08/01/2012 - 09/01/2012 - <center> Fénix Traducción فينيق ترجمة Phoenix Translation </center> Fénix Traducción فينيق ترجمة Phoenix Translation : 08/01/2012 - 09/01/2012

2012-08-28

Huerto Evolutivo (8): Son cuatro pipas. Cuatro pipas son البُستان التطوريّ (8): تطوّر نبات دوّار الشمس Evolution of sunflower

إسمه العلميّ الشهير هو دوّار الشمس أو زهرة الشمس أو تباع الشمس أو ميال الشمس أو عبّاد الشمس Helianthus annuus وهو إسم مُعتمَدْ بشكل حرفيّ، حيث أن الإسم مُشتقّ من مصطلحات يونانيّة helios sol وanth(us) flor وهي إشارة مباشرة لسلوك هذا النبات وفق التوجُّه الشمسيّheliotropismo  أي توجّه الأزهار والأوراق نحو الشمس. أما annuus فيعني باللاتينيّة anual وسنويّ بالعربيّة، ويُشير لدورة النموّ والتكاثر لهذا النبات، حيث يحدث الإلقاح والنمو والإزهرار وإنتاج البذور والموت، بتلك الحقبة الزمنية،.

ينضوي هذا النبات "الزهور الشمسيّة"، إلى جانب نبات الخسّ والأرضي شوكي والبابونج وأضراس الأسد وغيرها، ضمن مجموعة ضخمة من النباتات المعروفة بإسم الفصيلة النجميّة، هذه الفصيلة،  دون شكّ، الأكثر نجاحاً في مملكة النباتات، حيث تسجّل رقم قياسيّ بالتنوع الحيويّ كونها تضمّ أكثر من 20000 نوع موصوف بيومنا هذا ضمن أكثر من 1000  جنس. مع ذلك، وبخلاف ما يقوله إحساسنا العام، فليست هذه "الورود" الجميلة لهذه المجموعة من النباتات كما تظهر.

 
إلى اليسار: زهرة الخسّ، إلى اليمين: زهرة الأرضي شوكي


يُشتقّ مُصطلح الفصيلة النجميّة Asterácea من الكلمة اللاتينيّة  aster estrella وهذا الاسم شاعريّ (بالعربيّة: نجمة)، وفي الواقع نحن لسنا امام زهور رومانسيّة تصادفنا بلحظات شاعريّة ما، فهي ليست أزهار وأقوله بشكل جدّي؟؟؟!!!! 
 
في الواقع، هي إزهرار أو مجموعة من الأزهار التي تشكّل باقة، ولكن، في حالتنا هذه، لدينا باقة مُندمجة بشكل هائل فيما بينها. وفق هذه الصيغة، فيما لو يُطلَقْ إسم سنبلة أو سنابل على إزهرار القمح أو الشعير، فإنّ إزهرار النوع البليس المعمر المنتمي للفصيلة النجمية يسمى فصول أو فصوص .

فالأزهار منفردة عبارة عن كائنات صغيرة جداً جداً. كذلك، لدى هذا الكائن الدقيق بتلات، أسدية والمياسم كأيّة زهرة أخرى، لكن، بدرجة متقزمة فقط. فيما لو نقتطع زهرة ونعبر مركزها، سنرى ما افترضناه" مركز الزهرة" الذي يشكّل قاعدة واسعة تسمى التخت ، وتجلس الأزهار الدقيقة على هذا التخت، وتُعتبر كل زهرة منها عبارة عن حامل لبذرة وحيدة.

هي عبارة عن أزهار لديها 5 بتلات ملتحمة مشكِّلة لإنبوب. كذلك، لديها 5 أسدية خارجة من هذا الإنبوب، كذلك، تلتحم تلك الأسدية فيما بينها لتشكّل إنبوب. هكذا، نجد أنّ البتلات تشكّل أنبوباً، وتشكّل الأسدية إنبوباً آخراً ضمنه.  يظهر الميسم إعتباراً من الإنبوب المتشكل من الأسدية، وهو العضو المُستقبِل  لحبوب الطلع في الزهرة. بالإضافة لأننا نعثر، بتلك النباتات، على نوعين أساسيين من الأزهار، يسمى أحدهما لُسيْن ويُقلّد بتلة، يسمى النوع الآخر زهرة أنبوبية ويقلّد السداة،  لكن، هل تُعتبر أزهاراً كاملة وشكلها عبارة عن تقليد محض؟!

 
نهج إزهرار أنواع الفصيلة النجميّة 


باعتبارها نباتات تؤسس إستراتيجيتها على إستعمال الحشرات بنقل حبوب الطلع والتلقيح، ومع درجة الإندماج بينها، يتم السماح للكثير من أزهارها لإستقبال زيارة بذات الوقت من ذات الحشرة. كذلك، يمكن القول بناء على قاعدة نوعي الأزهار المذكورين أعلاه،
بأنّه يوجد ثلاث أنواع رئيسيّة من الإزهرار في عالم الفصيلة النجميّة، ويمكن رؤية تلك الأنواع الرئيسيّة في الصورة التالية، فلدينا ثلاثة أنواع تعيش بشبه الجزيرة الإيبيريّة من النباتات، هكذا نجد:
 
بعض ممثلي الفصيلة النجميّة في شبه الجزيرة الايبيريّة، من اليسار الى اليمين:
 


 
يبرز ملمح آخر مميّز للفصيلة النجميّة هو ثمرتها. وتسمى الفقيرة وتتكوّن من "جدار مقاوم" محيط بالبذرة. لقد تشكّل هذا الجدار، في الواقع ،إعتباراً من إلتحام كل طبقات الثمرة على شكل غطاء واقٍ. لتكوين فكرة، تشكّل القشرة الرقيقة والقاسية لدوّار الشمس ما يعادل قشرة ومحتوى التفّاحة. ميزة أخرى لثمار الفقيرة، هو انها لا تنفتح (بعكس غمد البقوليات) إلّا لحظة الإنتاش. وكذلك، في الفقيرات بذرة وحيدة واحدة فقط.

عندما نتحدث عن الفقيرات، فنحن نُشير حصرياً لبذور دوّار الشمس. فبمجرد انخلاع القشرة تتحرّر البذرة العارية بشكل كامل تقريباً (حيث تغطى بصفيحة رقيقة جداً نصف شفّافة). وهي البذرة التي نأكلها نحن وحيواناتنا، وكذلك هي المادة الأساسيّة لإستخراج زيت دوّار الشمس. وكما تعلم فكل مرّة تأكل بها بذرة دوّار شمس، فأنت تأكل جنين ثمرة نباتيّة مع كامل مخزوناتها الطاقيّة.

تنوعات لثمرة الفقيرة: 1. دوّار شمس 2. ضرس الأسد  3. الدردار 4. ثمرة جنس اللزيق 


برّي مقابل المزروع. مطواعان، معاً

يحتفظ دوّار الشمس المزروع والبرّي فيما بينهما بكثير من الفروقات 
:
فلا يتمكّن النوع البرّي من تحقيق الإلقاح الذاتيّ، وساقه الرئيسيّ غنيّ بالفروع وكل فرع منها مُنتِج للإزهرار، وهو بدوره مُختصر ووافر، وبذات الوقت، ثماره قزميّة بشكل مثير. من جانبه النوع المزروع، قادر على تحقيق الإلقاح الذاتيّ، يمتلك ساق رئيسيّ يفتقر للتفرعات وينتهي بمكان إزهرار رئيسيّ وثماره ذات قياسات كبرى.
 
يمكن إجمال تلك الفروقات الواضحة في الجدول التالي :

جدول مقارنة بين دوّار الشمس البرّي والمزروع


بالرغم من كل هذا الفارق بينهما، ينتميان لذات النوع وينموان سوياً في الولايات المتحدة والمكسيك، واحد في حقول الزراعة وآخر في حدودها. كذلك، يُزهران بذات الفترة (بنهايات شهر مايو أيّار وصولاً لأكتوبر تشرين أوّل) ويتلقحان بواسطة النحل وحشرات شبيهة.
يفترض هذا حصول مشكلة، خصوصاً بالنسبة للزراعات المعدلة وراثياً لدوّار الشمس، باعتبار أنهما يشكلان ذات النوع، فيتهاجن النوع البرّي مع المزروع بسهولة هائلة.

 
إضافة لأنّ تهجينات، كتلك، هي خصبة بشكل كامل. وهنا، تكمن إحدى مشاكل الدوّار المعدّل وراثياً، فليس فيه ما يُفيد الصحة البشريّة، بل مع الزراعة البيئيّة، يمكن للدوّار "المعدّل وراثيا" العبور للجماعة البريّة من نوع مزروع، ما يؤدي لتغيير تلك الجماعة وبتبعات لا يمكن توقعها للنوع المتأثِّر ولباقي النظام البيئي.


 
مقارنة بين دوّار الشمس المزروع،  إلى اليسار،  ودوّار الشمس البرّي إلى اليمين


يُعتبر دوّار الشمس، بالوقت الراهن، أحد المصادر الهامّة لأزهار الزينة والبذور في المعجنات المختلفة، لكن، تبلغ أهميته ذروتها على المستوى العالمي بإستخدامه لإنتاج الزيت النباتيّ الأكثر انتشاراً.

تعود أهمية هذه البذور (سيما التنوعات الحديثة منها)، على الصعيد الصناعيّ، لغناها الهائل بأنواع الدهون، وهي ثلاثة أحماض دهنية غير مُشبعة ونستهلكها نحن على شكل "زيت للمطبخ". تتشكّل الثلاث أحماض دهنية الرئيسية في دوّار الشمس، من: 
 
حمض زيت الكتان (66.9%) من كامل المحتوى الدهنيّ، حمض الزيتيك (18.1%وحمض النخليك (6.5%).
 
 ولو أنّ تلك النسب يمكن أن تتغيّر بحسب النوع، إضافة لانه لا يحتوي كوليسترول أبداً. كذلك، دوّار الشمس غني بالأملاح المعدنية مثل المغنيزيوم، الفوسفور والبوتاسيوم، كذلك، يحتوي على فيتامينات مثل ب1 (التيامين)، ب3 (النياسين)، ب6 وفيتامين إي، كذلك، يُعتبر دوّار الشمس مصدراً لحمض الفوليك البالغ الأهميّة للحوامل.
 
يبلغ إنتاج زيت دوّار الشمس ما يكافيء 8% من الإنتاج العالميّ من الزيوت النباتيّة، ويأتي قبله زيت الصويا 55%، زيت السلجم 14% وزيت القطن 10%  تشكّل روسيا البلد المنتج الأول له، بحيث بلغ إنتاج البذور بين العامين 2008 / 2009 حوالي 7 مليون طنّ، وبعد روسيا، يأتي الإتحاد الاوروبي، أوكرانيا والأرجنتين.

 
أهم مُنتجي بذور دوّار الشمس خلال الفترة 2008/2009


وراثة معقّدة

لماذا ندرس عملية التدجين؟
 
التدجين، بالنسبة لعلماء الأحياء، ليس مجرّد معرفة تطبيقيّة لتحصيل تنوعات جديدة وأنواع جديدة أو حتى أنواع نباتيّة جديدة مفيدة للإستهلاك البشريّ فقط، بل يذهب الإهتمام بالدراسة لأبعد من هذا، حيث تسمح دراسة التدجين بامتلاك معلومة مُباشرة عن تطور الأنواع الحيّة. منذ أن أبدى داروين رأيه بهذا، بخلاف الكثير من معاصريه، من حيث أنّ كثير من النباتات المزروعة والحيوانات المدجّنة ما هي إلا نتاج إنتقاء منذ أصلها البرّي الأقدم وليست نتيجة خلق إلهي، يرى اليوم علماء الأحياء في عملية التدجين حدث مثاليّ، لملاحظة التشابك بين التغيرات الجينية (الوراثيّة) والتغيّر الموروفولوجي (التشكُّلي) للكائنات الحيّة، كذلك المجرى الزمنيّ، الذي يمكن لتلك التغيرات أن تحصل خلاله.

بُغية تحقيق عمل هامّ، يتحدث علماء الوراثة عن أعجوبة كبرى تسمى  .QTL

 
لا حاجة للإحساس بالهلع!! 
 
فهذه الأحرف إختصار لكلمات Quantitative Trait Locus (موضع السمة الكميّة باللغة العربيّة) حيث تشبه QTL مجموعة كتب مُلتصقة ببعضها البعض، وكلها بذات المكان، وكلها تتحدث عن ذات الموضوع وكلها تُشترى معاً (وليس فرادى أبداً)، بترجمة ما سبق إلى لغة بيولوجيّة: 
 
QTL  ، هي مجموعة من الجينات، تُقيم جنبا لجنب، كلها تشغل منطقة محددة من الكروموزوم، كلها تساهم بإعطاء ذات الملمح أو الميزة وتُورَّث كحزمة (ونادراً جداً على شكل منفصل).

 
باستخدام QTL   لدراسة الصلات بين الجينات والميزات، a نباتات مُشعِرة جداً وقليلة الشعر. b هجينة عن النباتات السابقة، c هجينة حتى الجيل الثامن منها، الخطوة التالية: تحديد المنطقة الجينية المُشتركة السهم  لكل النباتات (قليلة الشعر). لقد عثرنا على المنطقة المتواجد فيها على الاغلب QTL المسؤول عن توليد "الكميات الكبيرة او القليلة من الشعر"


تسمح دراسة مجموعات الجينات، تلك، بتحديد إرتباطها بميزة محددة (حجم الثمرة، اللون وشكل الأزهار، فترة الإزهرار أو الإلقاح ... الخ)، أو القول بشكل معاكس، تسمح برؤية وقوف عناصر جينيّة وراء ملامح محدّدة أو ميزات في الفرد. تساعدنا هكذا دراسات على فهم كيف يمكن لبنية جينية للنباتات المزروعة، وباجتماعها مع البيئة، أن تساهم بتوليد تنوّع الخضار التي نراها اليوم. سندرس التدجين بإعتباره تطوّر ينفذه الإنسان، وجرى العمل بمستوى جينيّ لتوليد التنوع النباتي، والتي تُخبرنا حول أيّة مجموعات جينيّة قد انتُقيت خلال تلك العملية.

يختلفُ نوعا النبات البرّي والمزروع، فالثمرة أكبر في النوع المزروع كقاعدة عامّة، التحكُّم بفترة النموّ والإزهرار بما يناسب مصلحة المزارع، تفقد البذور قدرتها على الإنتشار وتزداد قيمتها الغذائيّة، بذات الوقت، تكسب النباتات القدرة على تحقيق الإلقاح الذاتيّ. يُعرف كل هذا بإسم "متلازمة التدجين" ويُدرَسُ بسهولة من خلال QTL حيث من المعتاد أن تقف عناصر جينية وراء تغيرات هامّة في النباتات. لكن، في حالة دوّار الشمس، هذه الآلية التي نجحت بدراسة الذرة، قد فشلت معه بصورة مثيرة.

العام 2002، نشر فريق بحث بقيادة عالم الوراثة والمختص بدراسة الفصيلة النجميّة جون بروك     مقالاً في  مجلة علم الوراثة والذي انتهى بإيراد خبر سيء للغاية. فقد حصَّلَت إستراتيجيّة QTL لأجل كشف العلاقة بين علم الوراثة والنمط الظاهريّ نتائج لا طائل منها وقدرة ضئيلة لتفسير الفروقات القائمة بين دوّار الشمس المزروع ودوّار الشمس البرّي. بشكل غير متوقّع، وُجِدَت QTL لنباتات بريّة قد ولّدت ميزات خاصة بالنباتات المزروعة، وكذلك QTL لنباتات مزروعة قد ولّدت ميزات خاصة بالنباتات البريّة. وبالنهاية أشارت QTL للكرموزوم LG06 بأنّه قد جرى انتقاء ميزات غير مرغوبة لاجل النوع المزروع، الأمر الذي افتقد للمعنى. 
 
 لماذا يُختار شيء لا رغبة فيه؟  

ما الذي حصل بالضبط؟
 
 يبدو أنّ هناك أشياء عديدة، تحصل بذات الوقت. وبخلاف أنواع حيّة أخرى، فإنّ  QTL لوحده قد أمكنه تفسير قسم جيّد من الفروقات بين النوعين البرّي والمزروع، نجد أنّه في دوّار الشمس، لكل QTL قد امتلك قدرة ضئيلة جداً لتفسير فروقات كتلك. وبحسب الباحثين، فإنّ هذه الظاهرة تعود لحصول تغيُّر تدريجي من النوع البرّي الى المزروع. وفق هذه الصيغة تعمل كثير من QTL كمجموعة لتعطي كنتيجة دوّار الشمس المزروع، حيث يصبح إسهام كل واحد منها صغير جداً. لدينا بالجانب المقابل الكروموزوم  LG06 المتميّز بامتلاك QTL  متصلة بملامح غير مرغوبة بدوّار الشمس المزروع، لكن، له علاقة قويّة بإنتاج الزيت! بحسب نتائج تلك الدراسات، عاد الإنتقاء لذاك الكروموزوم، لفترة قريبة ،ولهذا، لا يرتبط بعملية التدجين البدائيّة، ونعم، هو مع الإصدار الحديث من هذه النبتة كمصنع للزيت. هذا الضغط الإنتقائيّ الحديث قويّ بما فيه الكفاية لدفع إنتقاء QTL   للآثار المرغوبة بشكل قليل .

 
وجها الكروموزوم LG06 تُشير الاشرطة لمكان QTL في الكروموزوم. اللون الاسود: أثر مرغوب، اللون الابيض: أثر غير مرغوب. إلى اليسار: أحماض دهنية مختلفة. إلى اليمين:  DFlr  إزهرار Lvs ، عدد وريقات الساق الرئيسيّ SDia قطر الساق،  H/B عدد الزهيرات / الساق،  AcWd عرض ثمرة الفقيرة،  AcWt وزن الثمرة،  Ray عدد جذور الوريقات، Brn  عدد الأفرع الجانبيّة،  RySz حجم جذور الوريقات،  Hght الوزن خلال الإزهرار


لكن، العلم هو نشاط عقول قلقة، نادراً ما تستسلم. 
 
العام 2008، نشر عالم الوراثة ودارس النباتات ،مارك أ. شابمان والعامل حاليا في مكتب علوم النبات بجامعة اكسفورد / بريطانيا في واحدة من أهم المجلات العلمية المختصة بعالم النبات وهيالخلية النباتية  ، وثيقة قد أضاءت ،بالنهاية، بشكل أكبر على هذا الموضوع.

من التنبؤات الأساسيّة للدراسة البيولوجيّة للتدجين، امتلاك "الجماعات" المدجّنة لتنوّع جينيّ أقلّ مما تمتلكه الجماعات البريّة، التي تشكّل أصلها. ويعود هذا لسبب احتياج التدجين لإنتقاء الجماعات المقيّدة كل مرّة أكثر بأفراد (الذين ليسوا سوى حاملي الملامح المُوجبة الداعية لتدجينهم) يمثلون نسبة مئوية قليلة من التنوّع الإجماليّ للجينات الموجودة بكامل النوع الحيّ.

أثبت بحث الدكتور شابمانوجود هذه الظاهرة في دوّار شمسنا، حيث أنّ جماعاته المزروعة هي أكثر فقراً بالجينات من الجماعات البريّة. وذهب أبعد من هذا، حين أثبت بأنّ التنوعات "الأوليّة" لدوّار الشمس المزروع هي أغنى جينياً من "الأحدث أو الحديثة". بوقت لاحق، تعرّض دوّار الشمس لضغط إنتقائيّ سواء خلال فترة تحولها من النوع البرّي للنوع المزروع، كما في استمرار تطورها من إصداراتها المزروعة الأُوَلْ وصولاً للتنوعات الأحدث.  وهذا ما تمّ تأكيده عبر دراسات أحدث، تُشير لأنّ دوّار الشمس الحالي يحتفظ بما نسبته 67% من التنوّع الجينيّ لمقابله البرّي.

 
تنوّع جينيّ لدوّار الشمس البرّي والمدجَّنة البدائيّة والمدجَّنة المتقدمة، تُشير الاشرطة للتنوّع القائم في كل مجموعة جينات، قد تعرضت للإنتقاء بفعل التدجين (الشريط الأسود)، والإنتقاء بفعل انتقاء لاحق أفضل (الشريط الرمادي)، ومن لم يتعرّض للإنتقاء (الشريط الأبيض) بكل نوع نباتيّ


بخلاف الدكتور ،بوركفقد اعتبر فريق بحث الدكتور  شامبانبأنّ التصوير الجينيّ:
 
"لم يزوّد بأيّة معلومة مُباشرة عن الأنماط الظاهريّة المتأثِّرة بالجينات الواقعة تحت تأثير الانتقاء، وبهذا، أُحرِزَ التقدّم نحو خطوة هامّة، هي اكتشاف أنّ جينات تعرضت للإنتقاء رغم أنّ وظيفتها لم تكن معروفة. تمّ التوصُّل لتلك النتائج عند تركيز البحث المُباشر بجينات مختلفة لدوّار الشمس البرّي، لدوّار الشمس "الأوّلي" وللتنوعات "الأحدث" منه. هَدَفَ كل هذا إلى مقارنة تنوّع الجينات في كل مجموعة ومحاولة استنتاج الضغط الإنتقائيّ، الذي أمكن لكل مجموعة التعرّض له، وفق هذه الصيغة، تواجد ما يقرب من 36 جين مختلف.
 
رغم جهل وظيفتها، فلدى فريق الدكتور شامبان وُجهتي نظر للدور الذي يمكن أن تلعبه تلك الجينات:

وُجهة النظر  
الأولى: البحث عن جينات معروفة متطابقة أو كثيرة الشبه بتلك الجينات المجهولة.

وُجهة النظر الثانية: إكتشاف موضع الجينات المجهولة في الكروموزوم، الأمر الذي سيسمح بمعرفة أيّ QTL قد ساد فيها.

لذلك، وعندما تحرّوا عن طبيعة تلك الجينات، اكتشفوا أنها ذات وظائف أكثر تنوّع،   عوامل نسخ، كيناز البروتين، بروتينات بنيوية. لا تظهر هذه بوصفها أسماء مُنتظَرة، فلا شيء عن "جين للبزر" أو "جين للفصوص الكبيرة". لكن، وعلى الرغم من الحاجة لوضعها قيد الدراسة العميقة للآن، فإنها وبشكل أوليّ جينات من المعتاد امتلاكها لوظيفة مُنظِّمة، ومن الممكن أن تتراوح من النموّ حتى التركيب لأيّ مركَّب. رغم هذا، هناك قسم من "الجينات المنتقاة عبر التدجين" قد نتجت بوصفها ذات أهميّة خاصة، تطابق جينان منهما مع جينات معروفة مسؤولة عن تنظيم الإزهرار عند أنواع أخرى، إضافة لأنها قد ظهرت في منطقة كروموزوميّة، قد عُرِفَ بحضور تلك الجينات فيها مع ذات الوظيفة. من جانب آخر، امتلكت 4 جينات أخرى وظيفة لصيقة جداً بنموّ ثمار الفقيرة  وبالبروتينات الحاضرة في البذور، نعم، فنحن نتحدث عن البزر هنا.

مقارنة بين أقراص دوّار الشمس البرّي والمزروع، في المركز نجد النوع البرّي وحوله نجد النوع المزروع


لكن مع التجديدات الجينيّة (وراثيّة) والتغيرات التدجينيّة

لكن، لم تتمتع كل دراسات علم وراثة دوّار الشمس بكل هذا النجاح. لنذهب أبعد من عملية التدجين. ما هي الطريقة الأشهر لإدخال التجديدات الوراثيّة في الكائنات الحيّة؟ من المؤكّد انكم تعرفوها، وهي إحداث الطفرات. وهذا ما يتعرّض لهجوم الحركة الخلقية الشديد. فهم يؤكدون بأنّ الطفرات سيئة، وتسبب التشوهات والمرض والموت فقط. وفي جزء من هذا الموقف، جزء فقط: لديهم الحقّ. فلا تمتلك غالبيّة الطفرات أيّ أثر، ومن القسم المتبقّي، فمعظمها ضارّ. ونسبة مئوية منخفضة نسبياً مفيدة فقط. بالتالي، الخلاصة المنطقية هي، من السهولة بمكان تحميل شيء بدل تغييره أو تحسينه بشكل جوهريّ.

لكن، توجد طرق تجعل الأشياء أسهل، ويبدو أنّ الخلقيين إمّا أنهم لا يعرفونها أو يفضّلون عدم الإشارة لها. إحدى تلك الطرق هي التضاعف الجينيّ. ويتأسّس التضاعف الجيني على تضاعف جين أو مجموعة من الجينات، أو يمكن أن تصير ثلاثيّة أو رباعيّة. وهي ظاهرة عامة وموثّقة في الطبيعة. فيما لو يتضاعف الجين، ما العمل مع النُسخ "الزائدة"؟ طالما لدينا على الأقلّ نسخة من هذا الجين بكل تلك الاهميّة وظيفيا، يمكننا التحكّم بباقي الجينات كيفما نريد. في الواقع، تشكّل الجينات المتكرّرة مادة ممتازة للإبتكار التطوريّ، حيث يمكن للجينات الزائدة أن تصنع أشياءاً أخرى، من فقدان وظيفيّة ما (باعتبارها نسخة فلن يحدث شيء)، وصولاً لإكتساب وظائف إضافيّة، وظائف جديدة كليّاً أو جزئيّاً، أو تحقيق ذات الوظيفة، ولكن، بصورة فعّالة ودقيقة أكثر (بالتالي، تنظيم هذا الجين سيكسب مستوى أكبر من العمق).

 
تضاعف جينيّ. إثر حصول تضاعف كهذا، سيتكوّن الكروموزوم من نسختين لهذا الجين، ومنQTL  أو من تلك المنطقة بالكروموزوم


سُجِّلَ حضور هذه الظاهرة في نبات دوّار الشمس. إنها مجموعة جينات CYCLOIDEA-like لها دور في تشكيل الأزهار. حدوث تضاعفاتها أقدم بكثير من حدوث تضاعفات عند الإنسان، حيث توجّب حصولها بدوّار الشمس منذ الفترة التي تعود إلى ما قبل 41 – 44 مليون عام. وقد تشكلت تسلسلاتها وفق الآتي:

CYC1  بنسختين، يُحقِّقُ HaCYC1 وظيفته في كل الأنسجة ما عدا الجذور، و يعمل HaCYC1b  في الجذور فقط، لـ CYC2 كثير من النُسخ، يعبّر HaCYC2b في كل الأنسجة، فيما يعمل كلّ من HaCYC2a و HaCYC2eفي جميع مكونات الإزهرار العنقودي، بينما يعمل  HaCYC2d في الأزهار فقط، ويعمل  HaCYC2 في الأزهار من نوع اللسينات، كذلك تظهر 3 نسخ من CYC3 رغم امتلاكها كلها لدور متشابه جدا. بالنتيجة، لقد تقدمت الجينات المضاعفة خطوة بالتخصّص، بحيث تعمل في أماكن محددة وليس بغيرها.

أو تلعب جينات المجموعة FT-like دوراً هاماً في تنظيم عمليّة الإزهرار، بحسب مدّة اليوم، بصورة تسمح للنبات بمعرفة فيما لو نكن بفصل الخريف – الشتاء (أيام بفترة نهار تقصر باستمرار) أو في فصل الربيع – الصيف (أيام بفترة نهار تطول بإستمرار) حيث يهمّ النبات معرفة حقبة الإزهرار باللحظة الأفضل. حسنا، تعرضت جينات دوّار الشمس للتضاعف في العصر الحديث، ولهذا، لديها 4 نسخ لذات الجين HaFT1 العامل في البارض (النقطة، التي سينمو الأفرع والأوراق المستقبليّة منها)،  يُعبّرHaFT2  و HaFT4 في الأوراق النامية لا في البارض، والنسخة الأخيرة للجين HaFT3  غير عاملة.

 
مؤثرات الطفرة في الجين CYCLOIDEA ، إلى اليمين: زهرة نوع برّي، إلى اليسار: ذات الزهرة، لكن، مع طفرة بالجين CYCLOIDEA و لمزيد من الظرافة: لقد كانت تلك الطفرة متماثلة جينياً وهذا بفضل الآلية الرئيسيّة له المثيلة للجين


من الواضح أن مجموعة الجينات FT-like قد لعبت دورها هذا خلال عملية تدجين دوّار الشمس. وعبر تقنيات مؤسّسة على قيم  مُبالَغ فيها لـ QTL وجدوا  بأنّ الجينات المتنكِّبة عملية تنظيم الإزهرار والمنتمية لعائلتيّ TF وFTL  قد امتلكت كل الأوراق الدالّة على تعرضها للانتقاء خلال عملية تدجين هذا النبات. حيث تتنكّب تلك الجينات، بين وظائف أخرى، تنظيم الإزهرار وتعطي الإنطباع بأنّ الضغط الانتقائيّ قد استُثْمِر خلال تاريخه.


على سبيل المثال، يتركّز دور الجين HaFT1 على تأخير الإزهرار. ويظهر أنّه انتُقِيَ هذا الجين خلال أوائل لحظات تدجين دوّار الشمس، سواء بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة كعاقبة لإنتقاء ملامح أخرى مرغوبة يسببها هذا الجين. تؤكد دراسات أخرى، محقّقة على جينات FT  في نبات ينتمي للفصيلة الصليبيّة هو رشاد الصخر أو في البندورة، بأنّ لهذه الجينات دور متصل ببنية النبات ونموّ الأوراق، وفيما لو تقوم بذات الدور في دوّار الشمس، فهذا يشكّل سبب جيّد لإنتقائها. من جانب آخر، يبدو أن الجين HaFT1 قد تعرّض لضغط إنتقائيّ سلبيّ بأزمنة حديثة، ما يعني إنتقاء، هدفه هو إلغاء الجين HaFT1 أو إلغاء آثاره بحسب الرغبة بالحصول على نبات إزهرار باكر من قبل بعض المزارعين. 

 
حقل دوّار شمس


يأتينا جانب هام آخر من أعمال الدكتور  ،بوركوهو حتى الآن بحالة انتظار، كنتيجة لدراسة محققة العام 2002 ومؤسّسة على QTL (لنتذكر أن هذا الرمز ثلاثي الأحرف اللاتينية يعني مجموعة من الجينات العاملة معاً .. فينيق ترجمة)، لكن، لم تكن كل نتائج تلك الدراسة من النوع المثير، فلقد عثروا على 14 QTL مرتبطة، بصورة أو بأخرى، بنموّ البذور.

 ارتبطت بنموّ الطول والعرض والوزن للثمار (البذور)، وكما هو مُنتظَر في التحوّل من النبات البرّي إلى النوع المزروع. نشر ذات الباحث بعد مرور 3 سنوات معلومات عن تنوعات QTL مرتبطة بمحتوى الثمرة من الزيت.

حديثاً، وعندما تمكّن الكائن البشريّ من تحويل دوّار الشمس لآلة مُنتجة للزيت، ويبدو أنها ظاهرة تعاكس ما رأيناه حتى الآن، فقد شكّلت حادثة أثّرت بقليل من المجموعات الجينية العاملة معاً  QTLولكن بتبعات كبرى لكل واحد منها.

 
مقارنة بين ثمرات دوّار الشمس المزروعة (إلى اليسار) والبريّة (إلى اليمين)


 
تحوّل دوّار الشمس لمصدر للزيت موضوع هامّ. ففي هذا العام 2012، تمّ نشر بحث علميّ مُحقّق بشكل مُشترك بين اختصاصيّي علم الوراثة، التطور والتدجين لدوّار الشمس للدكتورين بورك وشامبان. يتحقق المسار الكيميائيّ الحيوي المسؤول عن تركيب الأحماض الدهنيّة المتراكمة في بذور دوّار الشمس من خلال سلسلة من الجيناتFA ، حيث تُثبت هذه الدراسة، ومن جديد، فقدان التنوّع الجينيّ بهذه المجموعة من الجينات، وهذا متوقّع كعاقبة للتدجين. أحد تلك الجينات لم ينتقيه الإنسان، لكنه منتقى بصيغة طبيعية وهو FAD7  والذي يظهر أنّ انتقاءه قد حدث في اللحظة التي جرى بها إنقسام   دوار الشمس   ونوعه البرّي  لنوعين مختلفين. 
 
من جانبهما، أبرز الجينان FAD2-3 و FAD3حدوث عملية إنتقاء خلال أوائل لحظات تدجين دوّار شمسنا الراهن، بيّنت باقي الجينات المدروسة   FAB1 FAD2-1 FAD6 و FATBحصول إنتقاء خلال حقبة تالية لتدجينها، فقط، عندما شاعت زراعة دوّار الشمس.

أوائل الجينات FA المنتقاة بفضل التدجين، هما FAD2-3 و FAD3المُرتبطان بتحويل حمض الزيتيك إلى
حمض زيت الكتّان ، هكذا، بشكل متتابع. من المعروف أن تلك الأحماض الدهنيّة، تؤثّر سواء على استساغة الأطعمة كما على الإنتاش وهو ما يدفع لإنتقاء هذه الجينات. هل فرضت الإستساغة معدّل إنتاش محدّد؟ أو سبّب الإنتاش تغيُّر بعملية الإستساغة؟ أو كلاهما معاً؟ من الصعب الإجابة. من جانبها، انتُقيَت الجينات المتبقية مباشرة لإنتاج الزيت من البذور.

 
إنتاج زيت دوّار الشمس وفق الآلية هذه


أصول النوع المزروع


في الفترة التي تعود لما قبل 11000 – 5000 عام، بدأت جماعات بشرية بمختلف أنحاء العالم بتدجين أنواع نباتيّة وحيوانية مختلفة، وبهذا، سُجِّلَت بداية إنتاج الغذاء وتكوين إقتصاد جديد وحدوث تغيير جذريّ بحياة الكائن البشريّ وبشكل دائم. ولحسن الحظّ، أن نوعنا لم يكن قد ابتكر البنوك بوقتها، ما أفسح المجال للبقاء على قيد الحياة بهذا العالم القاسي. يسمى الانتقال من حياة الرعي والصيد والتقاط الثمار إلى حياة استقرار وزراعة بالثورة النيوليتيّة (الثورة الزراعيّة)، وحولها نتكلم، وفق تفاصيل مؤكّدة، في موضوعنا هذا من سلسلة البستان التطوريّ، حيث انّ تلك الحقبة قد تعرضت لبحث عميق في علم الأحياء وعلم الآثار خلال القرن المُنصرم.

تُعتبر شمال أميركا من أهم النقاط التي أصّلت للزراعة بشكل مستقلّ في الكوكب الأرضيّ. فلقد زُرِعتْ أنواع نباتيّة لم تكن معروفة بأوروبا، مثل:
 
  ودوّار الشمس وهو بطل موضوعنا هذا.

 
نوعان مدجنان في أميركا الشماليّة القديمة

 
يتوزّع دوّار الشمس البرّي على نقاط شاسعة من القارة الأميركيّة، تمتد من وسط وغرب الولايات المتحدة الاميركية وصولاً لجنوب شرق كندا وشمال المكسيك. يعود الإهتمام به كونه مصدر غذائيّ ويُستخدَم في تصنيع مواد ملونّة وطبيّة. عُثِرَ على الدليل الأكبر لحضور دوّار الشمس في الولايات المتحدة عبر مجموعة متفحمة مكونة من 6 بذور في منطقة هايس، وبفضل الكاربون 14، تمّ تأريخها بحدود ما قبل  4260 ± 60 عام، يسجّل علماء الآثار أنها مزروعة (وليست بريّة) لانّ طول الواحدة منها يتجاوز 7 ميليمتر وهو الحجم الأقلّ المُقترح بحالة دوّار الشمس المزروع. بالرغم من وضع تلك الطبيعة التدجينيّة بحالة شكوك، فإنّ دراسات، جرت بوقت لاحق، قد أثبتت بأنّ حجم وطبيعة بذور منطقة هايس تتجاوز النوع البرّي بوضوح شديد.

بذات الحقبة ما قبل 4500 و4600 عام، كذلك عُثِرَ على بقايا دوّار شمس مدجّنة بمنطقة سان أندريه   في ساحل خليج تباسكو في المكسيك، وتتراوح أبعاد ثمارها من  7.8 ميليمتر إلى 8.2 ميليمتر وهو حجم أكبر بكثير من حجم ثمار النوع البرّي والذي يُعثر عليه بذات المنطقة. مع هذا، تعرّضت تلك العيّنات للنقد، والذي تركّز على التشكيك بطبيعة صور البذور ذات النوعيّة السيِّئة وضرورة الحاجة لصور ميكروسكوبيّة إلكترونية للبتّ بالأمر وتحديدها بوصفها ثمار دوّار شمس. بالنتيجة، بقي حضور دوّار الشمس المرزوع في المكسيك بتلك الحقبة بحالة "خطر" (بمعنى أن عدم حضوره هو المُرجّح، وبهذا، يفقد إكتشاف البذور قيمته).

 
تلك الإعتراضات مألوفة علمياً. فالبراهين، الأدلة المضادّة أو كشف ضعف الأدلّة المُقدّمة، هو أمر معتاد. والردود، ما لم تكن هدّامة، من المألوف أن تتناقض مع ردود مدعومة بالأدلة الأقوى والمعطيات. 
 
هكذا، ورد ردّ على التأكيدات المُشار لها أعلاه، أثبت حضور دوّار الشمس المزروع في المكسيك منذ ما يزيد على 4500 عام، حيث اكتُشِفَتْ ثمار جديدة في كهف بالمكسيك بحال حفظ ممتاز، إضافة لتضمّن المقال المنشور حول هذه اللقى" لصور ميكروسكوبية الكترونية اثبتت بما لا يدع مجال للشكّ أنها ثمار دوّار الشمس".

 
إلى اليسار، ثمرة دوّار شمس، عُثِرَ عليها بمنطقة  ولاية كنتاكي، إلى اليمين، ثمرة دوّار شمس، عُثِرَ عليها في كهف بالمكسيك


حُقِّقَ هذا العمل من قبل فريق بحث علمي برئاسة عالم أحياء وآثار ونباتات ديفيد لينتز، دعم الفريق بحثه من خلال دراسة لغويّة قد أثبتت بأنّ هنود المكسيك، شعوب  المايا والأزتيك   ، قد استخدموا أسماء محدّدة لتحديد دوّار الشمس، وجماعات هندية أخرى، قد استخدمت إسماً يختلف صوتياً عمّا يستخدم الإسبان
بشكل كبير. بكل الأحوال، يقدّم هذا لنا الدليل على معرفة دوّار الشمس عند تلك الشعوب قبل مجيء الغزاة الإسبان.

هكذا نجد أنّ دوّار الشمس يمتلك مؤشرات جزيئية، أثرية ولغوية تتسجّل على منطقة شرق اميركا الشمالية كمركز تدجين من جهة، ومن الجهة الأخرى، توجد ذات المادة صالحة في المكسيك مُظهرة لحضور إمكانيّة التدجين لدوّار الشمس في هذا الجزء من العالم. يتساءل العلماء: هل دُجِّنَ دوّار الشمس مرتين في مكانين مختلفين؟ أو في الواقع، قد دُجِّنَ مرّة واحدة؟ وفي حال كان الأمر هكذا، أين تمّ الأمر وكيف يصل من مكان لآخر؟؟

مزيد من الأسئلة الصعبة. دراسة مؤسّسة على نماذج بريّة ومزروعة سواء في أميركا الشمالية أو في المكسيك، حاولت  الإجابة على تلك الاسئلة من خلال علم الوراثة. وبحسب نتائجها، فإنّ الانواع المزروعة راهناً من دوّار الشمس في المكسيك هي متحدّرة من جماعات بريّة من دوّار شمس أميركا الشماليّة. وربما حصل هذا الإدخال لهذه الجماعات منذ آلاف الأعوام، مع هذا، لا يمكن استبعاد حصول تدجين مستقلّ في المكسيك لدوّار الشمس وممثليه منقرضين بوقتنا الراهن. وربما يعود سبب هذا، بجزء منه، للغزو الاسبانيّ للمكسيك وحصول تدمير لدوّار الشمس كرمز لشعوب مقيمة مثل الأزتيك   وثقافات أخرى بأميركا الوسطى.

 
حجم مُقارَن لبذور دوّار شمس عُثِرَ عليها بحقول تنقيب مختلفة،  A بمنطقة هايس بالولايات المتحدة الاميركية،  B بذرة بريّة، C بذرة معثور عليها بمنطقة سان أندريه  بالمكسيك، D بذرة حديثة مزروعة.


أبناء دوّار شمسنا: تطور على جناح السرعة

لا يمكن ترك موضوع دوّار الشمس، دون الإشارة لقضيّة ظهور "نوع جديد  وتكيُّف مع بيئة مختلفة تماماً وقاتلة. وهذا يشكّل قضيّة أخرى من نشوء الأنواع، من تكوين نوع حيّ جديد، والذي يشترك بداية بعملية التهجين. لكن بخلاف ما رأيناه بحالة القمح والقطن، فلا نتحدث هذه المرّة عن هجائن عقيمة و "الطفرة الكبرى" المسماة تعدد المجموعات الصبغية ، والتي تحوله لنوع نباتيّ جديد خصيب وقابل للحياة، بل نتحدث عن نباتات مُعتبرة أنواع حيّة مختلفة من قبل علماء النبات، والتي بتهجينها تقوم بتوليد نبات قابل للحياة، لكنه مختلف جداً عن الأنواع التي شكّلت أصله. يا له من شأن صعب اعتبارها جميعها تنتمي لذات النوع الحيّ !!!!!

بوقت ما، انتشرت أنواع دوّار الشمس السنويّة والبريّة بالقارة الأميركية. فالنوع  البرّي (يسار الصورة أدناه)، الذي أعطى الأصل للنوع المزروع، هو نوع يعيش بتربة ذات تركيب طينيّ جزئياً، وهي تربة جيدة لاحتجاز الرطوبة مع تركيز ملحيّ قدره24±10  جزء بالمليون). ونحن البشر نعتبر هذا النوع من التربة مثاليّ لأجل زراعاتنا. من جانب آخر،النوع البرّي الآخر (يمين الصورة أدناه) هامّ، ويستوطن مناطق أكثر جفاف وذات طبيعة رمليّة وذات ملوحة (120±27 (جزء بالمليون.

 
إلى اليسار، نوع Helianthus annuus برّي، إلى اليمين، النوع البري الآخر  Helianthus petiolaris


بوقت لاحق عُرِفَ نوع Helianthus paradoxus كنوع برّي يعيش فقط في مناطق ذات تربة مالحة، بحرية وتربات أخرى مالحة مع مؤشّر الملوحة  2.000  إلى 20.000  جزء بالمليون!! حيث لا يمكن لنوعيه البرّي السابقين العيش في هكذا تربة ببساطة، حيث يواجهان الموت المحتّم. فلدى كل نوع منها معدلات قبول للملح مختلفة، لهذا، يمكنهم العيش ببيئات مختلفة دون الحاجة للتنافس فيما بينهم. حتى الآن، أفترض أنّ كل ما مرّ منطقيّ، لكن هل تصدقون  لو أخبركم بأنّ نوعH. paradoxus ، هو في الواقع الإبن الغير شرعيّ للتهجين بين النوعين H. annus وH. petiolaris ؟؟

لا يُشكّل نوع H. paradoxus حالة تساهل مع البيئات المالحة أكثر من قدرة أبويه، بل كذلك، يقوم بتطوير أوراق عُصاريّة (غنيّة بالماء) بنسبة كبيرة ويمتلك قدرة كبرى على تخزين منسوب مركّز هائل من الملح في أوراقه، ويساعد التكيفان في البقاء على قيد الحياة في بيئات مالحة مقارنة بأبويه.  والآن، لدينا التساؤل، لماذا يحصل هذا طالما أقربائه من الأنواع الأخرى أقلّ تساهلاً مع الملح؟ هنا، تحضر النتائج غير المتوقّعة من تآلف جينات محدّدة والقدرة على الإنتقاء.

لاجل ذلك حقّق علماء أبحاثاً ذات طبيعة مختلفة وتجارباً مخبريّة على بيئات مختلفة الملوحة، اختبارات في البيئة الطبيعية ودراسات جينيّة. لقد استخدموا أشطاء (ساق نباتيّة ثانوية) لأنواع:
 
  H. annuus, H. petiolaris, H. paradoxus   
 
وهجائن بين H. annuus  H. petiolarisو ، ولاحقاً، استزرعوا أشطاء لكل نوع سواء في دفيئة مختبرية كما في سكن طبيعيّ  لنوع H. paradoxus بهدف دراسة كيفة ترتيبها خلال 46 يوم لاحقة.

 
عيّنة ظريفة من نوع  Helianthus paradoxus


 
النتائج هامّة. في الإختبار ضمن حقل مفتوح، تمكّن النوع H. paradoxus من عبور الاختبار فقط (النوع الوحيد الذي بقي على قيد الحياة) وتمتعت الأنواع الهجينة بقدرة متوسطة مقارنة بالأنواع الأبوية لتحمّل الملوحة وماتت كذلك.


مع هذا، أوضحت الدراسات الجينية بأنّه في النوع H. paradoxus يتم انتقاء QTL المرتبطة بالتحكُّم بالأملاح في النبات والبقاء على قيد الحياة في بيئات مالحة. كذلك، حضرت مجموعات الجينات، تلك، لدى الأنواع الهجينة، ولكن، لم تتآلف بذات القدر في كل الحالات، فقد أظهرت أغلبية الهجائن حالة متوسطة بين النوع H. annuus والنوع H. petiolaris. ، لكن، بعضٌ من تلك الهجائن قد بيَّنت ميزات غير حاضرة بأيّ من الأنواع الأبويّة وهي حصريّة بالنوع H. paradoxus، من بين تلك الميزات المتفوقة عمّا لدى الأبوين، النموّ بإحتفاظ الاوراق بالمياه، تحسُّن القدرة على تمثيل الكالسيوم من الوسط المحيط وتآلف هذه القدرة مع إمكانية رفض أملاح أخرى أخطر على حياة النبات. ستشكل تلك الهجائن الجاهزة للعيش ببيئة مالحة متوسطة الأسلاف الممتازين للنوع H. paradoxus ، واعتباراً من تلك اللحظة، ستدخل بإطار الإنتقاء الطبيعيّ لإتمام (نشر) القدرات الجديدة.

ليس مفاجئاً هذا التمايز بالهجائن، فبمجرّد تحقيق التهجين، يُعاد تنظيم الجينوم، "تنوعات" مختلفة للجينات ذاتها، تسمى أليلات، تتآلف بطرق مختلفة وتعطي المجال لإمكانات عديدة. فليس غريباً أن يشكّل النوعان Helianthus annuus  و Helianthus petiolaris  الأبوين للنوع  ،Helianthus paradoxus   فقد ساهما بظهور هجائن غير شرعيّة أخرى، مثل النوع المُثير Helianthus anomalus  الذي يقطن في كثبان رمليّة، كذلك النوع المقدام Helianthus desertícola  القاطن في الصحاري. وهما نوعان قد استوطنا بيئات قاسية مقارنة ببيئة الأبوين.


 
إلى اليسار، نوع Helianthus desertícola ، إلى اليمين، عيِّنة 
من نوع   Helianthus anomalus 


نختتم موضوعنا هنا.

 

La fuente española
 
 

قد يهمكم الإطلاع على مواضيع ذات صلة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
البُستان التطوريّ {11}: تطوُّر الأرُّز - القسم الثالث عشر