¿Qué es, pues, lo que el trigo ofrecía a
los agriculturalistas? No ofrecía nada a la gente en tanto que individuos, pero
sí confirió algo a Homo sapiens como especie. Cultivar trigo proporcionaba
mucha más comida por unidad de territorio, y por ello permitió a Homo sapiens
multiplicarse exponencialmente. Hacia el año 13000 a.C., cuando las gentes se
alimentaban recolectando plantas silvestres y cazando animales salvajes, el
área alrededor del oasis de Jericó, en Palestina, podía sostener todo lo más
una tropilla errante de 100 personas relativamente saludables y bien
alimentadas. Hacia el 8500 a.C., cuando las plantas silvestres habían dado paso
a los campos de trigo, el oasis sostenía una aldea grande pero hacinada de
1.000 personas, que padecían mucho más de enfermedades y desnutrición.
La moneda de la evolución no es el hambre
ni el dolor, sino copias de hélices de ADN. De la misma manera que el éxito
económico de una compañía se mide solo por el número de dólares en su cuenta
bancaria y no por la felicidad de sus empleados, el éxito evolutivo de una
especie se mide por el número de copias de su ADN. Si no quedan más copias de
ADN, la especie se extingue, de la misma manera que una compañía sin dinero
está en bancarrota. Si una especie puede alardear de muchas copias de ADN, es
un éxito, y la especie prospera. Desde esta perspectiva, 1.000 copias siempre
son mejores que 100 copias. Esta es la esencia de la revolución agrícola: la
capacidad de mantener más gente viva en peores condiciones
ما الذي قدّمه القمح للمزارعين إذاً؟
لم يقدم شيئاً، سواء للناس بالعموم، كما للأفراد، لكن، قدّم القمح شيئاً ما
للإنسان العاقل كنوع حيّ.
وفّرت زراعة القمح كمّ طعام أكبر ربطاً بالمساحة
المزروعة من الأرض، وهذا ما سمح للإنسان العاقل بالتكاثر بصورة واضحة.
بحدود العام
13000 قبل الميلاد، عندما تغذت الناس على إلتقاط النباتات البرية وإصطياد
الحيوانات البرية في منطقة أريحا بفلسطين، بلغ عدد المتواجدين فيها حوالي 100 شخص
أصحاء وذوي تغذية سليمة.
بحدود العام 8500 قبل الميلاد، عندما أزيحت النباتات
البرية لصالح القمح، توفرت التغذية في أريحا لحوالي 1000 شخص، لكنهم واجهوا
الأمراض وسوء التغذية بصورة أكبر من أسلافهم.
لا تُطبَعْ عملة التطوُّر في الجوع ولا في الآلام:
بل في نُسخ من خيطان
الحمض النووي الريبي منقوص الاوكسجين DNA.
بذات الطريقة التي يُقاس بها مقدار نجاح إقتصادي لشركة ما، من خلال المبلغ
المتوفر في حسابها المصرفيّ فقط، وليس بسبب سعادة موظفيها!
يُقاس النجاح التطوريّ لنوع
حيّ من خلال عدد نسخ الحمض النووي الريبي منقوص الأوكسجين. فيما لو لا يتبقى نسخ
أكثر من هذا الحمض النووي، سينقرض هذا النوع الحيّ، بذات الطريقة التي تنتهي بها
الشركة حين تفقد أموالها.
فيما لو يوجد شيء يمكن لنوع حيّ التباهي به فهو إمتلاكه
لكثير من نسخ الحمض النووي DNA
ويُعتبر هذا نجاحاً بحد ذاته، حيث يزدهر حضور هذا النوع الحيّ.
إنطلاقاً من وجهة النظر
هذه، فحضور 1000 نسخة منه أفضل من حضور 100 نسخة.
هو جوهر الثورة
الزراعية:
القدرة على الحفاظ على عدد أشخاص أحياء أكبر في ظروف سيئة.
لكن، لماذا وجب على أولئك الأفراد الإهتمام بهذا الحساب التطوريّ؟
لماذا وجب على كل شخص مُعافى تخفيض مستوى حياته الخاص لمضاعفة عدد نسخ جينوم
الإنسان العاقل؟
لم ينتبه أحد لأنّ الثورة الزراعية ما هي إلّا فخّ.
شكّل إزدهار الزراعة حدثاً بالغ التدرُّج، وقد استغرق قرونا وآلافاً من
السنين.
لم يحدث هذا الأمر فجأة، بحيث ينتقل الصياد ملتقط الثمار إلى الإستقرار
بقرية بين ليلة وضحاها، حارثاً الحقول وزارعاً القمح وناقلا المياه من الأنهار. بل
استغرق هذا التحوُّل زمناً طويلاً، وقد حدث على مراحل، تطلبت كل مرحلة منها حدوث
تغيير طفيف بالحياة اليومية.
وصل الإنسان العاقل إلى شرق المتوسط منذ
حوالي 70000 عام. وخلال الخمسين ألف عام التالية، عاش أسلافنا بهناء ورخاء دون
زراعة. فالموارد الطبيعية في المنطقة كافية لدعم سكانها ذاك الوقت.
في حقب الوفرة، أنجبت الناس أولاداً أكثر، وفي حقب القلّة، قلّ عدد الأطفال.
البشر، وككثير من
الحيوانات، لديهم آليات هرمونية ووراثية تساعدهم في التحكُّم بعملية الإنجاب.
في
الأزمنة الخيِّرة، تصل النساء سنّ البلوغ بسرعة، وقابليتهن للحمل أكبر. لكن،
في الأزمنة الصعبة، يتأخر سن البلوغ وتنخفض الخصوبة.
أضيفت إلى تلك التحكمات الطبيعية بالسكّان آليات تحكُّم ثقافيّة
أيضاً. فالصغار والأطفال هم عبء لحظة التنقُّل بالنسبة لعائلات صيّادة ملتقطة
للثمار جوّالة. حاولت الناس جعل الفاصل الزمني بين طفل وآخر بمعدل تراوح بين 3 إلى
4 سنوات. وقد أرضعت الأمهات الأطفال حتى عمر متقدم (ومن المعروف بأنّ الإرضاع
المستمرّ للطفل يعني تخفيض إحتمالية حدوث الحمل). كذلك، إعتمدوا على الإمتناع
الكليّ أو الجزئي عن ممارسة الجنس (ربما، دعمتها تحريمات ثقافية) والإجهاض أو
الوأد ببعض الأحيان.
خلال تلك الآلاف الطويلة من الأعوام، تناول البشر بذور
قمح برّي في بعض الأحيان، لكن، هو أمر هامشيّ في نظامه الغذائيّ.
منذ حوالي 18000 عام، أعطت
آخر حقبة جليدية المجال لظهور حقبة إحترار عالميّ. بحيث إزدادات درجات الحرارة،
كما إزدادت الهطولات المطرية.
هذا المناخ الجديد مثالي للقمح وبقول أخرى في
منطقة شرق البحر المتوسط، والتي تضاعفت وانتشرت. بدأت الناس بتناول القمح بصورة أكبر،
وهكذا، ودون أيّ إنتباه، توسَّع إستهلاكه. لم يكن ممكناً تناول تلك الحبوب البرية دون
تعريضها لعمليات طحن وسلق وسواها، وقد جمعوا كميات منه وحملوها معهم لأماكن
إقامتهم المؤقتة. أدّى تساقط تلك الحبيبات الصغيرة في الطرق، لنموّ متزايد للقمح
بمناطق إقامة الناس وحولها.
عندما أحرق البشر الغابات، ساعدوا بهذا على حضور القمح. فقد ساهم غياب
الأشجار بوصول أشعة الشمس ومياه الأمطار والأغذية للقمح والأعشاب الأخرى، الأمر
الذي ساهم بازدهارها وإتساع مساحات حضورها، وهكذا، حضرت الحيوانات بكثرة، أيضاً،
ومصادر تغذية أخرى للبشر، وتدريجيا، بدأ البشر بهجران نمط حياة التنقُّل والميل نحو
الإستقرار بمخيمات موسمية ودائمة حتى.
في البداية، أمكنهم التخييم لمدة أربعة أسابيع،
أي خلال فترة الحصاد.
بمرور الجيل الأّوّل من مزارعي القمح، عندما تضاعفت مساحة
القمح المزروع وامتدت، صارت مدّة التخييم لأجل الحصاد خمسة أسابيع، ثم ستة أسابيع،
وبالنهاية، إستقروا وشكّلوا قرى.
على امتداد كامل منطقة شرق المُتوسِّط، اكتشفوا
مؤشرات أثرية لتلك البلدات، سيما في منطقة بلاد الشام، حيث ازدهرت الثقافة النطوفية (بين العام 12500 والعام 9500 قبل الميلاد) وعاشوا كصيادين – ملتقطي ثمار قد حافظوا على
عشرات الأنواع البرية، لكنهم عاشوا في بلدات مستقرة وخصصوا القسم الأكبر من وقتهم
لجمع ومعالجة البقول البرية. بنوا بيوت ومخازن غلال من الحجارة. خزَّنوا الحبوب
لأجل الأزمنة الصعبة. ابتكروا أدوات جديدة، مثل المناجل الحجرية لجمع القمح البري،
وهاون (مِهْراس) ويد هاون حجري لطحن القمح.
في وقت لاحق للعام 9500 قبل الميلاد، تابع أسلاف الثقافة النطوفية إلتقاط ومعالجة البقول، لكن، كذلك، بدؤوا بزراعتها كل مرّة بطريقة إنتقائية أكثر.
عندما جمعوا حبوباً برية، إنشغلوا بترك قسم من الحصاد جانباً، لكي يزرعوا الحقول في
فصل قادم. اكتشفوا أنه بإمكانهم تحصيل نتائج أهمّ فيما لو زرعوا الحبوب بعمق معين
بالتربة دون رميها عشوائياً على سطح التربة.
هكذا، بدؤوا بالحفر والحراثة. بدؤوا
تدريجياً، كذلك، بألغاء الأعشاب الضارة من الحقول، لمنع حضور الطفيليات، ولأجل سقاية
وتخصيب التربة المزروعة بصورة أفضل. بهذا، وجهوا المزيد من الجهود نحو زراعة
البقوليات، وبهذا، قلّ الوقت المخصص للصيد وإلتقاط الثمار البرية.
لقد تحوّل
الصيادون – ملتقطو الثمار إلى مُزارعين!!
لم يكن هناك خطوة واحدة فقط تفصل بين المرأة التي إلتقطت القمح البري والمرأة التي زرعت القمح المُدجّن، بصورة يصعب فيها تحديد لحظة التحوُّل القاطع إلى
الزراعة.
لكن، منذ ما يقرب من 8500 عام قبل الميلاد، انتشرت
القرى والبلدات الشهيرة، في شرق المُتوسِّط، مثل أريحا، والتي أمضى سكانها القسم الأكبر من وقتهم
بزراعة أنواع نباتية مدجنة قليلة.
مع إعتماد
الإستقرار في بلدات وقرى وإزدياد ملحوظ في الموارد الغذائية، بدأت تزداد أعداد
السكّان. سمح هجران نمط حياة التنقُّل للنساء بإمتلاك أبناء بمعدل سنويّ. كذلك، جرى
فطام الصغار بعمر أبكر، حيث أمنكهم تناول الأطعمة الهشّة.
فالحقول الجديدة، تحتاج
المزيد من الأيدي العاملة. لكن، ساهم ازدياد عدد السكّان بإختفاء الفائض بالأغذية،
وبهذا، توجب عليهم زرع المزيد من الحقول. وهكذا، عندما بدأت الناس بالعيش في قرى
مسكونة بالأمراض، عندما تغذّى الصغار على البقول أكثر من تناولهم حليب الأم، وعندما
تنافس الإخوة على تحصيل الطعام:
إرتفعت وإنتشرت نسبة وفيات الأطفال.
في غالبية
المجتمعات الزراعية، مات واحد من كل ثلاثة أطفال، على الأقلّ، قبل أن يبلغ العشرين
عام. مع هذا، فاق إرتفاع معدل الولادات معدل الوفيات، فقد إمتلك البشر أعداداً أكبر
من الأبناء بشكل متنامي.
بمرور الزمن، تحوّل "الإشتغال بالقمح" إلى عبء متزايد. ماتت
الأطفال بأعداد كبيرة، فيما أكل الكبار الخبز بعرق جبينهم.
عاش الشخص العادي في
مدينة أريحا الفلسطينية بحدود العام 8500 قبل الميلاد حياة أقسى من حياة ذات الشخص
الذي عاش في الفترة المتدة بين العام 9500 والعام 13000 قبل الميلاد. مع ذلك، لم
يأخذ أحداً بحسابه ما حدث. فقد تابع كل جيل حياة الجيل السابق، بظلّ تحسُّن
محدود هنا وهناك في الأشياء التي حققوها.
تمثلت المفارقة بأنّ سلسلة من
"التحسينات"، التي توخى كل تحسين منها جعل الحياة أيسر، قد
ساهمت كلها بإنشاء حبل يلتف حول أعناق أولئك المزارعين!!
لماذا إرتكب البشر هذا الخطأ القاتل؟
لذات السبب، الذي قادهم إلى تبني حسابات خاطئة أخرى، على إمتداد التاريخ الطويل.
لم تتمكن الناس من إنشاء التوازن بكامل تبعات قراراتها. ففي كل مرّة قد قرروا
بذل القليل من العمل الإضافي (حفر التربة بدل نثر البذور على سطحها، كمثال)، فقد
فكّروا "بأنّ بذل جهود أكبر وأقسى، سيساهم بحصاد أوفر! ولن نُشغل بالنا
بسنوات القلّة. لن يذهب أطفالنا جوعى إلى النوم". وقد امتلك هذا معنى هائلاً
لهم.
ففيما لو عملت بقساوة أكثر، فستمتلك حياة أفضل، لقد تبنوا هذه المعادلة.
إشتغل الجزء الأول من الخطة بصورة كاملة. عملياً، عملت الناس بصورة
قاسية أكثر، لكن، لم تحسب بأنّ عدد الأطفال سيزيد، الأمر الذي أدّى إلى تقاسم
المحصول مع عدد أكبر من الأطفال. كذلك، لم يعرف أوائل المزارعون بأنّ إطعام صغارهم
أغذية بقولية مقابل تقليل مدة تناولهم لحليب الأم، سيساهم بإضعاف جهاز مناعتهم،
وبأنّ البلدات المستقرة ستتحول لحواضن للأمراض المعدية.
لم يتوقعوا بأنّه عند
زيادة إعتمادهم على مورد تغذية وحيد، سيتعرضوا للإفتراس
والجفاف بشكل أكبر. كذلك، لم يتوقع المزارعون أن سنوات الإزدهار ستجلب اللصوص والأعداء، وهو
ما أجبرهم على البدء ببناء الأسوار والقيام بعمليات الحراسة.
بالتالي، لماذا لم يهجر البشر الزراعة، بعدما أخفق المخطط؟
من جانب، لأنّ التغيُّرات قد حدثت خلال أجيال وبصورة تدريجية فتراكمت
وتغيّر المجتمع، ولهذا، لم يتذكر أحد بأنه قد عاش سابقاً بصورة مختلفة.
ومن جانب آخر، لأنّ النموّ السُكّاني قد حرق سفن البشرية!
فإذا إزداد تبني الزراعة بين سكّان قرية من 100 شخص إلى 110، لماذا قَبِلَ عشرة أشخاص،
وبصورة طوعية، الموت من الجوع، لكي يستطيع الباقي العودة للأزمنة القديمة
الخوالي؟
هكذا، نقعُ بالفخّ دون أن ندري أو ربما ندري!
قد يهمكم الإطلاع على مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق