أولاً: مَنْ هو طاليس بالضبط؟
نقرأ دوماً بأنّه أحد حكماء أثينا السبعة ومن أهم الفلاسفة اليونانيين، لكن، هناك إشارات كثيرة إلى أصلٍ فينيقيٍّ له .. وهذا ليس بعجيب ولا غريب لأننا نعلم بأنّ تاريخ الإتصال بين الفينيقيين واليونانيين قديم للغاية وبحاجة للمزيد من البحث لبلورة الأفكار الكثيرة المتناثرة هنا وهناك حوله؛ التداخل والإتصال هذا شبيه بتداخل وتواصل وإتصال الفينيقيين بالمصريين وبكل الجماعات المتوطنة في سواحل وجزر البحر الأبيض المتوسط .. ففي كتاب تاريخ الفلسفة الذي ترجمه الأستاذ عبد الله الحسين، نقرأ الآتي
طاليس، وُلِدَ في السنة الأولى من الأولمبياد الخامس والثلاثين – أي قبل الميلاد بنحو 640 عام، لأن الأولمبياد دور مدته أربع سنوات – وتوفي في الأولمبياد الثامن والخمسين، وعمره 92 عام، وطاليس هذا من ذرية قدموس بن أجنور من أهالي بلاد الصور من أعمال الشام، وكان سبب إنتقال أهله لملطة التي وُلِدَ طاليس فيها جور ظلمة ملوك بلادهم حتى على صلحاء الناس، وحتى على أهل ذلك الفيلسوف، فلما أهانوهم خرجوا من بلادهم الشامية، وأقاموا بمملكة ملطة اليونانية
درس في مصر على مدار سنوات، سيما في علمي الهندسة والفلك، وكان لا يبني المعارف في الفلسفة إلا على التجربة مع وفور العقل والتدبير، ومن ثمَّ كان قليل التكلُّم كثير التفكُّر، وكان لا يعتني بمصلحة نفسه، بل لا يعتني إلا بالأمور التي تتعلق بالبلاد عموماً، فهي عنده مقدمة.
في مصدر ثاني، نقرأ الآتي
حياة طاليس المُبكِّرة
يُعتقَدُ بأنه وُلِدَ
بحدود العام 624 ق.م في بلدة أيونيا الملطية، والواقعة على الساحل الغربي التركي
اليوم.
يوجد بعض الغموض ببعض
التفاصيل المرتبطة بزمان ومكان الولادة.
يسمي مصدر قديم أبويه:
إكسمايس وكليوبولين.
ربما عاش ضمن عائلة غنية
من كبار التجار.
هناك من يُعيد أصل عائلة طاليس إلى أمير فينيقي
هام.
هناك احتمال لإمكانية
حدوث ولادة طاليس في أثينا ومن ثمّ انتقلت العائلة إلى ميليتوس أو ملطا. لأنه جرى
اعتبار طاليس أوّل حكيم بين "الحكماء السبعة" الشهيرين، وشكلوا مدرسة
لنخبة الفلاسفة، ومن المعروف بأنّ مقرها هو أثينا خلال الفترة التي عاشها طاليس.
وفي مصدر ثالث، نقرأ التالي
ظهر
فلاسفة لهم إسهامات هامة على مستوى الفيزياء. أحدهم هو طاليس والذي يُعتبر الأهم
بينهم. عاش طاليس في ميليتوس خلال الفترة الممتدة بين 624 ق.م و546 ق.م وهي مدينة
واقعة في تركيا اليوم.
هو
سليل أسرة نبلاء فينيقيين.
المؤسف أنّ كتاباته لم تُحفَظ. بالتالي، ما ورد
منها قد أتى بسياق مصادر ثانوية.
رغم
هذا، نعرف الكثير عنه وعن أعماله بسبب الأثر الكبير الذي تركه خلفه.
وفي مصدر رابع، نقرأ التالي
طاليس (627 – 546 ق.م)
هو فيلسوف فينيقيّ ما قبل سقراطيّ من ميليتوس في آسيا الصغرى (على الساحل الغربي
المتوسطي التركي اليوم)، جرى إعتباره أحد الحكماء السبعة في أثينا.
وقد تساءل الباحث الألماني غيورغ فورلي حول أصل طاليس وأجاب، كما يتضح في الصورة التالية
وبمصادر أخرى باللغات اليونانية والإسبانية والإنكليزية والفرنسية والعربية، نقرأ في الصور التالية
ثانياً: طاليس أب الفلسفة - على مستوى اليونان وأوروبة
مع مُلاحظة تداخل الفلسفة مع العلم ذاك الزمن، بحسب مصادر متنوعة مُثبَّتَة بنهاية الموضوع، نقرأ الآتي حول طاليس أب الفلسفة
إعتبره كثيرون، سيما
أرسطو، بأنّه أوّل فيلسوف في التقليد اليوناني.
بحسب برتراند راسل،
"تبدأ الفلسفة الغربيّة مع طاليس".
تأثَّر فكر طاليس كثيراً
بالتقاليد الفلسفية المصرية والبابلية. لعبت دراسة المنطق والبرهنة دوراً مركزياً
في الرياضيّات منذ زمن طاليس، الذي يُعتبر من أوائل الرياضيّاتيين الذين وفَّروا
براهين إستنباطية.
في منطقة حوض البحر
الأبيض المتوسط، جرى إقتراح مفهوم الذرّة لأوّل مرّة من قبل الفيلسوف (الأخصائي بعلم وظائف الأعضاء والنبيّ .. راجع الصورة الأخيرة بمجموعة الصور أعلاه وعليها تاريخ 24.11.2022) الفينيقيّ
موخوس الصيدوني، الذي عاش في صيدون الفينيقيّة ( صيدا في لبنان الراهن) خلال القرن
الرابع عشر قبل الميلاد (قبل القرن الخامس قبل الميلاد بكثير!).
وقد أعطى الأصل، بهذا
الإقتراح، لظهور مدرسة الفلسفة الذريّة اليونانية مع ديموقريطوس وأبيقور.
الفيلسوف اليوناني
الآخر، الذي قد تأثَّرَ كثيراً بالفلسفة الفينيقيّة هو فيثاغورث (هو من مواليد صيدا وهو فينيقيّ بحسب يامبليخوس الذي كتب كتاباً حول حياة فيثاغورث)، الذي قد درس في
مدينة صيدون الفينيقيّة كما درس في مصر وفي بلاد الرافدين.
في اليونان القديم،
شكَّلَ طاليس جزءاً من الحكماء السبعة ذوي التقدير الكبير. كانوا فلاسفة أسطوريين،
بشكل أساسيّ، ولهذا إعتبرهم اليونانيُّون الأساس بتطوير طريقة تفكيرهم.
بيومنا هذا، عندما نرغب
بالحديث عن العقول المميزة القديمة فإننا، بغالبيتنا، سنفكِّر بسقراط وأفلاطون
وأرسطو.
مع ذلك، فلو جرى سؤال
أولئك عن العقل المميز قبلهم، لقالوا طاليس دون أدنى شكّ.
لا يعرف كثيرون بأنّ طاليس هو سلفهم الفلسفيّ
حتّى وأب الفلسفة.
على وجه الخصوص، أقرَّ
أرسطو، إضافة إلى عقول نيِّرة اخرى قديمة بينها ديموقريطس وهيرودوت، بهذه الحقيقة
أو بهذا الواقع.
حتى زمن طاليس، شاع لدى
قدماء اليونانيين تفسير الظواهر الطبيعية بمصطلحات "أعمال الآلهة".
على سبيل المثال، عُزيَت
العواصف الرعدية إلى غضب الإله زيوس؛ أو اعتبروا الهزّات الأرضية أو الزلازل كعمل
من أعمال آلهة العالم السفلي (الجحيم، عالم الرذيلة والإجرام، عالم الظُلُمات
..الخ).
لكن، إمتلك طاليس الجرأة
الكافية كي يتمرّد على هذا النوع من التفكير ويسعى لوضع تفسيرات عقلانية ومنطقية
أكثر.
على سبيل المثال، اعتبر سبب الهزات الأرضية هو حركة طبقات الأرض التي تطفو على محيط أو بحر، حيث يؤدي تلاطم أمواجه العنيف لظهور الزلازل أو الهزات الأرضية.
بدأ حياته متشبعاً بثقافة مسكونة بالأساطير القديمة. لكن، طاليس الذي قال بأنه الأوّل، قد انقلب على قرون من أنظمة الإعتقاد غير العلمية المتوارثة. فعوضاً عنها، حاول تفسير الواقع المادي بإتباع منهجية تضمنت المُلاحظة والقياس والإختبار والتطوير لمباديء الرياضيات.
طاليس والمادية
ناقش فلاسفة كبار حديثون تأثير طاليس بحماس، لكن، مع ظهور الكثير من عدم التوافق.
فهناك من إعتبر بأنّ طاليس هو من أعطى أصل الماديّة – فكرة أنّ واقعنا مصنوع من شيء "متماسك صلب".
يسحب طرح طاليس أساسيّات الفيزياء من عالم التفسيرات الصوفية أو الماورائيّة ويضعها بمكانها الصحيح "الواقع القاسي القائم".
كذلك، يُعتبر طاليس أحد أوائل "علماء الطبيعة"، أي ممن حاولوا تفسير "الطبيعة من خلال الطبيعة ذاتها".
فعوضاً عن القول بأصل إلهي للماء والصخور والأشجار، كما جرت العادة قبله (وبعده! .. فينيق ترجمة)، سعى طاليس إلى النظر بكل شيء بناءاً على خصائص مواده الأساسيّة دون ربطها بأيّ مصدر غير ماديّ أو متسامي عن هذا الوجود.
دون شكّ، يُعتبر طاليس من الأوائل الذين عارضوا الطرق التقليدية بالتفكير والتي هيمنت خلال قرون.
هذا بحد ذاته، يجعله بمصاف أهم الشخصيات بتاريخ هذا العالم.
إسهامات في الرياضيّات
لا يُشار كثيراً إلى
أهميّة إسهامات طاليس بفهم الرياضيّات. سيحمل عمله النظريّ الهندسيّ أكبر الآثار على
جميع العلوم الغربية اللاحقة.
عاش طاليس قبل إقليدس (بحوالي 300 عام تقريباً)، مع هذا، أسميت الهندسة بالإقليدية فيما بعد. لكن، لولا
ظهور طاليس، لما سمع أحد بإقليدس.
يُقال بأنّ طاليس هو أوّل من تحدث عن مباديء تنصيف الدوائر وأنّه الأوّل بتقديم إثبات رياضيّاتي لتساوي زاويتي مثلث متساوي الساقين.
بيَّنَ طاليس، كذلك،
بأنّ المثلثات التي فيها زاويتين وضلع بحالة تساوي فهي متساوية.
يُعتبر هذا أكثر من نظرية، فقد أمكنهم إستعمال
هذه المباديء لمقاصد عملية مثل قياسات المراكب التي ستجوب البحر.
دون هذه الأشياء
الأساسيّة بفهم الهندسة، سيبدو الكثير مما نعتبره بديهيات اليوم مستحيلاً.
دفعت تطويرات طاليس
الرياضيّاتية إلى ظهور تخصصات علمية متنوعة، من الملاحة إلى العمارة إلى الهندسة
بالإضافة إلى تحقيق فهم أعمق لعلم الفلك.
طاليس مشهور بوضع نظرية،
قد حملت إسمه بعد رحيله.
تقول نظرية طاليس:
"إن تُشكِّل أ وب
وت نقاطاً من دائرة قطرها هو الخط الممتد بين النقطتين أ وت، فإنّ الزاوية أ ب ت
هي زاوية قائمة".
أهم الإسهامات في الفيزياء
في الواقع، إشتهر طاليس بإعتباره المياه الأساس لكل شيء.
فقد إعتبر بأنّ كل شيء مصنوع من ماء.
أتته هذه الفكرة من ملاحظته لكيفية جريان المياه في
الجداول والأنهار لتصل إلى البحار والمحيطات.
ساهم هذا بدفع طاليس لتبني فكرة أنّ كل شيء يتبع ذات
النموذج.
اليوم، تُعتبر طروحاته غريبة قليلاً قياساً بالتقدُّم
العلمي والتفسير الأوضح.
لكن، في ذاك الوقت، يُعتبر تفكيره ثورياً وذكياً جداً
بالنظر إلى الأشياء.
في الواقع، طريقة تفكيره هذه هي التي جعلته متميزاً إلى
درجة إعتباره "أب العلوم".
أخيراً: حكمة طاليس
عندما عاد من مصر، إعتكف طاليس بخلوة طويلة في ملطة. لم يشغل باله سوى العلوم وعلم الفلك على وجه التحديد. حمله حب الخلوة والحكمة على إختيار الوحدة وترك الزواج، وكان عمره وقتها 23 عاماً، فأشارت عليه أمه أقلوبولين بالتزوج ومخالطة الناس، فقال لها:
إن الإنسان في صغر سنه لا يليق به الزواج، وفي كبر سنه يفوت عنده أوان الزواج،
وبين هذين الأجلين لا ينبغي له أن يختار زوجة.
إعترض بعض الناس من مملكة ملطة (ميليتوس باليونانية ولا علاقة لها بجزيرة مالطة!) على طاليس، وقال:
إن علومه لا تنفع لكونها لم تُخرجه من حيِّز الفقر والمسكنة.
فقال طاليس:
إنّ أهل
العقول لا يحبون جمع المال الكثير، بل يحتقرون وصف الغني (إحتقر ديوجين الغِنى كذلك، لكن بعد مرور حوالي 250 عام)، وإنما يحبون إكتساب
العلوم والمعارف التي لا تتولد منها حادثة مضرة.
وكان يقول:
إن الأمر الذي تلوم أخاك على فعله، لا ينبغي لك أن تفعله بنفسك (لنتذكر القاعدة الذهبية .. فينيق ترجمة)، وإن السعادة الحقيقية هي تمتُّع الإنسان بالعافية، وأن يكون عنده رزق الكفاف، وأن لا يضيع عمره في الجهل والجبن.
المراجع
تاريخ الفلاسفة، ترجمه من الفرنسية: الأستاذ عبد الله حسين ص 1-11
ملحوظة: ككل مواضيع "فينيق ترجمة" سيتم تحديث الموضوع بناءاً على تحصيل معلومات جديدة من مصادر أخرى .. شكراً للإهتمام والشكر أكبر لأيّ تصويب أو تصحيح لأيّ خلل مُحتمل الوجود .. والختام مع قول للعظيم أرسطو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق