“No creas en algo simplemente porque lo has escuchado. No creas en algo simplemente porque es hablado y rumoreado por muchos. No creas en algo simplemente porque se encuentra escrito en tus libros religiosos. No creas en algo simplemente por la autoridad de tus maestros y ancianos. No creas en las tradiciones solamente porque han sido transmitidas por generaciones. Más bien, después de la observación y el análisis, cuando te encuentres con algo que está de acuerdo con la razón y conduce al bien y al beneficio de todos y cada uno, entonces acéptalo y vive conforme a ello.”
¿Cuantos de vosotros habéis escuchado esta frase? La primera vez que la leí, hace ya décadas, cuando ya cuestionaba el adoctrinamiento realizado por otras religiones, lo primero en que pensé es en lo bueno que me empezaba a parecer el budismo. Comparándolo con el monoteísmo que había conocido hasta entonces el budismo se me antojaba tolerante, pacífico y racional. Con la experiencia, sin embargo, a medida que fui conociendo más sobre él y me adentraba en su filosofía, historia y textos, lo que descubrí es que no era oro todo lo que reluce. La frase que más me gusta de su fundador, por ejemplo, ni si quiera se le puede atribuir a él.
La cita original
En numerosas webs esta cita se referencia a Buda de distinto modo:
Buda (Príncipe hindú Siddharta Gautama , el fundador del budismo, 563-483 AC)
― Gautama Buddha
Siddhartha Gautama “Buda”
Buda (principe indio, s. VI a.C)
An open letter to Nikko Odiseos, president of Shambhala Publications
"لا تصدق شيئاً، فقط، لأنه ببساطة قيل لك، لا تصدق شيئأً، فقط، لتبنيه من قبل الكثيرين، لا تصدق مافي كتبك الدينية، لا تصدق شيء، فقط، تأثراً بقائله من معلميك الكبار، لا تصدق التقاليد، فقط، لأنها متناقلة من جيل لجيل. فمن الأفضل أن تصدق بعد المعاينة والتحليل، بعدما تعثر على ما يتوافق مع المنطق ويدفع إلى تحقيق الخير والمنفعة للجميع. وقتها، ووقتها فقط، اقبله وعش بالتوافق معه".
كم مرة قد سمعتم هذا القول الشهير أو هذه الحكمة المعروفة؟
لقد قرأته، شخصيا، منذ عقود، عندما راجعت العقائد الدينية وأخضعتها للفحص الدقيق وراجعت طرق تبشيرها، حيث احتلت البوذية الموقع الأول في بحثي ذاك. وبمجرد مقارنتها باديان التوحيد، بدت البوذية لي كدين متسامح، هاديء وعقلاني.
لكن بمرور الوقت والتركيز المتزايد على هذه العقيدة والدخول في فلسفتها، تاريخها ونصوصها، ما اكتشفته أنها لم تكن بكل هذا القدر من الإيجابية، فليس كل ما يبرق ذهباً.
فالجملة التي اوردتها أعلاه مثلاً: لا تعود إلى بوذا.
الحكمة الأصلية
يشار في كثير من المواقع الالكترونية إلى بوذا بأسماء متعددة، من قبيل:
بوذا، أمير هندوسي سيد هارتا غوتاما، مؤسس البوذية، 483 – 563 قبل الميلاد.
غوتاما بوذا.
سيد هارتا غوتاما "بوذا".
بوذا، أمير هندي، القرن السادس قبل الميلاد.
لكن ما هو لافت للانتباه أنه لا يوجد أي إشارة لهذا الاسم في أي نص بوذي. بل ما يكون لافت للانتباه أكثر هو أن كل المواقع الالكترونية التي تفحصتها وأخذت منها تلك الأسماء، لا تذكر المصدر الذي استقت منه الاسم. ربما لأن النصوص ذات الصلة، لا تذكر هذا الأمر صراحة.
يشبه نص حكمة بوذا، المشار له أعلاه، نص موجود في الكالاما سوترا، وتعرف باسم التريبيتاكا أو شريعة بالي، يقول:
9. "بالتالي، كما قلنا، يا أهل كيسابوتا Kesaputta (الكالاماس Kalamas)، ما قيل: لا يقبل الأمر لمجرد سماعه بشكل متكرر؛ أو لأنه جزء من التقاليد؛ أو كونه أمر شائع؛ أو لأنه جزء من كتابات هامة؛ أو لأنه مجرد تخمين، أو لأنه بديهي؛ أو لأنه منطق مخادع؛ أو هو حكم مسبق على تصور جرى التأمل حوله؛ أو ما يمثل أهلية ما يتمتع بها آخرون؛ يا أهل كيسابوتا، عندما تعرفون لوحدكم أن تلك الأشياء سيئة؛ أنها تستحق الإدانة؛ يراقبها الحكماء؛ عندما يبدأ العمل بها ويستمر، فتقود إلى تحقيق الأذى والأسى، اهجروها".
10. "يا أهل كيسابوتا، عندما تعرفون لوحدكم أن تلك الأشياء جيدة، لا تكون موضع شجب؛ يكيل الحكماء المديح لها؛ عندما يبدأ العمل بها ويستمر، فتقود إلى المنفعة والسعادة، تمسكوا بها".
النص، بداية، لا يتحدث عن عقيدة بالعموم، بل يتناول "أشياء" جيدة أو لا وكيفية العمل معها، التمسك بها أو هجرها.
في كتاب السوترا، يوجد قوائم عن الأشياء "التي تقود إلى الأذى"، وترد على كامل صفحاته تقريباً:
5. "ما رأيكم، يا أهل كيسابوتا؟ هل يظهر الجشع لدى رجل لأجل منفعته أم لإلحاق الضرر به؟ لأجل إلحاق الضرر به، سيدي المحترم".
"يا أهل كيسابوتا، نسبة للجشع، إن يتملك إنسان، يدفعه إلى القتل، السرقة، الزنا والكذب؛ وهذا يحرض الآخر على القيام بذات الأمر. ألن يحقق هذا الأذى والضرر لوقت طويل؟ نعم، سيدي المبجل".
6. "ما رأيكم، يا أهل كيسابوتا؟ هل يظهر الحقد لدى شخص لأجل منفعته أو لإلحاق الضرر به؟ لأجل إلحاق الضرر به، سيدي المحترم".
"يا أهل كيسابوتا، نسبة للحقد، إن يتملك إنسان، ، يدفعه إلى القتل، السرقة، الزنا والكذب؛ وهذا يحرض الآخر على القيام بذات الأمر. ألن يحقق هذا الأذى والضرر لوقت طويل؟ نعم، سيدي المبجل".
7. "ما رأيكم، يا أهل كيسابوتا؟ هل يظهر الجهل لدى شخص لأجل منفعته أو لإلحاق الضرر به؟ لأجل إلحاق الضرر به، سيدي المحترم".
"يا أهل كيسابوتا، نسبة للجهل، إن يتملك إنسان، ، يدفعه إلى القتل، السرقة، الزنا والكذب؛ وهذا يحرض الآخر على القيام بذات الأمر. ألن يحقق هذا الأذى والضرر لوقت طويل؟ نعم، سيدي المبجل".
تجري المتابعة على هذا المنوال، حيث يكون موقفه واضحاً حيال تلك الأشياء:
8. "ما رأيكم يا أهل كيسابوتا؟ هل تكون هذه الأشياء حسنة أم سيئة؟ سيئة، سيدي المحترم".
"عندما تُمارَس وتُتبع تلك الأشياء، هل تقود إلى تحقيق الأذى والتعاسة؟ أو كيف ترونها؟ تقود هذه الأشياء إلى تحقيق الأذى والتعاسة. هكذا نراها".
لأجل هذا، تنصح السوترا بالابتعاد عن هذه الأشياء.
لا يُنصَحْ في النص الأصلي كما يحدث في الحكمة المنسوبة لبوذا، الواردة أعلاه، حيث يجري التركيز على عدم تصديق شيء (مهما كان، بالعموم) بناء على افتراضات محددة، بل لا يجب على الواحد منا أن يبني سلوكه بالاحتكام إلى تلك الفرضيات المعروضة في الحكمة. يكون معيار قبول هذه الافتراضات "أفضل، بعد التدقيق والتحليل، عندما يُعثَرْ على شيء متوافق مع العقل ويقود إلى تحقيق المنفعة والخير للجميع ولكل فرد، وقتها يُقبَلْ ويُعاش".
بينما يعتبر النص الأصلي بأنه "عندما تعرفون لوحدكم أن تلك الأشياء جيدة، لا تكون موضع شجب؛ يكيل الحكماء المديح لها؛ عندما يبدأ العمل بها ويستمر، فتقود إلى المنفعة والسعادة، تمسكوا بها".
يمكن للبعض أن يخلط بين النصين فيعتبرهما ذو شبه كامل، لكن يكمن الفارق، بعد تحليل النصين، برفض العقل باعتباره شيء أساسي في اتخاذ القرار في النص الأصلي، فيما يتم استبدال العقل بالخبرة الشخصية في نص الحكمة المنسوبة لبوذا.
الأصل
لكن السؤال الآن، هو: من أين ترد الحكمة المنسوبة خطأ إلى بوذا؟
بحسب البحث الذي حققه موقع fakebuddhismquotes.com حول هذا الأمر، توصل إلى أن لنصِّ الحكمة المنسوبة لبوذا مصدرين، قد نُشِرا في خمسينيات القرن العشرين:
أحدهما كتاب عنوانه "2500 بوذا جايانتي" (الصفحة 39) منشور العام 1956، يكون نص الحكمه فيه، هو:
لا تصدق شيء لأنك قد سمعته فقط؛ لا تصدق التقاليد لأنها متناقلة من جيل لجيل؛ لا تصدق شيء لتناقله بين كثيرين؛ لا تصدق شيء بسبب حضوره في كتب دينية؛ لكن بعد التدقيق والتحليل، عندما تجد الشيء متوافق مع العقل ويتماشى مع نفع الجميع، اقبله وعشه.
كذلك في العام 1951، ظهر نص فيه بعض التغييرات الطفيفة من خلال ثلاث محاضرات قدمها ساياجي أو با كين Sayagyi U Ba Khin حول بوذا جايانتي وهي منشورة في موقع skepticfiles.com. يكون نص الحكمة فيه، هو:
لا تصدق شيء لأنك قد سمعته فقط؛ لا تصدق التقاليد لأنها متناقلة من جيل لجيل؛ لا تصدق شيء لتناقله بين كثيرين؛ لا تصدق شيء بسبب كونه تصريح مكتوب صادر عن حكيم أشيب؛ لا تصدق الظنون؛ لا تصدق شيء قد تمسكت به كعادة على أنه حقيقة؛ لا تصدق شيء لأنه صادر عن مرجعية تتسم بالمعرفة والخبرة. لكن بعد التدقيق والتحليل، عندما تجد الشيء متوافق مع العقل ويتماشى مع نفع الجميع، اقبله وعشه.
من الواضح أن ساياجي قد أعاد صياغة ما في ذاكرته من الكالاما سوترا، وهو ما أعطى الأصل لهذا الإصدار "الأصلي".
بالإشارة إلى النص قيد الدرس وليس إلى النص الخطأ للحكمة، لا يمكننا التأكد بشكل كامل مما قيل في قانون بالي أو التريبيتاكا على انه كلام غوتاما بوذا حتى.
يوجد عدة تواريخ تبعاً لتحديد أقدمية النص:
حيث يعود التأريخ الأقدم المتوافق مع البوذية إلى القرن الثالث قبل الميلاد، فيما يكون التاريخ الأكثر قبولاً هو القرن الأول ميلادي، ونكون، في كلا التأريخين، بوقت لاحق للزمن المُفترَضْ، الذي قد عاش فيه بوذا، وتعود النصوص المنسوبة له إلى القرن السادس قبل الميلاد.
يجب أن نتمتع بسذاجة كافية كي نتمكن من قبول أصالة تلك النصوص. وسيكون من غير اللائق التشكيك لأجل التشكيك بأصالة نص فقط.
لحسن الحظ أنه حتى الآكاديميين الذين يؤيدون عزو تلك النصوص إلى بوذا ذاته، يتصرفون بحذر بالغ لحظة إعطاء رأي حول هذا الأمر. وكذلك لا يحاولون دعم فكرة السلامة الكاملة لتلك النصوص.
الخلاصة
إن النص الذي يضم حكمة، قد جعلتني أعشق البوذية بصورة نسبية، وهو ربما ما حدث مع كثيرين غيري، لا يوجد لها أثر في النصوص البوذية المقدسة ولم يقلها بوذا أبداً!!
ملاحظة: ربما سيعلق أحد المهووسين بالبوذية، من أولئك الذين يبشرون "بممارسة" الأعمال الخيرة، ولكن حين تحين ساعة الحقيقة، يُظهرون مواقف شبيهة بالمواقف المتوفرة في باقي الاديان، بأنني قد تجاهلت مئات العبارات المليئة بالحكمة في البوذية ولا يفقد نص الحكمة المشار إليها في الموضوع شيء من قيمته.
وسيكون ردّي عليه، هو:
تفقد الحكمة المكتوبة في قانون بالي (الكالاما سوترا Kalama Sutra) الاحترام، عندما تعزو مصدر المعرفة إلى الخبرة الشخصية وليس إلى العقل والدليل.
كحال ملايين الأشخاص، الذين يؤسسون مئات العلاجات المزيفة على خبراتهم الشخصية ويدعون أنها مفيدة.
يكون مفهوماً أنه في زمن كتابة قانون بالي، قد جهل مؤلفوه الكم الهائل من الاحكام المسبقة والمبالغات الحاضرة عندنا. لكن ما هو غير مقبول، أنه بمعرفة كل هذا في يومنا هذا، ويستمر اعتبار شيء ما يشبه الخبرة الشخصية بوصفه صالحاً بصورة جازمة.
في البوذية، ويا للأسف، لم يتم إلغاء النصوص المسيئة. ويحدث هذا في كل دين، حين تُعتبر نصوصه مقدسة، غير قابلة للمساءلة أو المراجعة النقدية.
ولم يشذّ عن هذا حتى الماهايانا Mahāyāna الأكثر عرضة للانتقاد في البوذية.
رأي فينيق ترجمة
يندرج هذا الموضوع ضمن سياق مجموعة من المواضيع النقدية للبوذية، التي جرى نشر بعضها في السابق هنا. بكل حال السلوك الانتحالي، إذا جاز التعبير، يبدو لصيق بالتيارات الدينية بصورة أكبر من حضوره في تيارات أخرى
كالعاده، أشكر أيّ تصويب أو إضافة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق