من حيث المبدأ، يُشكِّلُ التصفيق العفويّ أمراً لطيفاً
يعني في جوهره "الشكر والامتنان" على قولٍ أو فعلٍ ما. وفي هذه الفترة
يكون مشروعاً ومطلوباً لشكر الأطباء والممرضين .. ولكن؟!
بعد ظهور وباء فيروس كورونا وانتشاره في جميع أنحاء العالم، وفي أوروبة على
نحو خاص، وفي إيطاليا وإسبانيا وانكلترا على نحو أكبر مقارنة بدول أوروبية أخرى.
في هذا الجوّ، برز دور الجسم الطبي بكل تفرعاته باعتباره المُكافح الأوّل، ومن
الطبيعي أن تحدث ردات فعل عفوية من مواطنين بالوقوف على شرفات منازلهم، سيما
الواقع منها قرب المشافي والمراكز الطبية، والقيام بالتصفيق للأطباء والممرضات
وباقي العاملين في الحقل الصحي.
لكن لفت انتباهي أنّ هذا الأمر يفقد معناه، ومعناه بتلك العفوية، حينما
يحدث نوع من التوجيه للقيام بالتصفيق والأخطر هو
انزعاج مواطنين من جيرانهم لأنهم
لا يخرجون للتصفيق! كأنّ التصفيق بات إجيارياً على كل مواطن، بل يمنح التصفيق الشرعية أو شهادة بالوطنية للمواطن! وهنا
بالتحديد المفاجأة!
حيث عادت بي الذاكرة إلى مهرجانات ومؤتمرات يحضرها
الحكام العرب المستبدون الفاسدون، الذين حين يُلقون كلمة، يتوجب على جميع الحاضرين
التصفيق! وإلا يكون هناك خلل ما لا تُحمد عقباه بالنسبة للبعض! فمن يُصفِّق لجلالة
الملك ولسيادة الرئيس هو مؤيد متحمس وطني غيور ومن لا يُصفق فإمّا أنه متآمر وخائن
وإرهابي أو يكون مدعوم جداً جداً جداً ويكتفي بالعبوس ولا حاجة لتصفيقه فهو
"من عضام الرقبة أو جزء من المافيا الحاكمة"!!!!
في الواقع، ما إن بدأت أيام الكورونا فيروس بالمرور حتى
تذكر الناس بأنّ الخبازين في المقدمة ويؤمنون الخبز والحلوى للناس وبالتالي يجب
التصفيق لهم! وأنّ المزارعين والصيادين الذين يؤمنون احتياجات أساسية يستحقون
التصفيق! وأن سائقي الشاحنات الذين ينقلون المنتجات الهامة بأنواعها في هذا الزمن
الصعب يستحقون التصفيق! وأن قوى الأمن والجيش والشرطة المنتشرة في الطرقات وتساعد
الناس تستحق التصفيق! وأن العاملين في الأسواق ويساعدون المواطنين على شراء
حاجياتهم يستحقون التصفيق! وأنّ العاملين في حقل الطاقة والمياه الذين يؤمنون لنا الكهرباء والمياه
والغاز يستحقون تصفيق خاصّ! وأن مصنعي المواد المُطهِّرة والطبية يستحقون
التصفيق! وبحسب المسؤولين الحكوميين فإنّ التزام المواطنين بالقوانين يستحق
التصفيق!
بالتالي، على الجميع التصفيق للجميع!!
حين نقول أحياناً لأحد العاملين بحقل ما: شكراً على ما تقوم به. يقول لنا:
هذا هو عملي، أنا هنا لأقوم بهذا العمل ولا أحتاج للشكر فأنا أقوم بواجبي.
بناء على ما تقدَّم، ليقم كل شخص بواجبه ومن يرغب بالتصفيق له، ليصفِّق،
ومن لا يرغب فلا يُصفِّق ببساطة!
أخيراً، لترقد ضحايا هذا الفيروس بسلام على امتداد
العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق