Llama la atención la referencia al poeta sirio Faraj Bayrakdar, quien ha
permanecido por 18 años en las caréceles de su país de origen Siria.
Faraj Bayrkdar ha pertenecido la oposición comunista en Siria, se le ha
torturado y maltratado física y psíquicamente, y en la prisión no tenía
acceso ni a papel ni a lápiz. El memorizaba sus poemas y cuando ya eran
demasiados y temía por olvidarlos entonces pidió a un compañero de
prisión memorizar algunos.
El poeta Faraj Bayrkdar leerá sus poemas en durante la repartición de los premios que otorga el Pen Club sueco.
Con
la ayuda de la fantasía y la riqueza creativa logró fabricar tinta,
afilar un pedazo de metal para volverlo un bolígrafo y usar la caja de
los cigarrillos para escribir en él. Él logró sacar fuera sus poemas y
los otros se fueron con él cuando fue liberado a finales de los 90 y
pudo dejar Siria. En una entrevista le preguntaron que significa pare él
el papel de la cajetilla de los cigarrillos, éste contestó “papel de la
libertad”.
تحدّثنا في الجزء الثالث، من هذه السلسلة، عن رحلة
ياسين الحاج صالح من خلال "بالخلاص يا شباب". ننتقل الآن للحديث عن
معاناة فرج بيرقدار عبر كتابه "خيانات اللغة والصمت – تغريبتي في سجون مافيا
الأسد". من خلال نقل الآتي:
فرج بيرقدار شاعر وصحافي سوري من مواليد حمص 1951.
حائز على إجازة في قسم اللغة العربية وآدابها / جامعة دمشق.
حائز خمس جوائز عالمية، وأربعة عشر عاماً في سجون المخابرات السورية.
شارك بعد الإفراج عنه في كثير من المهرجانات والملتقيات العربية والعالمية، ولكن لم يتح له أن يقرأ قصائده في أي مؤسسة ثقافية سورية.
- دعي للإقامة في ألمانيا ثمانية شهور في ضيافة مؤسسة هاينرش بول وذلك في عام 2001.
- دُعي من قبل مؤسسة (شعراء من كل الأمم) للإقامة في هولندا لمدة عام، اعتباراً من 24/9/2003, وقد حاضر خلال هذا العام في قسم اللغة العربية بجامعة ليدن.
- في 27/10/ 2005 سافر إلى السويد بدعوة (من مدينة ستوكهولم ونادي القلم السويدي) لمدة عامين ضيفاً تحت لقب "كاتب المدينة الحرة"، وقد قرر بعد ذلك البقاء في السويد.
صدر له خمس مجموعات شعرية وكتاب عن تجربة السجن.
صدرت عدة ترجمات لبعض كتبه ولجانب من شعره إلى الفرنسية والإنكليزية والهولندية والألمانية والاسبانية والكاتالونية والسويدية,والليتوانية.
• عضو اتحاد الكتَّاب في السويد.
• عضو شرف في نادي القلم العالمي.
• لم يتح له "شرف" عضوية اتحاد الكتّاب في بلده الأم.
الموقع الفرعي في الحوار المتمدن:
حائز على إجازة في قسم اللغة العربية وآدابها / جامعة دمشق.
حائز خمس جوائز عالمية، وأربعة عشر عاماً في سجون المخابرات السورية.
شارك بعد الإفراج عنه في كثير من المهرجانات والملتقيات العربية والعالمية، ولكن لم يتح له أن يقرأ قصائده في أي مؤسسة ثقافية سورية.
- دعي للإقامة في ألمانيا ثمانية شهور في ضيافة مؤسسة هاينرش بول وذلك في عام 2001.
- دُعي من قبل مؤسسة (شعراء من كل الأمم) للإقامة في هولندا لمدة عام، اعتباراً من 24/9/2003, وقد حاضر خلال هذا العام في قسم اللغة العربية بجامعة ليدن.
- في 27/10/ 2005 سافر إلى السويد بدعوة (من مدينة ستوكهولم ونادي القلم السويدي) لمدة عامين ضيفاً تحت لقب "كاتب المدينة الحرة"، وقد قرر بعد ذلك البقاء في السويد.
صدر له خمس مجموعات شعرية وكتاب عن تجربة السجن.
صدرت عدة ترجمات لبعض كتبه ولجانب من شعره إلى الفرنسية والإنكليزية والهولندية والألمانية والاسبانية والكاتالونية والسويدية,والليتوانية.
• عضو اتحاد الكتَّاب في السويد.
• عضو شرف في نادي القلم العالمي.
• لم يتح له "شرف" عضوية اتحاد الكتّاب في بلده الأم.
الموقع الفرعي في الحوار المتمدن:
http://www.ahewar.org/m.asp?i=1196
"خيانات اللغة والصمت" تغريبتي في سجون المخابرات السورية" كتاب صدر لفرج
بيرقدار (عن دار الجديد في بيروت)، ويروي فيه يوميات في السجون السورية من
خلال انتقاله وعلى امتداد 14 عاماً. وبأسماء متعددة حتى رست عليه الرقم 13،
سجين رقم 13، هذا السجين السياسي، وهو شاعر وصحافي سوري من مواليد 1951،
خرج تحت ضغط دوي من المؤسسات العالمية لحقوق الانسان. وهو هو، خارج السجون،
وبعيداً (؟) عن سلطة المخابرات والجلادين يروي وبلغة ادبية وبايقاعات
خصبة، ما عاناه هناك من قهر واعتداء وضرب وتجويع وقمع وإهانة وإذلال بأبشع
الطرق وأكثرها ابتذالاً.
لا أمس... ولا هناك؟!
أيها الأصدقاء... ورداً وأجنحة وبعد
ما ستقرؤنه في هذا الكتاب، هو بعض أوراقي التي أترك لكم تقدير كيفية ومتاعب تهريبها من السجن، مكتوبة على ورق السجائر.
في السنوات الأولى من الاعتقال، لم يكن لدينا أقلام ولا أوراق، ولهذا رحت أدرب ذاكرتي للكتابة عليها بشكل مباشر. أليست هي طريقة أجدادننا القدامى قبل انتشار الكتابة؟!
بالطبع كان ذلك ممكناً بالنسبة إلى الشعر... ومع ذلك فإنني حين كثرت القصائد، وخفت ان تخونني ذاكرتي، لجأت إلى بعض الأصدقاء الذين حفظ كل منهم واحدة من تلك القصائد.
فيما بعد ساعدني سجناء كثيرون في نسخ ونقاش وحماية وتهريب كل ما أكتب.
إذن هو عمل جماعي على نحو ما، وان كان مؤسساً بصورة فردية.
لم أستطع كتابة اسمي الصريح في هذه الأوراق، ولا أسماء الآخرين. كان لذلك مخاطره الأمنية من جهة، ومن جهة أخرى لم يكن ليغير كثيراً ذكر الأسماء، ما دامت التجربة واحدة، وما دام المهم هو عرضها أو توثيقها بطريقة ما.
لا أدري.. ربما لم يخطر في بالي أصلا ذكر الأسماء، ذلك ان اسماءنا جميعاً كانت مصادرة.
لقد أعطونا في البداية بدلاً من اسمائنا أرقاماً... وفي فترة لاحقة أعطونا ألقاباً مستمدة من اشكالنا أو ألوان ملابسنا: أبو البيجامة الكحلية.. أبو القميص البيج... أبو الكنزة الرمادية.. أشقر الخرا... أسود الكلب... رأس الجحش... الممعوط أبو رقبة... إلخ.
في الشهور الأولى تعددت أسمائي، أعني أرقامي، تبعاً للمفردات التي باركتني بكثير من الحنان واللعنات، ولكن الاسم الذي رافقني لزمن أطول، وعرفت به، هو السجين رقم 13.
ربما هو رقم مشؤوم في عرف الكثيرين خارجاً.. أما في الداخل، فان جميع الأرقام مشؤومة وكافرة وبنت كلب.
حين يعامل السجين بوصفه رقماً حيادياً أو لقباً ازدرائياً، وحين يطغى الرمادي على الزمان والمكان في نسق جهنمي مطفأ وبارد وملول، تأخذ الألوان أبعاداً مختلفة، ويغدو الاحساس بالتمايز، والبحث عن الذات والقبض عليها داخل الزمن، مسألة وجود أو لا وجود.
بعد إحدى جولات التحقيق المجنونة، نقلوني الى قسم العناية المشددة في مشفى حرستا العسكري. يومها اضطروا أن يعطوني اسماً حركياً: سيف أحمد.
لن تصدقوا كم كانت فرحتي كبيرة بهذا الاسم. لقد كان يكفيني أنه ليس رقماً... ولكن تلك الفرحة تبخرت عندما وضعوني على الحمالة وأدخلوني إلى إحدى الغرف:
ـ لو مت في هذا المشفى، فلن يكون في قيوده أو سجلاته أي شيء حقيقي يدل علي!!
ما إن همست للطبيب، الذي يفحصني، باسمي الحقيقي وبأني سجين سياسي، حتى تدخل عناصر الدورية لاسكاتي وانذار الطبيب.
نعم... اسمك هو رسمك، ومحوه أو غيابه هو محوك أو غيابك.
حين كان سجان ما يسألني: من أنت؟ كنت اقدم له اسمي بتلقائية.. ولكن مع مرور الزمن وتوالي الصفعات والشتائم والكرابيج، تعلمت أن أقدم نفسي باسم السجين رقم 13.
في الغالب كان السجان المعني يقول: طز.
وللأمانة، قال لي أحد السجانين ذات مرة: تشرفنا.
وفي مرة أخرى، سلخني احدهم بكرباج في منتهى الأمية، وهو يقول: وهذا 14 كرمى لخاطر أمك.
***
أكتب الآن وأنا حر بدرجة ما، وعلى نحو ما، ذلك بفضل حملة دولية بدأها عدد من الأصدقاء، ثم اتسعت لتضم العديد من الأسماء الثقافية والسياسية والمنظمات مثل: اللجنة العالمية لمناهضة القمع، نادي القلم العالمي، الأمنستي، ومنظمة صحفيين بلا حدود.. الخ.
ولكن السلطات السورية لم ترضخ لضغوط الحملة الا بعد مرور قرابة أربعة عشر عاماً من الاعتقال، أمضيتها ما بين فروع الأمن وسجن تدمر الصحراوي وسجن صيدنايا العسكري، قبل ان يخلي سبيلي في 16/11/2000.
وعلى الرغم من انه صار بامكاني اليوم تقديم نفسي والآخرين بالأسماء الصريحة، الا انه ليس بامكاني، أو في الحقيقة لا رغبة لي في تغيير أوراق هذا الكتاب. هكذا كتبت، وسأتركها على ما هي عليه، غفلاً من الأسماء، مكتفياً بهذه المقدمة.
***
قبل الاعتقال كان "الأمس" بالنسبة الي ذكريات ملونة وراعشة ومتموجة كأجنحة الفراشات، وكان الـ "هناك" غموضاً مثيراً بأسراره وخيالاته وتوقعاته، حيث كل شيء يمكن ان يكون مغامرة مفتوحة على الدهشة، ومغلقة على جمالها المفارق الرهيف.
بعد اطلاق السراح يصير "الأمس" كابوساً، والـ "هناك" لعنة، وأنت، من حيث تدري ولا تدري، تحاول أن تمضي بهما حثيثاً إلى ما يشبه النسيان.
أربعة عشر عاماً وأنا اسمي الـ"هناك" هنا، والـ "هنا" هناك!! ولهذا تعين عليكم، كلما قرأتم "هنا" في أوراق السجن، ان تذهبوا بها الى "هناك".
ليس بأساً كبيراً ان تذهبوا، ما دامت عودتكم مضمونة في آخر الكتاب، أو عند أي صفحة ترغبون، وأطمئنكم أنكم لن تشعروا عند عودتكم بما شعرت به، وأنا أسحب أول شهيق من خارج تلك المملكة المسورة بالرعب والموت والجنون. أعني لن تشعروا بصدمة الحرية، ولن تخنقكم الزرقة، ولن تضيع منكم الحدود الفاصلة ما بين الضحك والبكاء.
على كل حال ذهب الأمس ولو مؤقتاً، ولم يعد من هناك. لم يعد اسمي: السجين رقم 13، ولا أبو البيجامة البنية.
أنا الآن فرج بيرقدار... شاعر وصحفي سوري من مواليد حمص 1951.
أبي أحمد، وأمي خدوج. ليس خمسة إخوة وثلاث أخوات، بودي لو أكتبهم جميعاً بحبر الضوء.
عند اعتقالي تركت ورائي طفلة وحيدة، كانت في الثالثة من العمر، وحين عدت اليها وجدتها على مشارف الجامعة. أمها اعتقلت قبلي بأحد عشر شهراً، وأفرج عنها بعد نحو أربع سنوات، إذ تأكد لهم، من خلال اللجان الطبية والمراقبة الأمنية، أنها لا تمثل ولا تدعي الجنون، بل هي تعاني حقاً حالة انفصام.
تعرضت في حياتي لثلاثة اعتقالات:
الأول من قبل المخابرات الجوية عام 1978، وذلك بسبب كراس أدبي شبه دوري، شاركت في إصداره مع عدد من الأدباء الشباب في جامعة دمشق.
الثاني من قبل مخابرات أمن الدولة، وقد حدث ذلك في اليوم التالي لخروجي من المخابرات الجوية، وكان بتهمة الانتماء لرابطة العمل الشيوعي.
الثالث من قبل المخابرات العسكرية في 31/3/1987 بسبب الانتماء الى حزب العمل الشيوعي.
بقيت الست السنوات الأولى من اعتقالي مقطوعاً عن العالم الخارجي، محروماً من الزيارات والأقلام والأوراق والراديو... الخ.
في عام 1992 قدمت مرافعتي أمام محكمة أمن الدولة العليا، ويبدو أن ترجمة المرافعة ونشرها وإذاعتها لفت انتباه العديد من الشخصيات والمنظمات العالمية الى أن صاحب المرافعة ليس معتقل رأي وحسب، وإنما هو شاعر وصحفي أيضاً.
فيما بعد لعب نشر مجموعتي الشعرية حمامة مطلقة الجناحين (1997) وترجمتها الى الفرنسية، وحصولها على جائزة هلمان/هامت، 1998 وجائزة الفرع الأميركي لنادي القلم العالمي (1999)، دورا اضافيا في تصعيد الحملة الدولية وصولاً الى الإفراج عني.
في البداية كان لا بد من الشعر كي أعرف نفسي، وأحميها، وأوازنها فوق صراطها الممتد ما بين اللعنة والقداسة... ولكن شيئاً فشيئاً بدأت أدرك أن الشعر بالنسبة الي هو طائر الحرية الأجمل... هو التمرين الأقصى على الحرية، وبصيغة أخرى هو ما ليس قابلاً للأسر.
حررته في داخلي، فحررني داخلياً مما يحيط بي من جدران وأنفاق وجنازير وأقفال.
لو كنت سياسياً فقط، لكان يمكن أن أنهزم... غير أن الشعر استطاع أن ينقذني، ويعطي حياتي في السجن معنى مختلفاً وقيمة مختلفة عما يراد.
ما من شيء يستطيع أن يشد القوس بي الى النهاية أكثر مما يفعل الشعر.
أخيراً... ينبغي لي التنويه الى أنني لست عضواً في اتحاد الكتاب العرب، ولا اتحاد الصحفيين...
وربما لهذا لم يجد الاتحادان نفسيهما معنيين بالمطالبة بي، ولا حتى في الإقرار بوجود شاعر وصحفي سوري داخل السجون السورية!!
أما اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين الذي انتسبت اليه عام 1981، فلم يجرؤ هو الآخر على الاعتراف بأني عضو فيه.
بالطبع ليس ذلك مهماً كثيراً ما دام بإمكانكم قراءتي ولست آسفاً على الماضي... ما دام بإمكاني المستقبل.
مع محبتي
ف.ب
ثمة ورقة ملعونة .. لو نجحوا في حل شيفرتها فعلى الحزب السلام
البرزخ
زمامير ورقص وضحكات وإطلاق رصاص!!
هكذا كان عرس استقبال سيارة الدورية، التي اعتقلتني، وهي تجتاز الحاجز الأخير المفضي الى باحة الفرع.
ـ أهلاً وسهلاً بالمناضل الكبير!!
ـ منذ سنوات ونحن ننتظر أن تشرفنا بهذه الزيارة المباركة.
ـ تتهنى يا عم... الآن ستشبع نضالاً.
ـ افتحوا باب السيارة للأستاذ.
ـ تفضل استاذ لا داعي للخجل...
ـ ولو... أنت على العين والراس في ضيافة فرع فلسطين.
لست أدري لماذا يحملون تعليقاتهم كل هذا القدر من السخرية والشماتة؟!
فظيعة هذه الدقائق...
في رأسي ما يشبه الفجوات، وما يشبه الموج، وما يشبه عنفات شيطانية تدور على نحو مجنون وفي أكثر من اتجاه.
اللعنة... لم يتركوا لي أي فرصة للهرب، كان الحي مطوقاً: مسلحون على الأرض... على الأسطح... سيارات على المداخل... وبضعة عناصر يحيطونني بمنتهى اليقظة والريبة والقلق.
لا بأس... قد يتاح لي في أحد المنعطفات أن أفتح باب السيارة، وأرمي بنفسي. صحيح أنها محاولة ضعيفة ولكن ربما...
لكأنهم يقرؤون أفكاري، فالسيارة تندفع مثل قذيفة، لاتلقي بالا الى المفارق والمنعطفات.
لم يزل أمامي فرصة محتملة للهرب لحظة وصولي الى الفرع... ولكن ماذا لو لم أفلح؟ ما هي حدود مناورتي في الساعات الأولى؟
كيف سأتخلص من بعض الأوراق الصغيرة المخفية في جيوب داخلية؟ ثمة ورقة ملعونة... لو نجحوا في حل شيفرتها، أو إجباري على حلها، فعلى قيادة الحزب السلام.
ـ حاذر... أخفض رأسك قليلاً وأنت تنزل.
تنبهت الى ضرورة أن يكون رأسي مرفوعاً بعد أن أترجل وأسير بينهم. ينبغي أن أترك لديهم انطباعاً واضحاً من القوة والتماسك. لم أكن أتوقع أنني، لاحقاً، سأضطر الى المناورة، وإحناء رأسي أكثر من مرة.
تقدمت بخطوات تبدو ثابتة، رافعاً رأسي، وشابكاً يدي خلف ظهري.
في الحقيقة كانتا مقيدتين الى الخلف بكلبشة ذات سوارين.
في الغرفة الأولى فكوا الكلبشة، وأخذوا مني ما يسمى "الأمانات" من نقود وساعة ونظارة وبطاقة هوية مزورة وما لا أدري، ليتابعوا بعدها الى الداخل:
كوريدور عريض... على جانبيه غرف مكاتب أو تحقيق.
لن أستغرب شيئاً، فلدي تصور أولي عن مخطط الفرع ومعظم ضباطه.
كان أكثر ما يشغلني هو دراسة المداخل والمخارج وإمكانيات الهرب.
فيما بعد سأعرف أن هاجس الهرب ظل يرافق معظمنا لسنوات عديدة.
فجأة فتحوا باب غرفة الى اليسار وأدخلوني. وضعوا طميشة على عيوني ثم خرجوا، وأغلقوا الباب. سمعت وقع خطواتهم يبتعد.
ما كدت أبتلع الورقة الملعونة حتى فتحوا الباب.
جولة عاصفة من الصفع والركل والقبضات.
ـ أحضروا العدة... قال أحدهم، ثم أضاف: وأنت أيها المناضل إخلع كامل ملابسك...
ليست هذه أول مرة أتعرض فيها للتحقيق، فقد سبق وتعرضت قبلها مرتين للاعتقال، ولا يخفى علي معنى أن يكون المرء عارياً خلال التحقيق، أو مكشوفاً ومراقباً في السجن الذي سينقلونه اليه بعد انتهاء التحقيق.
كانت الصراخات والتهديدات والأسئلة تتشظى وتتبعثر في أكثر من منحى، وأنا صامت تماماً.
توقفوا للحظات، ثم سألني أحدهم عن اسمي، فقلت إنني لن أجيب قبل أن يحضر رئيس الفرع.
ـ نحن نعرف مااسمك الحقيقي والحركي أيضاً، ولكن نريدك أن تقوله أنت.
ـ لن أقول أي شيء قبل أن يحضر رئيس الفرع.
ـ أرسلوا له وراء رئيس الفرع.
قال أحدهم، وراح يسأل عن المواعيد الدورية والاحتياطية وعن بيتي الحقيقي... الخ.
تبدو أسئلتهم أكثر دقة وخبرة مما كانت عليه في السابق.
لا شك أن صراعهم أو تجربتهم مع حزب الإخوان المسلمين، بالإضافة الى انهيار أحد كوادرنا، وخيانة أحد الأعضاء في الشهور الأخيرة، قد منحهم قدراً وافراً من الخبرة والمعلومات حول كثير من الأمور، بما فيها طرائق وآليات عمل الحزب ودفاعاته.
لم أكن أريد بتمسكي من حضور رئيس الفرع سوى اللعب بمزيد من الوقت، ريثما يعلم الرفاق باعتقالي، ويتخذون الإجراءات الضرورية.
أصوات أقدام تدق الأرض بقوة، إشارة الى تقديم التحية العسكرية:
ـ احترامي سيدي...
ـ احترامي معلم...
ثم هدوء ثقيل متربص لبضع ثوان، يبدو زمنها النفسي أشد وطأة من الماراثون.
ـ خير يا بني... لماذا طلبتني؟
لا شك أن الحديث موجه الي... لعنة الله على الطميشة. إنها تستكمل المعنى المقصود من جعلك عارياً ومكشوفاً ومراقباً.
لا أعرف لماذا افترضت أنهم يمكن أن يضحكوا علي بتمثيلية حضور رئيس الفرع، فقلت:
ـ لم أطلبك أنت...
تغير صوته، وتلجلج قليلاً، وهو يسأل:
ـ ألم تبلغوني أنه يريد مقابلتي؟
ـ نعم معلم... هو الذي رفض أي كلام، حتى تحضر سيادتك.
ـ هل أفهم أنك تراجعت عن طلبك؟
ـ لا... ما زلت مصراً على مجيء رئيس الفرع.
ـ هل تشك بأني لست رئيس الفرع؟
ـ بل متأكد أنك لست هو.
ـ ما الذي يجعلك متأكداً؟
ـ صوتك.
ـ ما به صوتي؟
ـ يبدو ضعيفاً متردداً، وصاحبه غير واثق بنفسه، كما أن عمره أصغر بكثير من العمر الزمني المحتمل لرئيس الفرع.
بضعة أسئلة أخرى، ولم يعد ممكناً مواصلة اللعبة، فأوقفوا تمثيليتهم، وأبلغوا رئيس الفرع حقاً هذه المرة، فحضر على الفور، وليته لم يحضر.
ـ إرفعوا الطميشة عن عينيه.
كان وراء الطاولة رجل ستيني أشيب ممتلئ، ينظر الي بابتسامة هادئة، يتخللها شيء من التعاطف المشبوه.
لم يطل كثيراً وقت الأسئلة والمناورة، ليكتشف رئيس الفرع أنني لا يرهبني سيف المعز، ولا يغريني ذهبه، فنهض وملامحه تتقبض وتعتكر وتكفهر.
ـ شوفوا حسابكم معه... يبدو أنه ينوي أن يظل بغلاً.
قالها وخرج تاركاً وراءه صمتاً أسود، ونجيعاً أسود، واحتمالات كالحة ومدججة بما يشبه الألغام.
إذن بعد قليل ستدور مسننات آلاتهم، ستترنح الجهات والمسافات، وستنفلت في هذا المجتلد قطعان كثيرة من الضواري والوحوش المفترسة.
لدي معرفة وافية حول أدواتهم وأساليبهم المعهودة في التعذيب.
لم أكن أفكر بما سينجم عن ذلك من آلام لحظية. كنت أفكر في العتبة التي يستطيع الإنسان تحملها.
أعرف نظرياً أن الإنسان أكثر قدرة، على التحمل والتلاؤم والصبر الجسدي والنفسي، من أي كائن آخر بما في ذلك الخيول.
ساعدني يا الله... ساعديني يا أمي... ساعدني أيها الحب.. أيها الحزن... أيها اليأس...
وأنت يا حنان جهنم... ساعدني.
على شفا البصيرة
لم أكن أعتقد أنك تستطيع الموت الى هذا الحد!!
أجل... لم أكن أعتقد أنهم يمكن أن يكونوا على هذا النحو الحجري، وهم يدقون لحمك وعظامك في تلك الأجران الجهنمية.
صدقني... يستحيل أن يكون أصل الإنسان قرداً، أو حتى شيطاناً.
أعرف أنك لا توافقني، وربما تعتبر هذا الموقف الإطلاقي إهانة شخصية موجهة اليك، قبل أن تكون موجهة اليهم.
معك حق... أنا أيضاً أشعر بهذه الإهانة، ويكاد قلبي يتوقف من شدة الخجل، ولكن... هل رأيت ملامحهم، عندما كنت مشبوحاً على السلم بشكل مقلوب؟!
لماذا اخترع الإنسان السلم...؟ أليس من أجل الصعود؟!
أنت كنت على سلم آخر، وباتجاه آخر، حيث كل شيء يهبط ما عدا الروح.
وحدها الروح، كانت تجاهد في صعود ذلك السلم الأسطوري... ذلك المعراج الضليل، وهو يأخذك من الحياة الى الموت.
حاول أن تجد لي تفسيراً لهذا الجنون الهندسي المرعب.
حاول أن تجد لي تفسيراً لهذه الأفاعي، وهي تفح وتنجدل على كامل مساحة جسدك.
كأنه ليس رأسك، هذا الذي يتدلى ثقيلا محتقناً، وقد فلغته الكابلات والسياط المضفورة من أذيال آلهة الحقد والكراهية.
كم تمنيت ان ينفصل عنك هذا الرأس، وقد غدا أشبه بكتلة صخرية معلقة في أسفلك، وتشدك إلى القاع.
ما الذي ستقوله للناس إذا سألوك عن ذلك؟!
ستصمت، لأنك واثق أن أحداً لن يصدق حرفاً مما تقول.
في أحسن الأحوال سيعتبرون حديثك مجرد أوهام أو كوابيس يقظة، لا يليق بك أن تبقى تحت وطأتها.
أيمكنك أن تكون أميناً لواجبك بضرورة عرض كامل التجربة، من أول الجلجلة حتى آخر الجحيم؟!
تخيل رد فعل الناس، وأنت تتحدث لهم عن الفسخ والدواليب.. عن الكهرباء وتوسيع حدود الكون بالصراخ والانخطاف وجلالة العدم واللامعنى.. أو حين تتحدث لهم عن ذلك الكرسي، الذي يجلس على المرء، بمنتهى الفجور والقسوة والجبروت.
نعم.. الكرسي يجلس على المرء، وليس العكس.
ستشرح لهم الوضعية، وربما تضطر لاستخدام الرسم، حتى توضح كيف يكون المرء تحت مثل قوس مقلوب، وبأقصى توتر ممكن.
تعرف اني لا ابالغ حين أقول إنه أكثر من نصف موت. ذلك أنك، وأنت مشدود اليه، يشقك اقل من نصف شهيق، ويتكئ العالم كله على أقل من نصف زفير، ولا تستطيع حتى ان تهمس: يا أمي.
كرسي غاشم.. أطرش.. لعنة هذا الكرسي، الذي يسمونه "الكرسي الألماني".
لعنة مسعورة تتباهى بشلل يديك وتقويض عمودك الفقري، وتمنحك أخيراً، لو ارادوا، نعمة الخصاء.
لقد وقفت الآن على شفا البصيرة، وأيقنت، بما يكفي من العمق، أن هذا الواقع ليس واقعياً على الاطلاق.
ولكن.. كيف ستقنع الناس بذلك، وأنت نفسك تدرك صعوبة ابتلاع هذا الغموض، وهذه التناقضات الصارخة في لعبتك اللغوية الساذجة؟!
لا بأس...
قل لي إذن انت.. ما هو أصل الإنسان؟! أعني ذلك الكائن الذي يتفصد شهوة للافتراس، ويرتعش منتشياً بالبشاعة، وزنخ الروح، وانعدام الرحمة.
ما الذي يبتغيه من هذا المزاد الدموي الطاغي؟!
إني أسألك أنت.
أنت أولاً.. وعلى وجه التحديد.
شروح تبسيط مقاربة لبعض وسائل التعذيب
(1) الشبح على السلم: تعتمد هذه الطريقة على ربط قدمي السجين بالحبال إلى إحدى درجات السلم العليا، فيتدلى جسده العاري مقلوباً، لتبدأ بعدها جولة التحقيق مع الجلد بالسياط على كامل مساحة الجسد.
السلم خشبي عادي، وأحياناً معدني، يستند إلى الجدار بزوايا تتدرج من شبه قائمة إلى شبه أفقية أو مستقيمة. أما السياط، فانها قطع متباينة الأطوال من الكابلات الكهربائية الغليظة، أو ما يسمى (كابل رباعي)، وهي ثقيلة ومرنة وشبه مصمتة، بحيث يمكن لضربتها ان تفلع لحم السجين، أو تهرسه وتمزق جلده.
(2) الفسخ: تتم هذه العملية بتمديد السجين على ظهره، ثم يوضع كرسي عند منطقة الحوض، لادخال الساقين، بعد طيهما وتثبيتهما بين قوائم الكرسي، فتغدو الساقان مثنيتين عند الركبتين ومفتوحتين إلى أعلى، ليقف اثنان من الزبانية، كل منهما فوق إحدى ركبتي السجين، ويبدآن الضغط بشكل متساوق عبر قفزات صغيرة متواترة، في محاولة لفتح الساقين بزاوية مستقيمة، وأحياناً توضع تحت حوض السجين "قدة" خشبية، لترفعه قليلاً عن سطح الأرض، الأمر الذي يعني ان ساقي السجين يمكن ان تنفتحا بزاوية أكثر من مئة وثمانين درجة، وهذه الحالة يلجؤون اليها، عندما يريدون كسر حوض السجين في نقطة المفصل العاني.
(3) الدولاب: هو وسيلة التعذيب الأقدم والأكثر شيوعا، وتتم هذه العملية عبر دولاب أو إطار خارجي لسيارة صغيرة. في البداية يدخلو ساقي السجين في الدولاب، ثم يضغطون جذعه، ليدخلوا رأسه في فتحة الدولاب. بعدها يقلبونه على ظهره، بحيث يصبح رأسه وساقاه إلى أعلى، وتكون يداه مكبلتين خلف ظهره، وقدماه مشدودتين إلى بعض بوثاق ما، ثم يبدأ الجلد بالكابل الرباعي على باطن القدمين. واذا ارادوا الامعان في تعذيب السجين، فانهم يغلقون فمه بخرقة سمية زنخة لمنعه من الصراخ.
(4) الكهرباء: هي مولدة كهربائية يدوية، لها شكل صندوق صغير، يخرج منه سلكان كهربائيان، يربطان الى اجزاء حساسة من جسم السجين، كالأذنين أو الشفتين أو العضو التناسلي.
تدار المولدة بوساطة ذراع معدني صغير، فتضرب الكهرباء جسم السجين العاري والمبلل بالماء، محدثة ارتاجات داخلية، أو انصعاقات وتموجات، يخيل الي انها شبيهة بتلك التي تحدث عند خروج الروح، ويترافق ذلك مع صراخ أو عواء مقلوب، لا يمكن للمرء التحكم به أو السيطرة عليه.
(5) الكرسي الألماني: هو كرسي بسيط من كراسي المكاتب الرخيصة، ذو مقعد ومسند جلديين، وقوائم معدنية على شكل مواسير.
ينزعون المسند، ليبقى ما بين قائمتي الظهر فارغاً. يدخلون قائمتي المسند تحت إبطي السجين الممدد على بطنه مكبل اليدين إلى الخلف. تبرز قائمتا المسند من أمام السجين على جانبي الرأس، ويكون مقعد الكرسي ضاغطاً عن أسفل الظهر.
يربطون قدمي السجين بحبل، كل واحدة إلى قائمة من قوائم الكرسم، التي تكون اصبحت في هذه الحالة بزاوية شبه أفقية. بعد ذلك يبدأ الضغط على القائمتين الآخريين، ليرتفع رأس السجين وكتفاه الى أعلى، متخذاً جسده شكل قوس مقلوب ومشدود بالدرجة التي يرونها ملائمة لانتزاع الاعترافات.
بالطبع، اذا ارادوا، يمكنهم الضغط والتوتير إلى الحد الذي يقطع تنفس السجين، أو يضرب عموده الفقري والبروستات.
لهذا.. ولكي لا أسيء إلى الشعب الألماني، فإني أفضل أن اسميه: الكرسي النازي.
لا أمس... ولا هناك؟!
أيها الأصدقاء... ورداً وأجنحة وبعد
ما ستقرؤنه في هذا الكتاب، هو بعض أوراقي التي أترك لكم تقدير كيفية ومتاعب تهريبها من السجن، مكتوبة على ورق السجائر.
في السنوات الأولى من الاعتقال، لم يكن لدينا أقلام ولا أوراق، ولهذا رحت أدرب ذاكرتي للكتابة عليها بشكل مباشر. أليست هي طريقة أجدادننا القدامى قبل انتشار الكتابة؟!
بالطبع كان ذلك ممكناً بالنسبة إلى الشعر... ومع ذلك فإنني حين كثرت القصائد، وخفت ان تخونني ذاكرتي، لجأت إلى بعض الأصدقاء الذين حفظ كل منهم واحدة من تلك القصائد.
فيما بعد ساعدني سجناء كثيرون في نسخ ونقاش وحماية وتهريب كل ما أكتب.
إذن هو عمل جماعي على نحو ما، وان كان مؤسساً بصورة فردية.
لم أستطع كتابة اسمي الصريح في هذه الأوراق، ولا أسماء الآخرين. كان لذلك مخاطره الأمنية من جهة، ومن جهة أخرى لم يكن ليغير كثيراً ذكر الأسماء، ما دامت التجربة واحدة، وما دام المهم هو عرضها أو توثيقها بطريقة ما.
لا أدري.. ربما لم يخطر في بالي أصلا ذكر الأسماء، ذلك ان اسماءنا جميعاً كانت مصادرة.
لقد أعطونا في البداية بدلاً من اسمائنا أرقاماً... وفي فترة لاحقة أعطونا ألقاباً مستمدة من اشكالنا أو ألوان ملابسنا: أبو البيجامة الكحلية.. أبو القميص البيج... أبو الكنزة الرمادية.. أشقر الخرا... أسود الكلب... رأس الجحش... الممعوط أبو رقبة... إلخ.
في الشهور الأولى تعددت أسمائي، أعني أرقامي، تبعاً للمفردات التي باركتني بكثير من الحنان واللعنات، ولكن الاسم الذي رافقني لزمن أطول، وعرفت به، هو السجين رقم 13.
ربما هو رقم مشؤوم في عرف الكثيرين خارجاً.. أما في الداخل، فان جميع الأرقام مشؤومة وكافرة وبنت كلب.
حين يعامل السجين بوصفه رقماً حيادياً أو لقباً ازدرائياً، وحين يطغى الرمادي على الزمان والمكان في نسق جهنمي مطفأ وبارد وملول، تأخذ الألوان أبعاداً مختلفة، ويغدو الاحساس بالتمايز، والبحث عن الذات والقبض عليها داخل الزمن، مسألة وجود أو لا وجود.
بعد إحدى جولات التحقيق المجنونة، نقلوني الى قسم العناية المشددة في مشفى حرستا العسكري. يومها اضطروا أن يعطوني اسماً حركياً: سيف أحمد.
لن تصدقوا كم كانت فرحتي كبيرة بهذا الاسم. لقد كان يكفيني أنه ليس رقماً... ولكن تلك الفرحة تبخرت عندما وضعوني على الحمالة وأدخلوني إلى إحدى الغرف:
ـ لو مت في هذا المشفى، فلن يكون في قيوده أو سجلاته أي شيء حقيقي يدل علي!!
ما إن همست للطبيب، الذي يفحصني، باسمي الحقيقي وبأني سجين سياسي، حتى تدخل عناصر الدورية لاسكاتي وانذار الطبيب.
نعم... اسمك هو رسمك، ومحوه أو غيابه هو محوك أو غيابك.
حين كان سجان ما يسألني: من أنت؟ كنت اقدم له اسمي بتلقائية.. ولكن مع مرور الزمن وتوالي الصفعات والشتائم والكرابيج، تعلمت أن أقدم نفسي باسم السجين رقم 13.
في الغالب كان السجان المعني يقول: طز.
وللأمانة، قال لي أحد السجانين ذات مرة: تشرفنا.
وفي مرة أخرى، سلخني احدهم بكرباج في منتهى الأمية، وهو يقول: وهذا 14 كرمى لخاطر أمك.
***
أكتب الآن وأنا حر بدرجة ما، وعلى نحو ما، ذلك بفضل حملة دولية بدأها عدد من الأصدقاء، ثم اتسعت لتضم العديد من الأسماء الثقافية والسياسية والمنظمات مثل: اللجنة العالمية لمناهضة القمع، نادي القلم العالمي، الأمنستي، ومنظمة صحفيين بلا حدود.. الخ.
ولكن السلطات السورية لم ترضخ لضغوط الحملة الا بعد مرور قرابة أربعة عشر عاماً من الاعتقال، أمضيتها ما بين فروع الأمن وسجن تدمر الصحراوي وسجن صيدنايا العسكري، قبل ان يخلي سبيلي في 16/11/2000.
وعلى الرغم من انه صار بامكاني اليوم تقديم نفسي والآخرين بالأسماء الصريحة، الا انه ليس بامكاني، أو في الحقيقة لا رغبة لي في تغيير أوراق هذا الكتاب. هكذا كتبت، وسأتركها على ما هي عليه، غفلاً من الأسماء، مكتفياً بهذه المقدمة.
***
قبل الاعتقال كان "الأمس" بالنسبة الي ذكريات ملونة وراعشة ومتموجة كأجنحة الفراشات، وكان الـ "هناك" غموضاً مثيراً بأسراره وخيالاته وتوقعاته، حيث كل شيء يمكن ان يكون مغامرة مفتوحة على الدهشة، ومغلقة على جمالها المفارق الرهيف.
بعد اطلاق السراح يصير "الأمس" كابوساً، والـ "هناك" لعنة، وأنت، من حيث تدري ولا تدري، تحاول أن تمضي بهما حثيثاً إلى ما يشبه النسيان.
أربعة عشر عاماً وأنا اسمي الـ"هناك" هنا، والـ "هنا" هناك!! ولهذا تعين عليكم، كلما قرأتم "هنا" في أوراق السجن، ان تذهبوا بها الى "هناك".
ليس بأساً كبيراً ان تذهبوا، ما دامت عودتكم مضمونة في آخر الكتاب، أو عند أي صفحة ترغبون، وأطمئنكم أنكم لن تشعروا عند عودتكم بما شعرت به، وأنا أسحب أول شهيق من خارج تلك المملكة المسورة بالرعب والموت والجنون. أعني لن تشعروا بصدمة الحرية، ولن تخنقكم الزرقة، ولن تضيع منكم الحدود الفاصلة ما بين الضحك والبكاء.
على كل حال ذهب الأمس ولو مؤقتاً، ولم يعد من هناك. لم يعد اسمي: السجين رقم 13، ولا أبو البيجامة البنية.
أنا الآن فرج بيرقدار... شاعر وصحفي سوري من مواليد حمص 1951.
أبي أحمد، وأمي خدوج. ليس خمسة إخوة وثلاث أخوات، بودي لو أكتبهم جميعاً بحبر الضوء.
عند اعتقالي تركت ورائي طفلة وحيدة، كانت في الثالثة من العمر، وحين عدت اليها وجدتها على مشارف الجامعة. أمها اعتقلت قبلي بأحد عشر شهراً، وأفرج عنها بعد نحو أربع سنوات، إذ تأكد لهم، من خلال اللجان الطبية والمراقبة الأمنية، أنها لا تمثل ولا تدعي الجنون، بل هي تعاني حقاً حالة انفصام.
تعرضت في حياتي لثلاثة اعتقالات:
الأول من قبل المخابرات الجوية عام 1978، وذلك بسبب كراس أدبي شبه دوري، شاركت في إصداره مع عدد من الأدباء الشباب في جامعة دمشق.
الثاني من قبل مخابرات أمن الدولة، وقد حدث ذلك في اليوم التالي لخروجي من المخابرات الجوية، وكان بتهمة الانتماء لرابطة العمل الشيوعي.
الثالث من قبل المخابرات العسكرية في 31/3/1987 بسبب الانتماء الى حزب العمل الشيوعي.
بقيت الست السنوات الأولى من اعتقالي مقطوعاً عن العالم الخارجي، محروماً من الزيارات والأقلام والأوراق والراديو... الخ.
في عام 1992 قدمت مرافعتي أمام محكمة أمن الدولة العليا، ويبدو أن ترجمة المرافعة ونشرها وإذاعتها لفت انتباه العديد من الشخصيات والمنظمات العالمية الى أن صاحب المرافعة ليس معتقل رأي وحسب، وإنما هو شاعر وصحفي أيضاً.
فيما بعد لعب نشر مجموعتي الشعرية حمامة مطلقة الجناحين (1997) وترجمتها الى الفرنسية، وحصولها على جائزة هلمان/هامت، 1998 وجائزة الفرع الأميركي لنادي القلم العالمي (1999)، دورا اضافيا في تصعيد الحملة الدولية وصولاً الى الإفراج عني.
في البداية كان لا بد من الشعر كي أعرف نفسي، وأحميها، وأوازنها فوق صراطها الممتد ما بين اللعنة والقداسة... ولكن شيئاً فشيئاً بدأت أدرك أن الشعر بالنسبة الي هو طائر الحرية الأجمل... هو التمرين الأقصى على الحرية، وبصيغة أخرى هو ما ليس قابلاً للأسر.
حررته في داخلي، فحررني داخلياً مما يحيط بي من جدران وأنفاق وجنازير وأقفال.
لو كنت سياسياً فقط، لكان يمكن أن أنهزم... غير أن الشعر استطاع أن ينقذني، ويعطي حياتي في السجن معنى مختلفاً وقيمة مختلفة عما يراد.
ما من شيء يستطيع أن يشد القوس بي الى النهاية أكثر مما يفعل الشعر.
أخيراً... ينبغي لي التنويه الى أنني لست عضواً في اتحاد الكتاب العرب، ولا اتحاد الصحفيين...
وربما لهذا لم يجد الاتحادان نفسيهما معنيين بالمطالبة بي، ولا حتى في الإقرار بوجود شاعر وصحفي سوري داخل السجون السورية!!
أما اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين الذي انتسبت اليه عام 1981، فلم يجرؤ هو الآخر على الاعتراف بأني عضو فيه.
بالطبع ليس ذلك مهماً كثيراً ما دام بإمكانكم قراءتي ولست آسفاً على الماضي... ما دام بإمكاني المستقبل.
مع محبتي
ف.ب
ثمة ورقة ملعونة .. لو نجحوا في حل شيفرتها فعلى الحزب السلام
البرزخ
زمامير ورقص وضحكات وإطلاق رصاص!!
هكذا كان عرس استقبال سيارة الدورية، التي اعتقلتني، وهي تجتاز الحاجز الأخير المفضي الى باحة الفرع.
ـ أهلاً وسهلاً بالمناضل الكبير!!
ـ منذ سنوات ونحن ننتظر أن تشرفنا بهذه الزيارة المباركة.
ـ تتهنى يا عم... الآن ستشبع نضالاً.
ـ افتحوا باب السيارة للأستاذ.
ـ تفضل استاذ لا داعي للخجل...
ـ ولو... أنت على العين والراس في ضيافة فرع فلسطين.
لست أدري لماذا يحملون تعليقاتهم كل هذا القدر من السخرية والشماتة؟!
فظيعة هذه الدقائق...
في رأسي ما يشبه الفجوات، وما يشبه الموج، وما يشبه عنفات شيطانية تدور على نحو مجنون وفي أكثر من اتجاه.
اللعنة... لم يتركوا لي أي فرصة للهرب، كان الحي مطوقاً: مسلحون على الأرض... على الأسطح... سيارات على المداخل... وبضعة عناصر يحيطونني بمنتهى اليقظة والريبة والقلق.
لا بأس... قد يتاح لي في أحد المنعطفات أن أفتح باب السيارة، وأرمي بنفسي. صحيح أنها محاولة ضعيفة ولكن ربما...
لكأنهم يقرؤون أفكاري، فالسيارة تندفع مثل قذيفة، لاتلقي بالا الى المفارق والمنعطفات.
لم يزل أمامي فرصة محتملة للهرب لحظة وصولي الى الفرع... ولكن ماذا لو لم أفلح؟ ما هي حدود مناورتي في الساعات الأولى؟
كيف سأتخلص من بعض الأوراق الصغيرة المخفية في جيوب داخلية؟ ثمة ورقة ملعونة... لو نجحوا في حل شيفرتها، أو إجباري على حلها، فعلى قيادة الحزب السلام.
ـ حاذر... أخفض رأسك قليلاً وأنت تنزل.
تنبهت الى ضرورة أن يكون رأسي مرفوعاً بعد أن أترجل وأسير بينهم. ينبغي أن أترك لديهم انطباعاً واضحاً من القوة والتماسك. لم أكن أتوقع أنني، لاحقاً، سأضطر الى المناورة، وإحناء رأسي أكثر من مرة.
تقدمت بخطوات تبدو ثابتة، رافعاً رأسي، وشابكاً يدي خلف ظهري.
في الحقيقة كانتا مقيدتين الى الخلف بكلبشة ذات سوارين.
في الغرفة الأولى فكوا الكلبشة، وأخذوا مني ما يسمى "الأمانات" من نقود وساعة ونظارة وبطاقة هوية مزورة وما لا أدري، ليتابعوا بعدها الى الداخل:
كوريدور عريض... على جانبيه غرف مكاتب أو تحقيق.
لن أستغرب شيئاً، فلدي تصور أولي عن مخطط الفرع ومعظم ضباطه.
كان أكثر ما يشغلني هو دراسة المداخل والمخارج وإمكانيات الهرب.
فيما بعد سأعرف أن هاجس الهرب ظل يرافق معظمنا لسنوات عديدة.
فجأة فتحوا باب غرفة الى اليسار وأدخلوني. وضعوا طميشة على عيوني ثم خرجوا، وأغلقوا الباب. سمعت وقع خطواتهم يبتعد.
ما كدت أبتلع الورقة الملعونة حتى فتحوا الباب.
جولة عاصفة من الصفع والركل والقبضات.
ـ أحضروا العدة... قال أحدهم، ثم أضاف: وأنت أيها المناضل إخلع كامل ملابسك...
ليست هذه أول مرة أتعرض فيها للتحقيق، فقد سبق وتعرضت قبلها مرتين للاعتقال، ولا يخفى علي معنى أن يكون المرء عارياً خلال التحقيق، أو مكشوفاً ومراقباً في السجن الذي سينقلونه اليه بعد انتهاء التحقيق.
كانت الصراخات والتهديدات والأسئلة تتشظى وتتبعثر في أكثر من منحى، وأنا صامت تماماً.
توقفوا للحظات، ثم سألني أحدهم عن اسمي، فقلت إنني لن أجيب قبل أن يحضر رئيس الفرع.
ـ نحن نعرف مااسمك الحقيقي والحركي أيضاً، ولكن نريدك أن تقوله أنت.
ـ لن أقول أي شيء قبل أن يحضر رئيس الفرع.
ـ أرسلوا له وراء رئيس الفرع.
قال أحدهم، وراح يسأل عن المواعيد الدورية والاحتياطية وعن بيتي الحقيقي... الخ.
تبدو أسئلتهم أكثر دقة وخبرة مما كانت عليه في السابق.
لا شك أن صراعهم أو تجربتهم مع حزب الإخوان المسلمين، بالإضافة الى انهيار أحد كوادرنا، وخيانة أحد الأعضاء في الشهور الأخيرة، قد منحهم قدراً وافراً من الخبرة والمعلومات حول كثير من الأمور، بما فيها طرائق وآليات عمل الحزب ودفاعاته.
لم أكن أريد بتمسكي من حضور رئيس الفرع سوى اللعب بمزيد من الوقت، ريثما يعلم الرفاق باعتقالي، ويتخذون الإجراءات الضرورية.
أصوات أقدام تدق الأرض بقوة، إشارة الى تقديم التحية العسكرية:
ـ احترامي سيدي...
ـ احترامي معلم...
ثم هدوء ثقيل متربص لبضع ثوان، يبدو زمنها النفسي أشد وطأة من الماراثون.
ـ خير يا بني... لماذا طلبتني؟
لا شك أن الحديث موجه الي... لعنة الله على الطميشة. إنها تستكمل المعنى المقصود من جعلك عارياً ومكشوفاً ومراقباً.
لا أعرف لماذا افترضت أنهم يمكن أن يضحكوا علي بتمثيلية حضور رئيس الفرع، فقلت:
ـ لم أطلبك أنت...
تغير صوته، وتلجلج قليلاً، وهو يسأل:
ـ ألم تبلغوني أنه يريد مقابلتي؟
ـ نعم معلم... هو الذي رفض أي كلام، حتى تحضر سيادتك.
ـ هل أفهم أنك تراجعت عن طلبك؟
ـ لا... ما زلت مصراً على مجيء رئيس الفرع.
ـ هل تشك بأني لست رئيس الفرع؟
ـ بل متأكد أنك لست هو.
ـ ما الذي يجعلك متأكداً؟
ـ صوتك.
ـ ما به صوتي؟
ـ يبدو ضعيفاً متردداً، وصاحبه غير واثق بنفسه، كما أن عمره أصغر بكثير من العمر الزمني المحتمل لرئيس الفرع.
بضعة أسئلة أخرى، ولم يعد ممكناً مواصلة اللعبة، فأوقفوا تمثيليتهم، وأبلغوا رئيس الفرع حقاً هذه المرة، فحضر على الفور، وليته لم يحضر.
ـ إرفعوا الطميشة عن عينيه.
كان وراء الطاولة رجل ستيني أشيب ممتلئ، ينظر الي بابتسامة هادئة، يتخللها شيء من التعاطف المشبوه.
لم يطل كثيراً وقت الأسئلة والمناورة، ليكتشف رئيس الفرع أنني لا يرهبني سيف المعز، ولا يغريني ذهبه، فنهض وملامحه تتقبض وتعتكر وتكفهر.
ـ شوفوا حسابكم معه... يبدو أنه ينوي أن يظل بغلاً.
قالها وخرج تاركاً وراءه صمتاً أسود، ونجيعاً أسود، واحتمالات كالحة ومدججة بما يشبه الألغام.
إذن بعد قليل ستدور مسننات آلاتهم، ستترنح الجهات والمسافات، وستنفلت في هذا المجتلد قطعان كثيرة من الضواري والوحوش المفترسة.
لدي معرفة وافية حول أدواتهم وأساليبهم المعهودة في التعذيب.
لم أكن أفكر بما سينجم عن ذلك من آلام لحظية. كنت أفكر في العتبة التي يستطيع الإنسان تحملها.
أعرف نظرياً أن الإنسان أكثر قدرة، على التحمل والتلاؤم والصبر الجسدي والنفسي، من أي كائن آخر بما في ذلك الخيول.
ساعدني يا الله... ساعديني يا أمي... ساعدني أيها الحب.. أيها الحزن... أيها اليأس...
وأنت يا حنان جهنم... ساعدني.
على شفا البصيرة
لم أكن أعتقد أنك تستطيع الموت الى هذا الحد!!
أجل... لم أكن أعتقد أنهم يمكن أن يكونوا على هذا النحو الحجري، وهم يدقون لحمك وعظامك في تلك الأجران الجهنمية.
صدقني... يستحيل أن يكون أصل الإنسان قرداً، أو حتى شيطاناً.
أعرف أنك لا توافقني، وربما تعتبر هذا الموقف الإطلاقي إهانة شخصية موجهة اليك، قبل أن تكون موجهة اليهم.
معك حق... أنا أيضاً أشعر بهذه الإهانة، ويكاد قلبي يتوقف من شدة الخجل، ولكن... هل رأيت ملامحهم، عندما كنت مشبوحاً على السلم بشكل مقلوب؟!
لماذا اخترع الإنسان السلم...؟ أليس من أجل الصعود؟!
أنت كنت على سلم آخر، وباتجاه آخر، حيث كل شيء يهبط ما عدا الروح.
وحدها الروح، كانت تجاهد في صعود ذلك السلم الأسطوري... ذلك المعراج الضليل، وهو يأخذك من الحياة الى الموت.
حاول أن تجد لي تفسيراً لهذا الجنون الهندسي المرعب.
حاول أن تجد لي تفسيراً لهذه الأفاعي، وهي تفح وتنجدل على كامل مساحة جسدك.
كأنه ليس رأسك، هذا الذي يتدلى ثقيلا محتقناً، وقد فلغته الكابلات والسياط المضفورة من أذيال آلهة الحقد والكراهية.
كم تمنيت ان ينفصل عنك هذا الرأس، وقد غدا أشبه بكتلة صخرية معلقة في أسفلك، وتشدك إلى القاع.
ما الذي ستقوله للناس إذا سألوك عن ذلك؟!
ستصمت، لأنك واثق أن أحداً لن يصدق حرفاً مما تقول.
في أحسن الأحوال سيعتبرون حديثك مجرد أوهام أو كوابيس يقظة، لا يليق بك أن تبقى تحت وطأتها.
أيمكنك أن تكون أميناً لواجبك بضرورة عرض كامل التجربة، من أول الجلجلة حتى آخر الجحيم؟!
تخيل رد فعل الناس، وأنت تتحدث لهم عن الفسخ والدواليب.. عن الكهرباء وتوسيع حدود الكون بالصراخ والانخطاف وجلالة العدم واللامعنى.. أو حين تتحدث لهم عن ذلك الكرسي، الذي يجلس على المرء، بمنتهى الفجور والقسوة والجبروت.
نعم.. الكرسي يجلس على المرء، وليس العكس.
ستشرح لهم الوضعية، وربما تضطر لاستخدام الرسم، حتى توضح كيف يكون المرء تحت مثل قوس مقلوب، وبأقصى توتر ممكن.
تعرف اني لا ابالغ حين أقول إنه أكثر من نصف موت. ذلك أنك، وأنت مشدود اليه، يشقك اقل من نصف شهيق، ويتكئ العالم كله على أقل من نصف زفير، ولا تستطيع حتى ان تهمس: يا أمي.
كرسي غاشم.. أطرش.. لعنة هذا الكرسي، الذي يسمونه "الكرسي الألماني".
لعنة مسعورة تتباهى بشلل يديك وتقويض عمودك الفقري، وتمنحك أخيراً، لو ارادوا، نعمة الخصاء.
لقد وقفت الآن على شفا البصيرة، وأيقنت، بما يكفي من العمق، أن هذا الواقع ليس واقعياً على الاطلاق.
ولكن.. كيف ستقنع الناس بذلك، وأنت نفسك تدرك صعوبة ابتلاع هذا الغموض، وهذه التناقضات الصارخة في لعبتك اللغوية الساذجة؟!
لا بأس...
قل لي إذن انت.. ما هو أصل الإنسان؟! أعني ذلك الكائن الذي يتفصد شهوة للافتراس، ويرتعش منتشياً بالبشاعة، وزنخ الروح، وانعدام الرحمة.
ما الذي يبتغيه من هذا المزاد الدموي الطاغي؟!
إني أسألك أنت.
أنت أولاً.. وعلى وجه التحديد.
شروح تبسيط مقاربة لبعض وسائل التعذيب
(1) الشبح على السلم: تعتمد هذه الطريقة على ربط قدمي السجين بالحبال إلى إحدى درجات السلم العليا، فيتدلى جسده العاري مقلوباً، لتبدأ بعدها جولة التحقيق مع الجلد بالسياط على كامل مساحة الجسد.
السلم خشبي عادي، وأحياناً معدني، يستند إلى الجدار بزوايا تتدرج من شبه قائمة إلى شبه أفقية أو مستقيمة. أما السياط، فانها قطع متباينة الأطوال من الكابلات الكهربائية الغليظة، أو ما يسمى (كابل رباعي)، وهي ثقيلة ومرنة وشبه مصمتة، بحيث يمكن لضربتها ان تفلع لحم السجين، أو تهرسه وتمزق جلده.
(2) الفسخ: تتم هذه العملية بتمديد السجين على ظهره، ثم يوضع كرسي عند منطقة الحوض، لادخال الساقين، بعد طيهما وتثبيتهما بين قوائم الكرسي، فتغدو الساقان مثنيتين عند الركبتين ومفتوحتين إلى أعلى، ليقف اثنان من الزبانية، كل منهما فوق إحدى ركبتي السجين، ويبدآن الضغط بشكل متساوق عبر قفزات صغيرة متواترة، في محاولة لفتح الساقين بزاوية مستقيمة، وأحياناً توضع تحت حوض السجين "قدة" خشبية، لترفعه قليلاً عن سطح الأرض، الأمر الذي يعني ان ساقي السجين يمكن ان تنفتحا بزاوية أكثر من مئة وثمانين درجة، وهذه الحالة يلجؤون اليها، عندما يريدون كسر حوض السجين في نقطة المفصل العاني.
(3) الدولاب: هو وسيلة التعذيب الأقدم والأكثر شيوعا، وتتم هذه العملية عبر دولاب أو إطار خارجي لسيارة صغيرة. في البداية يدخلو ساقي السجين في الدولاب، ثم يضغطون جذعه، ليدخلوا رأسه في فتحة الدولاب. بعدها يقلبونه على ظهره، بحيث يصبح رأسه وساقاه إلى أعلى، وتكون يداه مكبلتين خلف ظهره، وقدماه مشدودتين إلى بعض بوثاق ما، ثم يبدأ الجلد بالكابل الرباعي على باطن القدمين. واذا ارادوا الامعان في تعذيب السجين، فانهم يغلقون فمه بخرقة سمية زنخة لمنعه من الصراخ.
(4) الكهرباء: هي مولدة كهربائية يدوية، لها شكل صندوق صغير، يخرج منه سلكان كهربائيان، يربطان الى اجزاء حساسة من جسم السجين، كالأذنين أو الشفتين أو العضو التناسلي.
تدار المولدة بوساطة ذراع معدني صغير، فتضرب الكهرباء جسم السجين العاري والمبلل بالماء، محدثة ارتاجات داخلية، أو انصعاقات وتموجات، يخيل الي انها شبيهة بتلك التي تحدث عند خروج الروح، ويترافق ذلك مع صراخ أو عواء مقلوب، لا يمكن للمرء التحكم به أو السيطرة عليه.
(5) الكرسي الألماني: هو كرسي بسيط من كراسي المكاتب الرخيصة، ذو مقعد ومسند جلديين، وقوائم معدنية على شكل مواسير.
ينزعون المسند، ليبقى ما بين قائمتي الظهر فارغاً. يدخلون قائمتي المسند تحت إبطي السجين الممدد على بطنه مكبل اليدين إلى الخلف. تبرز قائمتا المسند من أمام السجين على جانبي الرأس، ويكون مقعد الكرسي ضاغطاً عن أسفل الظهر.
يربطون قدمي السجين بحبل، كل واحدة إلى قائمة من قوائم الكرسم، التي تكون اصبحت في هذه الحالة بزاوية شبه أفقية. بعد ذلك يبدأ الضغط على القائمتين الآخريين، ليرتفع رأس السجين وكتفاه الى أعلى، متخذاً جسده شكل قوس مقلوب ومشدود بالدرجة التي يرونها ملائمة لانتزاع الاعترافات.
بالطبع، اذا ارادوا، يمكنهم الضغط والتوتير إلى الحد الذي يقطع تنفس السجين، أو يضرب عموده الفقري والبروستات.
لهذا.. ولكي لا أسيء إلى الشعب الألماني، فإني أفضل أن اسميه: الكرسي النازي.
منقول
قد يهمكم الإطلاع على مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق