأثير العاطفيّ بشخص قريب، يتوجب علينا الإستفادة من الزمن بطريقة منتجة بدلاً من تبذيره وإضاعته. 

سأقول بانه لا يوجد شيء يمكن ان يعطي معنى للحياة أكثر من الإقتناع بأنّ كل لحظة وعي: 
 
هي عبارة عن هديّة قيّمة يسهُلْ كسرها.
 
 
قد يهمكم الإطلاع على مواضيع ذات صلة