منذ حوالي 14 عام، طُرِحَتْ، في منتدى الملحدين العرب (الذي إختفى من النت)، فكرة مبنية على معلومات واردة في تفسيرات قرآنية، تعتبر أنّ الله = إيل.
لاقت الفكرة ترحيب واستهجان واستمر النقاش طويلاً؛ بل ظهر شريط خاص للردّ على الفكرة.
بعد مضي كل هذا الوقت، وبعد قراءة الكثير من المعلومات من مصادر عربية وأجنبية متنوعة؛ والأهم العثور بالصدفة، أحياناً، على بعض المعلومات الخاصة بهذه الفكرة، تظهر فرصة للاستفاضة والتوسُّع بهذا الموضوع.
من حيث الردّ على الفكرة، الحديث عن مدلول "المُصطلح أو الكلمة"؛ بهذا، يوجد أكثر من معنى "لإيل" أي يوجد كذا "إيل" لا إيل وحيد! هناك إيل الوثني وإيل الواحد الذي هو الله .. طبعاً، لا يخرج هذا الطرح عن ربط الله بالغيب حيث يستحيل الإثبات؛ ولا يظهر سوى الإنشاء اللغويّ الصرف.
مما لا شكَّ فيه، يوجد اختلاف بين الإله إيل وبين الإله الإبراهيميّ سواء كان يهوه أو الله، ويُعتبر هذا "تطوُّر أو تغيُّر أو صيرورة" في مسيرة الإله إيل.
أهم الاختلافات:
1. الإله إيل، وفق مصادر كثيرة، هو الإله الأعلى أو الأكبر لدى الكنعانيين، ضمن مجمع آلهة ضخم. بينما حلّ الله، كما هو مثبت في نصوص الكتاب المقدس والقرآن، محل آلهة قديمة كثيرة وثنية.
2. الإله إيل، لديه عائلة وقد تزوج ولديه أبناء مثل الآلهة يَمْ وآداد و...الخ. بينما الله لا يلد ولا يُولَد وفق القرآن؛ وهذا الأمر غير واضح كثيراً في العهد القديم على الأقلّ!
3. الإله إيل، يتجسَّد في كثير من التماثيل وربما، وكما يظهر في كثير من أساطير المشرق، تختفي الحدود بين الإله والشخص أحياناً. ولعلّ الأسماء الكثيرة المُستندة إلى الجذر "إيل" أكبر دليل؛ خلال الفترة الممتدة بين 1220 – 1210 ق.م حَكَمَ مدينة إيمار الملك إيلي على سبيل المثال لا الحصر. لا يوجد تجسيد ليهوه أو لله عبر تماثيل. لكن، تستند أسماء كثيرة لجذر "الله" وربما هذه نقطة مُشتركة ذات جذر لغوي أكثر منه ديني.
سؤال: هل تحوَّلَ الإله إيل الكنعاني، تحديداً، إلى إله لليهود؟
في مقال مُترجَم منشور هنا (أي في فينيق ترجمة)، ترد المعلومات التالية:
الإله "إيل" أو ملك الآلهة، وهو الوصي على عرش المعبد.
يُعتبر تحريم استهلاك لحم الخنزير أهم ميزة، قد ميزت الثقافة اليهودية ويوجد دليل أثري عليها.
برز هذا، خلال بدء عملية التحول بمفهوم الإله من "إيل" إلى "إيلوهيم"، رب الأرباب أو إله إسرائيل. حُفِظَ اسمه، أيضاً، في الأسماء العبرية مثل إسرا-إيل وإسماع-إيل. كلمة إلوهيم، بالأصل، هي جمع لكلمة إيل. إلى الجنوب من بيت إيل، في وادي بيرسبا، بدأ تحول مشابه بالظهور.
يقول نورمان كوهن في كتابه "الكون، الفوضى، والعالم الآتي - الجذور القديمة للإيمان بنهاية العالم"، التالي:
في الأساطير الأوغاريتية، كبير الآلهة إيل، يصورونه كشخص مًلتحٍ أشيب. هو أبُ الآلهة وأبُ البشرية، أي أب أدم ab-adm. كذلك يكون يهوه – إلوهيم شكل من أشكال "الأب" للإنسان، وأشتبه باستعارة العبريين لهذه المفاهيم من الأوغاريتيين. يسمى الله كبديل إيل أو إلوهيم (يعني هذا الأخير "إلوهيات"). بول – إيل هو أب بعل (يسمى كبديل بعل – حدد) ويام (يسمى كبديل ياو). يُربَطُ بعل بالغيوم الجالبة للامطار التي تغذي الأرض. تسمى غيوم العاصفة "رسائل رعب حدد". صوت بعل عبارة عن رعد. شقيق بعل، الذي يُنافسه ليتحكم بالأرض، هو يام (ياو)، والذي يعني اسمه "البحر"، كبديل للاسم ناهار "نهر". يكتسب اسماً جديداً من إيل، هو ياو. أشار الأستاذ كوهن إلى اشتباه بعض الباحثين بأنّ ياو الأوغاريتي قد يكون النموذج الأصل ليهوه:
"تزداد صعوبة معرفة متى وأين وكيف عرف الاسرائيليُّون الإله يهوه باضطراد. ربما، كما يقول سفر الخروج، قد كان إله ميدياني بالأصل، دخل إلى أرض كنعان على يد مهاجرين من مصر؛ أو ربما بدأ كعضو صغير في مجمع الآلهة الكنعاني بالأصل، كان إيل الإله الاعلى للاسرائيليين مثلما كان دوماً بالنسبة للكنعانيين. فيما لو نُهمل مسألة اختيار إيل في دورة بعل، "اسم ابني هو ياو"، لا تزال اهميته قيد النقاش، لا يمكن لنا تجاهل مشهد في الكتاب المقدس يعتبر بأنّ يهوه إله فرعي من الإله إيل. نقرأ في سفر التثنية 32:8: "حين قسم العلي للامم حين فرق بني ادم نصب تخوما لشعوب حسب عدد بني إسرائيل"، العلي يعني إيل الأعلى أو الأكبر أو الأسمى.
يُفهَمُ من هذا بأنّ يهوه – إلوهيم عبارة عن صُهارة وتوحيد لإله البحر وإله النهر: ياو (بحر هو يام بالعبرية) وبعل – حدد (يرتبط البعل بالغيوم والعواصف ويظهر يهوه – إلوهيم كغيمة ضمن عاصفة على جبل سيناء)، كما هو الأمر مع شخصية إيل (بُل – إيل)، أبُ بعل ويام، والبشرية (أب – أدم الأوغاريتي). فالأدم الأوغاريتي، يعني "بشرية" وحولهُ العبريون، بوقت لاحق، إلى آدم بوصفه أوّل إنسان وأصل البشرية.
لكن في حال كان يهوه تابعاً، بالأصل، للإله إيل، فهل اعتبره الاسرائيليون، في البدء، كإله شبيه بالإله الكنعاني بعل؟ يظهر يهوه كإله للعاصفة. أقرَّ بعل، للمرة الأولى، ملكه على العالم عبر إخضاع المياه الكونية المتمردة، ورُمِزَ لها بأفعى أو تنين. تُبيّن بعض المزامير بأن يهوه يُخضِعُ المياه إلى جانب التنين ليفياتان وراحاب. كان يهوه إلهاً، مثل بعل، وجب عليه أن يصارع المياه حتى تخضع لمشيئته. كبعل تماماً، يهوه دعم فكرة عالم منظم بثبات
حدث هذا مع يهوه كذلك: فقد وصل ليعرِّف نفسه مثل الإله إيل. كان احد الألقاب الشهيرة للإله إيل هو إيليون، والذي يعني "الأعلى". في تلك المزامير، ينادى يهوه "بالأعلى" أيضاً، وسلطانه مُطلق حاله حال إيل.
أما ألبرت ت كلاي، فيقول في كتابه "أصل تعاليم الكتاب المقدس: أساطير عبرية في بابل واسرائيل":
عشيره هي زوجة إيل، ويعني اسمها "مَنْ يدوس على مياه البحر" (هي ذاتها عشيرة أو آشيرا في مصادر أخرى). يوحي إيل بولادة أبنائه على شكل "عجول" ويتحولوا إلى "ثيران" عند البلوغ. هكذا، جرى تصوير بعل – حدد، في بعض الاحيان، وهو واقف على ثور مُحرراً للإشعاعات. أطلقوا على الغيوم التي تظهر خلال هبوب العواصف اسم "عجول آداد". عندما ظهر يهوه – إلوهيم في جبل سيناء كغيمة في عاصفة، يظهر في صور أوغاريتية "كعجل" آداد. لاحظوا بأنه يُصنَعُ عجل ذهبيّ في جبل سيناء بعد ظهور يهوه بقليل على شكل غيمة أثناء هبوب عاصفة. يصنع يربعام عجلين ذهبيين لتبريك يهوه – إلوهيم في مدينتي دان وبيت إيل. أشتبهُ بأن هذا يعود إلى واقع التعاطي مع يهوه – إلوهيم بوصفه بديل "للعجل" في تجليه على شكل غيمة خلال هبوب عاصفة. كان كتبة الأسفار المقدسة المتاخرون، خلال عصر الحديد الثاني (640 – 560 قبل الميلاد) "جهلة" بالأصول الحقيقية ليهوه – إلوهيم خلال عصر البرونز المتأخر (1560 – 1200 قبل الميلاد) ولم ينتبهوا إلى أنه في الواقع لم يكن سوى خليط وانصهار للإلهين إيل وبعل – حدد مع الإله ياو / يام في الأساطير الأوغاريتية، كذلك كما يكون الإله يا / أيّا / إنكي في الأساطير الرافدية.
(كلام كوهن وكلاي من موضوع طويل قيد الترجمة)
بخصوص الله وإيل واللات
وردت المعلومات التالية في "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام – الجزء السادس – جواد علي":
ويظن بعض المستشرقين أنّ (الله) هو اسم صنم في مكة، أو انه (إلَه) أهل مكة، بدليل ما يُفهم من القرآن في مخاطبته ومجادلته أهل مكة من إقرارهم بأن الله هو خالق هذا الكون.
ص 22
بحسب رينان، فعرب الجاهلية موحدون، فاعتبر بأن الشرقيين قد عبدوا الإله إيل، وقد تحرف اسمه بين لهجات مختلفة، فأُسمي بأسماء أبعدته عن الاصل، غيرأن أصلها كلها هو إله واحد، هو الإله إيل.
ص 33
الذين اعتبروا أن كلمة "الله" ذات أصل عربي، فيرون أنها أتت من "اللات"، اسم الصنم المعروف، تحرف وتولد منه هذا الاسم.
Ency, Religt, I, p 661, p 302
إل هو اسم الله، وكل اسم آخره إل أو إيل، فمُضاف إلى الله، ومنه جبرائيل وميكائيل، فهو (إيل) إذن، إله جميع الساميين القديمين.
تاج العروس (9/410)، (لاه)، (9/374)، (اله).
ص 115
يوجد عدة آراء حول أصل اللات ومعناه .. "أن الناس اشتقوا اللات من اسم (الله)، فقالوا (اللات)، يعنون مؤنثه منه"
ص 230
وذكر الطبري أن "اللات هي من الله، ألحقت فيه التاء، فأنثت، كما قيل عمرو للذكر وللأنثى عمرة، وكما قيل للذكر عباس ثم قيل للأنثى عباسة".
ص 231
يوجد معلومات مثيرة كثيرة حول اللات في هذا الكتاب المهم للدكتور جواد علي. مثل أسماء ذكور تستند إلى اللات، مثل "زيد اللات" و"وهب اللات" و"عبد اللات" بين غيرها. وأقسموا باللات كذلك.
الخُلاصة
من المثير أن يُورِدَ الدكتور جواد علي، في ذات المصدر، الآتي:
هناك أسماء مثل (إل) (إيل)، يجد الباحثون صعوبة في الاتفاق على تعيين أصولها وضبط معانيها.
ص 163
ويعني هذا بأنّ اعتبار إيل = الله، سيخلق ذات الصعوبة في تعيين أصول الله وضبط معانيه.
في الواقع، ومهما كُتِبَ حول هذا النوع من المواضيع، يبدو أننا نُراوح مكاننا لجهة التعاطي مع فرضيات لغوية غير مُثبتة: وهو ما يوجب العمل على مُراجعة الإيمان ذاته بهكذا آلهة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق