Alfredo Abad / 12 agosto, 2020
A orillas del Éufrates, en las fronteras orientales del Imperio romano, Samosata veía nacer en el siglo II a una de las figuras más representativas de la literatura griega tardía. Luciano: rétor, sofista, escéptico… ¡y filósofo, por supuesto! De sus escritos se desprende una de las más paradigmáticas materializaciones de la ironía y la burla; una de las más afianzadas cristalizaciones de la elegancia y precisión de la lengua ática; uno de los más reconocibles estilos en los que la sátira, la comedia y el diálogo lograron concretarse unitariamente.
The Lucian of Samosata Project
The Way to Write History | Quomodo Historia Conscribenda Sit
على ضفاف الفرات، التي شكلت وقتها الحدود الشرقية للإمبراطورية الرومانية، شهدت سميساط ولادة الشخصية الأبرز والأكثر تمثيلاً للأدب اليوناني المتأخر خلال القرن الثاني ميلادي.
إنه لوقيان (لوقيان السميساطي): المُحاجج، المفكر والمرتاب أو الشكَّاك، والفيلسوف بالطبع!
يبرز بين كتاباته ما يخص الإستهزاء والسخرية؛ كما أنه تمتع بإستخدام اللغة الأثينية بأناقة ودقة؛ يُعتبر إسلوبه خاص للغاية على صعيد الهجاء، الهزل والحوار.
تًعتبر أعماله، بوصفها نقد فلسفي، كثيرة ومتنوعة. يتجسد فيها الحضّ على الإبتعاد عن الإستملاك (التملُّك) الذي يفتقر للأصالة والصِحَّة، فهو يوبِّخُ المدارس، الطوائف، التبجحات التقليدية في نظام حياة يرتكز على أوهام سخيفة لا قيمة ولا معنى لها. يُحدِّدُ لوقيان، بهذه الطريقة، مطلباً عملياً لا يعكس تناقضاً نظرياً في حواراته مع مدرسة فلسفية ما، بل يشكل مطلباً يعكس تفكيراً وممارسةً وجب تكاملهما وتوافقهما.
توسِّعُ أعماله المفهوم القديم المرتبط بفلسفة تُعتبر طريقة حياة، بحيث يُشكِّل الجانب النظري قطعة قابلة للتعديل أو التكيُّف مع تعريف أكبر: الممارسة الحيوية. بالطبع، يستخدم هذا التصور، كسلاح، الطرح التهكمي الهزلي، الذي إشتهر لوقيان به، وفي بعض الأحوال، قد ميزه جداً. لا تستنفذ ولا تسيء هذه الأداة، مع ذلك، إلى الطرح والتمثيل العلمي للفلسفة، التي تقود إلى التهكُّم المُستمر، بوصفه نقد لصيغ حياتية غير أصيلة وفق تحديد لوقيان. هي عبارة عن وسيلة، لا غاية. يشكِّل كل من الإستهزاء والسخرية منهجين يهدفان إلى نزع الأسطرة عن الفلسفة، التي جرى تصويرها بنوع من العجرفة إذا جاز التعبير.
يمكن إيضاح تلك التقديرات أكثر، إن يؤخذ بعين الإعتبار الأصل التشاؤمي الذي يتمسك لوقيان به عندما يفقد الإهتمام بالبلاغة ويخصص إهتمامه الأكبر بالمصادر الفلسفية. وكان قد تأثَّرَ بمنيبوس الكلبي وهجاءه بصورة لا لبس فيها. لم يتأثر ببعض ملامح إسلوبه الهجائي الهزلي فقط، بل بوجهات نظر تشاؤمية كلبية قد تركت أثراً عميقاً في البعد النقدي لفلسفته.
تشكل التشاؤمية الكلبية القسم الأكبر من الخبرة الروحية التي أرشدت إلهام لوقيان.
بالطبع، لا تُختزل أعماله بهذا المشهد. فتهكمه الذي طال أوجه عدّة بحياة الفلاسفة، منطلقاً من خلفية كلبية تشاؤمية يقدمها لنا في كتابه "مزاد الحيوات" – يؤكد الإتهام الموجه للمدارس الفلسفية بتلك الفترة – ينتقل إلى المجموعات الدينية التي إنتشرت في القرن الثاني.
فقد إنتقد أساسيّات تلك المجموعات متعددة الآلهة المبنية على تخرصات ومبالغات بواسطة حسّه الشكوكي المميز. لم يصل المؤلف لحد الإعتراف بأكبر مصدر للخرافة والتخرصات، الذي قد بدأ بالتبلور والإنتشار باسم المسيحية.
هاجم تلك الإعتقادات الدينية متهكماً من العقائد السخيفة التي بدأت بالظهور ضمن أديان متعددة الآلهة، والتي كانت تفقد بريقها تدريجياً بالعموم. يعرض في "مجمع الآلهة"، بدقة، الأشياء المُضحكة الحاضرة في ممارسات المؤمنين. بالإضافة إلى هذا، تهكم من تجاوزات وسخافات يرتكبها فلاسفة، إنطلاقاً من قناعات دينية، حيث يحولون مفاهيم إنسانية مثل الفضيلة، الطبيعة ...الخ إلى مفاهيم إلهية.
"سمعتُ عدداً كبيراً من
الأسماء الغريبة لكائنات غير موجودة بيننا ولا يمكن أن تعكس وقائع ما. مثل زيوس،
ويسببون لي القهقهة! لأنه، أين هي الفضيلة، الطبيعة، القدر والحظ، كأسماء لا أساس
لها وتفتقر للواقعية، مُتخيَّلَة من قبل بعض الحمقى، الذين يسمون فلاسفة؟".
مجمع الآلهة، 13 ضمن الأعمال الكاملة المجموعة الثالثة – صادر عن مكتبة غريدوس، مدريد 1990
أن يتسم لوقيان بالوضوح البالغ في هذه القضية (كما في غيرها)، فهو أمر لا يحتاج الكثير من الشرح. فحتى اليوم، يستمر حضور فلاسفة الإيمان بتلك الألوهيات والأشباح! أبرشية من التجريدات، تديُّن مُتستِّر بالفلسفة.
لم تكبح القرون، التي مرت، جماح الخيال؛ الذي تصدى له لوقيان السميساطي منذ زمن طويل.
تحدد التقييمات، التي يُعثَرُ عليها عادة في أعماله، بكل حال الإبتعاد عن الخداعات المستخدمة في النطاق الديني كما في النطاق الفلسفي على حد سواء.
في هذا المنحى، يُعترَفُ بإمتلاكه لشكوكية شاملة نقدية ترسخ موقف هامشي لافت للغاية ضمن الفكر القديم. يتناقض موقفه النقدي المتشكك مع الإتجاه المتطرف السائد لدى كثير من المدارس والطوائف المحيطة بتلك القامة الرفيعة. تهاجم أعماله التعصب الديني، تطعن في التعليم الفلسفي المدرسي المكلل بالغرور، يستحضر موقفاً معتدلاً وتأملياً يعترف بالسخرية من الإعتقادات المبنية على التخرصات والتخريف بقوّة. فتهكمه ذكيّ.
تتحرك سخريته ضمن عالم مليء بالسخافات التي تظهر من خيالات مُبالَغ فيها، يعرف دينيون وفلاسفة، رغم الفروقات بينهما، بإستثمارها ومحاولة إكثارها على نحو فعّال أحياناً.
لا يمكن التوفيق بين التوجُّه الأخرق لفلسفة ما، تعمل على تهميش القدرة على التهكُّم من خزعبلاتها (لأنه يوجد الكثير منها فيها!)، وبين الخاصية الإشكالية التي تكيفها وتبررها. وهو ما يميز التحدي المُعلَن من قبل لوقيان، عندما يعري مرتكزات تلك المدارس العقائدية.
يؤسس لوقيان لنوع من الفلسفة السلبية، التي تعمل على نفي إستخدامات وتعريفات، تصبح في كثير من السياقات، كممارسات وأساسيات لا يمكن تعديلها بسياق ممارسات فلسفية. مع هذا التوجُّه النقديّ الأصيل، يزيح لوقيان الخرافات الماورائية والدينية لكثير من المجموعات والمدارس الفلسفية. في حواره حول الطوائف، ويُعتبر من أهم وأفضل حواراته لناحية الدقة الجدلية والإسلوبية والبرهانية، يُعرّي العقائد المرتكزة إلى مصدر حقيقة وتنوير حصري وحيد. إنطلاقاً من تلك الشكوكية العميقة، يبرز لدى لوقيان التأكيد على أن البحث أهمّ من الإكتشاف، وهو إعتبار مستقل للتعيين النقدي المُميِّز للفلسفة وللعلم على حدٍّ سواء، إن يتمكنوا من تحقيق إستقلالية توجههما بعيداً عن المدارس، العقائد والحقائق النهائية أو الأخيرة.
تُؤكِّدُ قراءة لوقيان اليوم، بالإضافة للعثور في أعماله على الوحي الشكوكي والألمعية المباشرة التي ترفض الإحتياج أو الحاجة إلى حقيقة تعطي معنى مُطلق أو غير مشروط، على راهنيّة هذه الأفكار في نقلها لمفهوم فلسفة نقدية تكتسب كل الوضوح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق