فتحت صفحة جديدة في ملف انفجار مرفأ بيروت حيث تشير المعلومات إلى توصل القاضي طارق البيطار والقاضي جمال الحجار إلى مسار قانوني لـ"فكفكة" العقد التي تحكمت بالملف
لا تزال التحقيقات في قضية انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) 2020، أحد أكبر الانفجارات غير النووية بالعالم، الذي راح ضحيته أكثر من 200 قتيل وآلاف الجرحى، تشهد "حصاراً" سياسياً وقضائياً لعرقلتها، لا سيما بعد إصدار المحقق العدلي القاضي طارق البيطار سلسة مذكرات توقيف بحق عدد من الوزراء والنواب، الأمر الذي استنفر المرجعيات الحزبية والسياسية، فأوقفت التحقيقات منذ 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021، بعد الادعاء على البيطار بحوالى 40 دعوى رد ومخاصمة الدولة وانتحال صفة مقامة ضده.
علماً أن "الهيئة العامة" لمحكمة التمييز لا تستطيع البت بتلك الدعاوى كونها فقدت نصابها القانوني (خمسة قضاة من أصل 10)، ولا تستطيع الانعقاد إلا بموجب تعيينات قضائية شاملة لملء المواقع الشاغرة، الأمر الذي أدى إلى تنحٍ قسري للبيطار عن الملف.
ومع إحالة المدعي العام التمييزي غسان عويدات إلى التقاعد في 22 فبراير (شباط) الماضي، وتكليف القاضي جمال الحجار للقيام بمهام المدعي العام التمييزي، فتحت صفحة جديدة في الملف حيث تشير المعلومات إلى توصل البيطار والحجار إلى مسار قانوني لـ"فكفكة" العقد التي تحكمت بالملف والبت تباعاً بدعاوى الرد والمخاصمة وانتحال الصفة، إضافة إلى التعاميم التي كان أصدرها عويدات منع بموجبها قلم النيابة العامة التمييزية من تسلم أي قرارات أو مذكرات من المحقق العدلي الذي، وفق القانون يحيل إليها قراراته لتنفيذها، حيث تمنعت حينها النيابة العامة عن القيام بدورها وعطّلت بذلك التحقيق.
ووفق مصادر قضائية، فإن رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود كان حريصاً لدى تعيينه الحجار على إعادة النيابة العامة التمييزية إلى صلب الجسم القضائي وإزالة التشنجات مع المجلس العدلي بعد أن باتت مرحلياً تتفرد بقراراتها انسجاماً مع مصالح السياسيين وبعض القوى الحزبية النافذة في البلاد، وكذلك هناك اتفاق بين عبود والحجار على إعادة ملف تفجير مرفأ بيروت إلى مسار العدالة تدريجاً ضمن الضوابط القضائية والقانونية.
عودة الاستدعاءات
من ناحيتها توضح مصادر مقربة من المحقق العدلي طارق البيطار، أن إجراءات التحقيق والمحاكمة بالمجلس العدلي تمر بخمس محطات وهي: التحقيقات السرية، قرار الاتهام، إجراءات المحاكمة التمهيدية، جلسات المحاكمة العلنية، الحكم النهائي، مؤكدةً أن صدور القرار الاتهامي بات ينتظر عودة التحقيقات لتحديد جلسات لاستجواب رئيس الحكومة السابق حسان دياب، والوزيرين السابقين غازي زعيتر ونهاد المشنوق ومدير عام أمن الدولة طوني صليبا والمدير العام للأمن العام السابق عباس إبراهيم، إضافة إلى المدعي العام التمييزي السابق غسان عويدات وعدد من القضاة والموظفين في مرفأ بيروت.
وتلفت إلى أنه بمجرد إزالة العوائق القضائية وعودة تعاون النيابة التمييزية مع قراراته سيبدأ بتحديد مواعيد للاستماع للمشتبه بهم، كاشفة أن التحقيق توصل بنسبة شبه حاسمة لناحية التأكيد أن الباخرة "روسوس" التي نقلت نيترات الأمونيوم من جورجيا تعمدت الدخول إلى مرفأ بيروت وإفراغ حمولتها فيه، وأن رواية وصولها عن طريق الصدفة وتعطلها ما أدى إلى تفريغ حمولتها في المرفأ فيما وجهتها الحقيقية كانت موزامبيق ليست سوى سيناريو تمويهي للأهداف الحقيقية.
مصادر البيطار اعتبرت أيضاً أن الوصول إلى خلاصة بأن هناك من تعمد إدخال تلك الباخرة بسلسلة معقدة من التمويه، يؤكد فرضية تورط بعض المسؤولين في لبنان سواء عن سابق تصور وإصرار وتصميم أو من دون دراية أو عن إهمال، وأن الهدف من الاستماع إلى المسؤولين الإداريين أو السياسيين أو الأمنيين والقضاة هو التوصل إلى الحقيقة وليس تصفية حسابات كما يحاولون الترويج، لافتة إلى أن النيترات التي أفرغت في المرفأ ونقلت إلى العنبر رقم 12 كان وزنها 2750 طناً لكن تقديات الكمية التي انفجرت قدرت بحوالى 300 طن مما يؤكد استخدام جهة داخلية لتلك المواد على طيلة سبعة أعوام قبل الانفجار.
أدلة وقرائن
وفي السياق تشير الصحافية المتخصصة في الشأن القضائي فرح منصور، إلى أن التحقيقات التي أجراها البيطار في قضية المرفأ ستنتهي خلال الأشهر المقبلة وقبل انتهاء عام 2024، مؤكدة أن حقيقة انفجار مرفأ بيروت وأسبابه وأسماء الشخصيات المسؤولة عنه ستكشف أمام الرأي العام بالاستناد إلى الأدلة والقرائن الدامغة.
ولفتت إلى أن اللقاء الذي حصل بين المدعي العام التمييزي القاضي الحجار والقاضي البيطار كان إيجابياً وكسر الجمود الحاصل بين النيابة العامة التمييزية والبيطار نتيجة التعاميم السابقة التي أصدرها القاضي عويدات، معتبرة أن القطيعة بين النيابة العامة التمييزية والبيطار ستنتهي قريباً وحينها سيستأنف الأخير عمله من اللحظة التي توقف عندها ولن يتراجع عن أي إجراءات سابقة.
كما رجحت أن يصدر القاضي الحجار تعاميم جديدة يطلب فيها من النيابة العامة التمييزية أن تُعاود استلام الملفات والتحقيقات من البيطار أو أن يلغي بعض تعاميم عويدات وحينها ستكون المرحلة المقبلة بتحويل تحقيقات البيطار إلى النيابة العامة التمييزية لإبداء المطالعة ومن ثم يُصدر القرار الظني ويحول ملف المرفأ إلى المجلس العدلي.
الإفلات من العقاب
ويرى الأكاديمي والخبير القانوني أنطوان سعد أن الأزمة الحقيقية في البلاد أننا أمام نظام متجذر للإفلات من العقاب تتجاوز قوته كل الاجتهادات والقوانين، حيث تستطيع الطبقة السياسية التحكم بمجريات التحقيقات والتدخل في عمل القضاء لطمس الحقائق وإجهاض العدالة.
وبرأيه الأولوية يجب أن تكون لعودة التحقيقات بأي ثمن، معتبراً أن الإخراج القانوني الذي قدمه البيطار حينها للعودة إلى التحقيق هو محق ومنطقي، لأن الجهات التي تنظر بدعاوى الرد تتبع للقضاء العادي، بينما هو جزء من قضاء استثنائي.
إلغاء تعميم عويدات
وفي السياق نفسه يكشف المحامي في مكتب الادعاء في نقابة المحامين يوسف لحود، عن تغييرات ستطرأ على ملف تفجير مرفأ بيروت، حيث سيستعيد الحجار الحق والصلاحية في تمثيل حق النيابة العامة في قضية المرفأ وهذا ما لم يتمكن أن يفعله عويدات بسبب صلة القرابة مع الوزير السابق غازي زعيتر المدّعى عليه في الدعوى، والأهم ما يتعلق بالقرارات التي كان اتخذها عويدات حول منع موظفي النيابة العامة التمييزية والضابطة العدلية استلام أي مراسلة أو التعاون مع البيطار.
ويوضح أن ما أوقف عمل البيطار هو منع موظفي النيابة العامة التمييزية والضابطة العدلية التابعة لها من استلام أي مراسلة أو التعاون مع البيطار، وبالتالي التعويل على قرار جديد لإلغاء القرار السابق، الأمر الذي يتيح عودة البيطار لمتابعة التحقيقات.
غموض قانوني
في المقابل حمل المدعي العام التمييز الأسبق القاضي حاتم ماضي، البيطار جزءاً من مسؤولية التعطيل الحاصل في التحقيقات، معتبراً أن قراره بتجاوز ادعاءات الرد ومخاصمة الدولة العام الماضي وعدم انتظاره قرار محكمة التمييز، والعودة إلى تحريك الملف باجتهاد خاص، هو تصرف غير قانوني لأنه لم يراعِ الأصول القانونية المتفق عليها، معتبراً أنه كل ما استند إليه حينها لا يعطي الخطوة التي قام بها الشرعية، مؤكداً أن على البيطار انتظار قرار البت بالدعاوى قبل المضي في ملفه.
واعترف بوجود غموض قانوني حول الجهة التي يفترض أن تبت بالخلافات حول الصلاحيات بين المحاكم الاستثنائية والقضاء العادي، إذ برأيه لم يكن يتصور المشرع أن تصل الصراعات وتتدهور الأمور إلى هذا المستوى، مستدركاً أن مجلس القضاء الأعلى هو السلطة الأعلى للقضاء، التي بإمكانها أن تجد المخارج القانونية المناسبة.
مسار معقد
ورغم محاولة البيطار إعادة مسار التحقيقات في 25 يناير (كانون الثاني) 2023، عبر اجتهاد قانوني مفاده بأن عضو المجلس العدلي (محكمة استثنائية) لا يجوز رده من محكمة أدنى، مستنداً لدراسة قانونية تعتبر أن صلاحيات المحقق العدلي حصرية، ولا يمكن ردها أو نقل الدعوى من يده إلى يد قاض آخر، إلا أن رد المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات حينها كان بأن أطلق سراح جميع الموقوفين (17 موقوفاً) وعمم على الضابطة العدلية عدم التجاوب مع المذكرات الصادرة عن البيطار، معلناً عدم تجاوب النيابة العامة التمييزية مع قراراته والادعاء عليه كمنتحل صفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق