La ciencia de Evolución y el mito de la Creación علم التطور وأسطورة الخلق - الجزء السادس The science of evolution and the myth of creation - <center> Fénix Traducción فينيق ترجمة Phoenix Translation </center> Fénix Traducción فينيق ترجمة Phoenix Translation : La ciencia de Evolución y el mito de la Creación علم التطور وأسطورة الخلق - الجزء السادس The science of evolution and the myth of creation

2009-09-13

La ciencia de Evolución y el mito de la Creación علم التطور وأسطورة الخلق - الجزء السادس The science of evolution and the myth of creation

The Science of Evolution and the Myth of Creation
 
من أين أتينا؟

نحن "متحدرون من القرود!! ربّاه، عساه غير صحيح. لكن، إن يكن الأمر هكذا فعلاً، فسنصلي ليبقى غير معروف!!".
 
هكذا علّقت زوجة رجل الدين المسيحي بويرشيستر في بريطانية، بعدما إستفسرت عمّا طرحه داروين.

يقول عالم الإحاثة وعالم الأحياء التطوريّ ستيفين غي غولد، الذي يحظى بإحترام كبير:
"تخضعُ الوقائع للمُلاحَظة، وتُصاغ الفرضيات، ثُمَ تُثبَت لتُبنى النظريات لتفسير وتنظيم تلك الوقائع. التطور أحد أكثر الوقائع  تماسكاً ورسوخاً علمياً (تأكيد التطوّر مُكافيء لتأكيد دوران الأرض حول الشمس)".

من نحن؟ من أين خرجنا؟ كيف سيكون المستقبل؟

 لقد تساءل الكائن البشري أسئلة كهذه، عملياً، من لحظة وعيه لوجوده ككائن بشري.
 
 فأحد أهم مزايانا كبشر، قدرتنا على التفكير وعلى التساؤل والنقاش حول الحاضر، وأيضاً حول الماضي وحول المستقبل حتى. 
 
كذلك، لدينا القدرة والإتجاه "لإبتكار أشياء" عند عدم معرفتنا شيء. 
عندما نبتكر قصصاً متخيلة حول المستقبل، فهي ما ندعوه قصص الخيال العلمي؛ وعندما نتخيل قصصاً، قد حدثت في الماضي، فنحن إزاء أساطير.
أساطير الخلق، ببساطة، قصص ألَّفَها البشر، منذ قرون أو آلاف من الأعوام، لتفسير شيء لم يكن باستطاعتهم معرفته وقتها، سيما، ما خصَّ مصدر الكائنات البشرية. 
لقصص، كتلك، (أغاني وقصائد في كثير من الثقافات، وكتابات في "مدونات مقدسة" من تأليف بشري كالكتاب المقدس والتناخ والقرآن) تفاصيل مختلفة (زمكان مختلف)، لكن، لديها كلها شيء مشترك، يقولون بأن الكائن البشري قد خلقته أرواح فوق طبيعية غامضة (آلهة الشمس، أرواح الماء، أمهات الأرض أو بطاركة ملتحين في الغيوم) غير مرئيّة؛ من الطين إلى زوجين بشريين، قد تكاثرا وعمّرا الأرض (أو الجزء من الكوكب، الذي عرفه مؤلفو تلك الأساطير).
لا يفاجئني ما إبتكرته الشعوب القديمة، التي عاشت في عالم ما قبل علمي، قد اعتمد القصص لتفسير أصل الإنسان.
 
لا تقدّم دراسة أساطير، كتلك، اليوم، تفسيراً صحيحاً لأصلنا، لكن، يمكننا تقييمها كحالة شعرية، أغنية وآداب، ويمكننا فهم الكثير عن حياة الشعوب القديمة وكيفية رؤيتها لعالمها وقتها1

 تسهل معرفة سبب إبتكارهم أساطير حول الخلق منذ وقت طويل. يُثبت الواقع التاريخي، والعلمي الحالي، بأن قصص الخلق بكل الأديان في العالم هي ذاتها ومن صنع الكائنات البشرية. 
كما نبتكر ككائنات بشرية قصصاً للاطفال حول بابا نويل أو الفأر بيريز، لكن، كلنا نعرف، بتقدمنا بالعمر، أنها قصص مخصصة لغرض إجتماعي. 
 
يتشبّث البالغون بالأساطير الدينية لأصل الكائنات البشرية، والتي بقيت حيّة لذات الأسباب الإجتماعية، التي تحملهم للشعور بالاحتياج للدين:

أ- لم يكن هناك مناهج بحث خلال الجزء الأكبر من التاريخ البشري، كذلك، لم تكن هناك إكتشافات، قادت لمعرفة أصولنا، إنطلاقاً من الوقائع وليس من الخرافات والأسطورة.

ب- الإنقسامات والإختلافات الإجتماعية، التي حضرت على إمتداد العالم، هي أمر قد مَنَعَ المعرفة العلمية عن أغلبية البشر؛ وهو وضع مستمر لتاريخه في بعض مناطق العالم.
يتمكّن العلم، بيومنا هذا، من تقديم إجابات متماسكة على سؤال الأصل: "من أين أتينا؟".
منذ أن نُشِرَ عمل داروين حول تطور الأحياء خلال القرن التاسع عشر، تمكّن العلماء من إحراز الفهم والإثبات العلمي المتنامي على أنّ الكائنات الحيّة في الكوكب (كل النباتات والحيوانات، بما فيها الكائنات البشرية) هي متصاهرة (بينها قرابة) بدرجة مختلفة، وبأن كل الأنواع قد تطورت (تأصلت وتغيّرت) بمرور مئات ملايين الأعوام عبر فعل مسمى "تحدُّر مع تعديل" لسلسلة من الأسلاف المشتركين. اليوم، من الواضح بأن ذاك الواقع قد صِيغَ، بدرجة كبيرة، من قبل الآلية الرئيسية للتغيُّر التطوري والتي نسميها الإنتقاء الطبيعي2
 من جانب آخر، تبيّن آلاف الدراسات العلمية بأن التطور مستمرّ. 
حيث تُواصل جماعات النباتات والحيوانات تغيُّرها (تطورها) بمرور أجيال كثيرة (وليس "لحظياً") بفضل الإنتقاء الطبيعي وظواهر أخرى ذات صلة.
 تشرح الأجزاء السابقة من هذا الكتاب بعمق الإنتقاء الطبيعي وتعطي أمثلة للتطور بمحيطنا3

لقد تطوّر الكائن البشري من أنواع غير بشرية
هل يوجد دليل ملموس على أن الكائنات البشرية (وليس فقط الأنواع الاخرى للكائنات الحية في الكوكب) هي منتج للتطور البيولوجي؟

توجد إختبارات واضحة لأننا قد تحدَّرنا من أنواع سابقة غير بشرية؟

بإجابة سريعة ومُباشرة: 
نعم، قطعياً ودون أدنى شكّ. 

هذا الواقع بالغ الوضوح. حيث ينحدر الكائن البشري من سلسلة طويلة من أنواع موجودة، سابقاً، وغير بشرية. 
فقد انفصل الخط التطوري، الذي قاد لظهور الكائنات البشرية الحديثة (مسماة خط "أشباه الإنسان")، عن خط من القردة الأفريقية منذ ملايين قليلة من الأعوام. 
قاد فرع آخر من هذا الخط  لظهور الغوريللا والشمبانزي الحديثة، أبناء عمومتنا التطوريين الأقرب.

أشباه الإنسان هي أكثر إتصالاً بالبشر منها بالشمبانزي. 
كما سنرى، وُجد الكثير من أنواع أشباه الانسان، والذين إفترقوا عن أسلافهم القرود، لأنهم مشوا على قدمين.
تحضر خطوات عديدة تطورية متوسطة بين الأسلاف القرود والبشر الحديثين. 
 
شابهت الأنواع الأقدم، التي مشت على قدمين، القرود كثيراً، بينما الأنواع الأقرب أكثر شبهاً بالبشر الحديثين. 
 
يعثر علماء الإحاثة، بشكل متواصل، على أحفوريات أشباه الإنسان، الذين مشوا على قدمين (عاش بعضهم بصورة متزامنة)، ونحن نتعلم أيّ من تلك الأنواع، هم أسلافنا المباشرين، وأيّ منها فروع جانبية من شجرة نسبنا التي إنقطعت.

ننتمي نحن الكائنات البشرية الراهنة لنوع واحد، هو الوحيد الذي تبقى من سلسلة أنواع أشباه الإنسان. 
بدراسة الأنواع الأسلاف والبيئات التي عاشوا فيها، نتعلم ليس فقط من هم أسلافنا المباشرين، بل أيضاً من نحن البشر.

مع كل أحفور يُعثر عليه، ومع التحليل والنقاش المتوافق من قبل مجموعات عديدة من العلماء، نعرف تفاصيل أكثر عن الإنتشار الصحيح للتطور البشري.
 
يبقى الكثير لنعرفه، لكن، الخطوط العامة والنموذج الأساسي واضحة لأغلبية علماء العالم، ومن لا يرى بأن الكائنات البشرية قد تطورت من نوع سابق هو كمن يرى بأن الأرض مسطحة وبأنه لو أبحر نحو الأفق، فسيرمي نفسه عن الطرف!!!

يستثمر الخلقيون الجهل والإختلاط ويعممون التعليم السيء، يكذبون ويقومون بتأويل خاطيء لمعارف التطور؛ ويريدون من الناس إعتبار وجود أسلاف سابقين لنا شيء مشين مخجل. يقولون بأنه بالنسبة للتطوريين، لا تختلف الكائنات البشرية "عن القرود في أية حديقة حيوان"، لكن، هذا ليس صحيحاً. 
 
ما يقوله التطوريون هو أنه توجد وفرة بالتجارب الملموسة لأنّ:
 
1- الكائنات البشرية، تنحدر من أسلاف شبيهة بالقرود.

2- القرود الحديثة، كالشمبانزي، من أقارب البشر.

3- البشر والقرود، للآن، لديهم ملامح مشتركة كثيرة فيزيائية ومسلكية.

4- لدى الكائنات البشرية خصائص تطورية خاصة بهم وحدهم؛ تجعلهم مختلفين عن أقربائهم القرود بوضوح بالغ.
يقول الخلقيون بأنه لو يتم تدريس تحدرنا من حيوانات، فالأطفال "سيتصرفون كالحيوانات"، وسيقعون في حبائل الإخلال بالآداب والإباحية. هذا مثير للسخرية، ويشكّل إهانة لعقل الشباب ولعائلاتهم وقدرتهم على تمييز الصواب من الخطأ.

في الواقع، يبدو رائعاً أننا قد وصلنا حيث نحن بفضل مزيج متنوع من الأسلاف.
 طبيعياً، تعود جذورنا إلى نماذج كالبكتريا، أسماك أو قردة!! 
فنحن نوع مختلف ومُتميّز، هو الانسان العاقل بين أنواع متميزة ومختلفة كثيرة أخرى.

حسناً، يدرس البعض أصولنا وأسلافنا لإهتمام عام وفضولي، وهذا ليس سيئاً. 
لكن، بعيداً عن هذا، تهمّ معرفة أكبر قدر ممكن عن الأنواع، التي تفرّع منها النوع البشري، لسببين مركزيين:
 
1- للتخلُّص من ترهات الكائن الفوق طبيعي 
 

 فكلما نعرف الواقع الملموس للأصول البشرية أكثر، كلما إستطعنا التحرر من الخرافات والإعتقادات الفوق طبيعية (عقائد قديمة، والتي في الواقع، تؤذي البشر بكثير من الجوانب والأحيان) أكثر. يقبل الكثيرون، ممن يعتقدون بخلقنا من روح فوق طبيعي، الظلم والمساويء الاجتماعية ("بوصفها إرادة الله").  
 
كذلك، ينتظر الكثيرون قدوم ذاك الروح لإنقاذ البشرية بدل أن يعملوا هم ذاتهم على حلّ المشاكل الإجتماعية. لكن، لو نعرف الوقائع الملموسة للعلم الحديث وأن الكائنات البشرية، على الرغم من كونها كائنات خاصة ومتميزة، فهي ببساطة نتاج واقع طويل جداً وغير واعي كلياً للتطور البيولوجي والإنتقاء الطبيعي، الذي قد جرى على كل الكائنات الحيّة ببلايين الأعوام، فسيساعد على وضعنا بالسياق الطبيعي للبحث عن حلول بمستوى إجتماعي وعملي، وليس بمستوى سماوي وفوق طبيعي. 
 
2- لفهم مَنْ نحن بصورة أفضل، وفهم حاجاتنا وقدراتنا 

كلما نفهم أصولنا التطورية أكثر، يظهر لي، بأننا سنفهم مكانة نوعنا وإرتباطاته وتشابكاته مع الكثير من الأشكال الأخرى للأحياء في هذا الكوكب أكثر، وبالتالي، لا يمكنه البقاء على قيد الحياة وحده.

يجب فهم دورنا بالإساءة إلى الأنظمة البيئية الكاملة وحمل بعض الأنواع للإنقراض، وهذا يمكنه التسبّب بسلسلة من المؤثرات البيولوجية التي قد تجعل الكوكب غير صالح لسكن نوعنا ذاته. وبذات الطريقة، لو نفهم أكثر الحوادث البيولوجية، التي قد حدثت عندما تطوّر الخط البشري من أنواع سالفة موجودة سابقاً (التعديلات والإستحداثات التطورية المفتاح)، يظهر لي، بأننا سنفهم أفضل أنّ تطور سلوكيتنا الإستثنائية المرنة وقدرتنا على تعلم الأشياء الجديدة، يحررنا من التحديد الجامد ببرامجنا الوراثية.
(فنحن أكثر مما ترسمه جيناتنا!!)
  لدينا نحن الكائنات البشرية أهلية لا تصدق للتحويل المؤثر لكل صنف من مظاهر الطبيعة والمجتمع، للأفضل أو للأسوأ. تنساق هذه الأهلية مع مظاهر تؤكّد تطورنا، وإمتلاكنا لقدرة عالية على التفاعل الواعي مع العالم المحيط بفضل تعلم المهن المتواصل، وقدرة هائلة على التواصل ونقل الخبرات.
 
لسنا النوع الوحيد، الذي قد إكتسب القدرة على التعلم أو التحكم بالبيئة الخارجية، لديه سلوكية مرنة وأشكال معقدة من التنظيم والإتصال الإجتماعي. بل توجد لدى أنواع حيّة أخرى بدرجات مختلفة، خصوصاً لدى الثدييات الإجتماعية الأخرى، حيث تتعاون أفراد الشمبانزي وتستعمل آليات بدائية؛ تسترعي الكلاب الإنتباه؛ تعلم الذئاب صغارها الصيد؛ تتعلم الفيلة العناية بأطفالها عبر القدوة؛ تعلم الحيتان صغارها الأغاني المعقدة التي تتواصل بها... الخ. حتى أنّ الكثير من الثدييات، التي تعيش بمجموعات، قد إكتسبت قدرة رائعة لتعلم مسلكيات معقدة، والتي لا تستجيب لبرمجة وراثية ببساطة. لكن، غير قابل للرفض، بأن تطور الكائنات البشرية، يبدو كقفزة نوعيّة بنمو تلك القدرات. لا يمتلك أيّ نوع آخر في الكوكب القدرة التي يمتلكها الكائن البشري بالتحويل الواعي للعالم.

ليس كل المؤمنين في الدين أصوليين معتوهين!! بل يقبل كثير من المسيحيين المنفتحين، وناس من أديان أخرى، بأنّ التطور هو واقع مُختبَرْ ويُكيِّفون إعتقاداتهم معه. يرى بعض المؤمنين بأن الذين قد كتبوا الكتب المقدسة منذ قرون، قد إمتلكوا معرفة محدودة، بالتالي، لا يجب تناول الكتاب المقدس "حرفياً". 

إعترفت الكنيسة الكاثوليكية بخطئها بتكفير كوبرنيكوس (الذي قال بأن الأرض ليست مركز الكون وبأنها وكواكب أخرى تدور حول الشمس). وقد عارضت السلطات الدينية طرح كوبرنيكوس، بقوة، لأن ذلك قد وضع الرؤية المقدسة الخاصة بالكائن البشري، بإعتباره مركز الخلق، بوضع الحيص بيص. 
لكن، بالنهاية، لم يكن ممكناً رفض الواقع العلمي. فلدى كوبرنيكوس كلّ الحقّ4

هزّت نظرية كوبرنيكوس، كما نظرية داروين، عالم الدين؛ وتلقت هجوماً عنيفاً من السلطات الدينية، لأن كليهما أسقطا الكائن البشري من برجه العالي، وأثبتا بأنه لا الكائن البشري ولا الأرض هي مركز كل شيء كحال الكوكب في الكتاب المقدس. يظهر النقد الراهن لنظرية داروين من قبل الخلقيين كنوع من الهراء والخُطب المسهبة، التي مارستها الكنيسة ضدّ كوبرنيكوس وغاليلة منذ قرون.

كنقطة ثانوية، أليس مُزعجاً قول الرئيس الحالي للولايات المتحدة الاميركية (البلد الأكثر قوة في الكوكب، والذي يمتلك كميات كبيرة من سلاح التدمير الشامل) بأنه أصولي مسيحي متحمس، ويتوافق هذا مع المخطط السياسي والإجتماعي للخلقيين المسيحيين الفاشيين من "اليمين الديني"، والذين يحرضهم بقوّة؟
معرفة التطور (والتطور البشري) قبل كل شيء، معرفة الواقع والحوادث العلمية المختبرة. لكن، معرفة تلك الحوادث وتعلّم فضح أكاذيب الخلقيين، أيضاً:
 يمكنه تصويب ضربة ضدّ مخطط سياسي وإجتماعي رجعي.

حوادث أساسية في التطور البشري

ما هي النقاط الرئيسية، التي تتوجب علينا معرفتها، حول التطور البشري؟ 
حسناً، قبل كل شيء، تتوجب علينا معرفة أنه لا يوجد أيّ شكّ بقرابتنا مع القرود الأفريقية الحديثة، أي غوريللا وشمبانزي. 
هم اقرباؤنا الأحياء الأكثر قرباً. 
بالتالي، تُساهم دراستهم بتقديم معرفة كبيرة لكثير من الملامح، التي للآن، هي مُشتركة بيننا، ملامح، مؤكد أيضاً، أنها قد وُجِدَتْ عند أسلافنا المشتركين، والتي قد عاشت منذ ملايين قليلة من الأعوام، منها قد إنفصل الخط البشري وخط الشمبانزي.
 تُفيد دراسة القرود، أيضاً، بإعادة بناء الخطوات الأساسيّة المحتملة للطريق، الذي تابعناه للوصول للكائن البشري الراهن. 
بالإنتباه للقرود في حديقة الحيوان، على شاشة الرائي (التلفاز) أو في بيئتها الطبيعية، تفاجئنا تشابهاتها الفيزيائية الواضحة مع الكائنات البشرية، وأيضاً، كثير من السلوكيات "البشرية تقريباً" كطريقتها باللعب، إستعمال الأيدي مع الأغراض، ضبط أو تسلية صغارها...الخ.
بالنسبة لعالم مختص في التشريح (دراسة الشكل والوظيفة للأجزاء المختلفة للجسم)، فالتشابهات بديهية واضحة:
 
 فأغلبية عظامنا وأعضائنا مُشابهة لما لدى القرد، ويشير هذا لإمتلاكنا أسلاف مشتركين. 
 
فروقاتنا الأوضح، هي: 
 
نسب مئوية مختلفة (لدينا أذرع أقصر وسيقان أطول)، قليل من الشعر يغطي الجلد، الإبهام أكثر حركة، الجمجمة مصطفة مع العمود الفقري (الذي يسمح بوقوفنا، مشي وجري على القدمين، بدلاً من الإنحناء بعظام الرجبة كالقرود)، دماغ أكبر نسبياً وقدرة أكثر بنمو لغة معقدة. 
 
بالعودة للتشابهات:
 
 بروتينات الدم وجزيئات الدي إن إي للبشر والشمبانزي شبه متطابقة. 
 
تتفق غالبية علماء الأحياء الجزيئيين على أنّه يوجد فرق بالترتيب بنسبة 1% إلى 2% بين الدي إن إي البشري والدي إن إي للشمبانزي فقط!!!

معروف بأنه كلما إزداد زمن تطور منفصل لخطين، لديهما سلف مشترك:
 كلما إزدادت الفروقات في الدي إن إي. 
يُشير التحليل للتشابهات والفروقات للدي إن إي، كمثال، لأن القرود الافريقية هي أكثر قرابة مع الكائنات البشرية منها مع السعادين (مجموعة قد إنفصلت سابقاً خلال تطور الرئيسيات). 
يقول الواقع بأنه مازال هناك تشابهاً بنسبة 98% تقريباً بين الدي إن إي البشري والدي إن إي للشمبانزي، ويثبت هذا دون أدنى شكّ بأن النوعين لديهم قرابة قريبة جداً. 
مع هذه المعلومة، إستطاع علماء الأحياء الجزيئيين معرفة أنه للنوعين سلف مشترك منذ 5 ملايين عام، وهو زمن قصير جداً بسلُّم الزمن التطوري.

وتوجد أحفوريات، الكثير، الكثير من الأحفوريات

بالكاد، قد بدأ بزمن داروين البحث عن أحفوريات لأسلاف محتملين بشر، هكذا، لم يكن ليُعرف إن وُجد الكثير من الأحفوريات. 
 
لكن، بمضي قرن ونصف منذ حقبة داروين، عثرت فرق عديدة من العلماء على آلاف الأحفوريات لأشباه الانسان بحقب زمنية مختلفة، أحفوريات بفترة أقل من 200000 عام (والذين لهم بنية تشريحية لبشر حديثين)، أحفوريات لأنواع عديدة بفترة من 1 إلى 2 مليون عام (الذين ليس لديهم البنية التشريحية للبشر الحديثين. لكن، لديهم بعض الملامح المرحلية التي تميزهم كبشر عن قرود وعن أشباه إنسان سابقين)، وأحفوريات للعديد من الأنواع، التي عاشت منذ 3 إلى 4 ملايين عام (كثيرو الشبه بالقرود، لكن، مشوا على قدمين).

أحفوريات أشباه الانسان، تعود لأكثر من 4 مليون عام، هي نادرة حتى تاريخه. فقد عُثِرَ منذ فترة قصيرة في تشاد، أفريقيا، على جمجمة عمرها 7 مليون عام، والتي يمكن أن تعود لشبه إنسان، قد مشى على قدمين أسموه توماي أو أناسي الساحل التشادي
 
لكن، هذا الأحفور قيد الدراسة ولم يُحسَم وضعه.

  الواضح هو أن تاريخ التطور البشري، لا ينمو بخطّ مستقيم من نوع واحد قردي، قد أعطى الأصل لنوع واحد، يمشي على قدمين شبه إنسان، والذي قاد بدوره، لظهور البشر الحديثين. هو شيء معقد أكثر؛ يُعرف، راهناً، بثقة، بأنه بين أسلاف القرود والبشر الحديثين، وجدت موجات متعاقبة لكثير من أنواع أشباه الإنسان، التي مشت على قدمين.

عاش بعض تلك الانواع مئات، آلاف أو حتى مليون عام أو أكثر وقد إنقرضت. 
بعضها، هم أسلافنا بخط مباشر، في حين مثَّلَ، بعضها الآخر، فروعاً جانبية للعائلة الكبرى لأشباه الإنسان (التي قد إنقرضت دون ترك متحدرين حديثين).
 بالعموم، يبدو تطور أشباه الإنسان، كجذع شجرة ذات فروع كثيرة، أكثر منه، خط مستقيم أو تدرج من القرد للإنسان. 
ساهمت دراسات التشابهات والفروقات لأنواع عديدة من أشباه الانسان، الذين قد عاشوا بحقب مختلفة خلال 5 ملايين عام ماضية بتقديم أدلة هائلة من الإختبارات الملموسة، لأن البشر الحديثين، قد تطوروا عبر سلسلة من التعديلات التطورية، خطوة خطوة، منذ سلفنا شبه الإنسان الأكثر شبهاً بالقرود، مروراً بسلسلة من الأنواع المتحدرة المتعاقبة (لدى الكثير منها ملامح وسطية بين القرود والبشر الحديثين) حتى الوصول، أخيراً، لنوعنا البشري الحديث منذ ما يقرب من ما قبل 100000 إلى 200000 عام.
 
هل نعرف كل تفاصيل الأصول الأولى للكائنات البشرية؟
 
كما هو مُفترض: لا.

توجد دراسات مستمرّة لأحفوريات يُعثَرْ عليها، وتستغرق بعض الدراسات أشهراً طويلةً، بل أعواماً أحياناً. 
هكذا، تتجمّع المعلومة ويصبح بالإمكان فهم (بعد كثير من النقاش بين مختلف فرق العلماء) أين يمكن إدخال أحفور في شجرة النسب بعلاقة مع كل الأحفوريات الأخرى الموجودة.

تجدر الإشارة لأنّ فكرة تحدُّر الإنسان من سلف شبيه بالقردة، لم تحضر بزمن داروين، بقيت بإطار إفتراض صِرف. 
فقد امتلك داروين، وعلماء معاصرون، أفكاراً أوليّة عن هذا الإرتباط بين البشر والقرود، للأسباب التالية:
أ- امتلاك البشر للكثير من التشابه التشريحي مع القرود. 

ب-  كل الكائنات الحية الأخرى هي منتج لتعديل تطوري من أنواع عديدة سابقة، إذاً، لن يُستثنى الإنسان ولا القرد من هذه القاعدة الأحيائيّة العامّة. 

ملخّص

اسمحوا لي ببضع كلمات، أن ألخص ما نعرفه حالياً عن السؤال: "من أين أتينا؟".

 نعرف بأنه في حقبة تعود لما قبل بضعة ملايين من الأعوام، قد عاشت أنواع عديدة من أشباه الإنسان التي مشت على قدمين، والواضح أن بعض الأنواع، قد امتلكت كثير من "النجاح" (التي بقيت على قيد الحياة لمئات آلاف أو ملايين الأعوام حتى إنقرضت). أيضاً، نعرف بأنه في ذات الحقبة الزمنية، وأحياناً، بذات المنطقة الجغرافية، قد عاش العديد من أنواع أشباه الإنسان، والتي افترقت بالملامح الفيزيائية (نسب للأسنان والجسم، حجم الدماغ ..الخ) وفي العلاقات مع البيئة، كمثال الغذاء (الذي إستنبط الأسنان)، وإستعمال أدوات من الحجارة، وبعدها، إستعمال النار لتحضير الأغذية.

نعرف بأن تطور أشباه الإنسان، قد قاد لظهور البشر الحديثين. 
ونعرف، بشكل مُؤكّد ودون أدنى شكّ، بأن أسلافنا البعيدين جداً، هم نوع من القرود وأن متحدريهيم قد ظهروا بجانب الخط، الذي مع الزمن، قد قاد لظهور القرود الحديثة (غوريللا وشمبانزي)، وبالجانب الآخر، سلسلة معقدة من أشباه الإنسان مشت على القدمين، والتي مع الزمن، قادت لظهور البشر الحديثين، أي لنا نحن.

الكائنات البشرية والديناصورات؟ تُرَّهاتْ خلقيّة


كما يقول الكتاب المقدس بأن الله قد خلق كل الكائنات الحية بشكل منفصل بذات الإسبوع، يسعى الخلقيون بصورة حثيثة لرفض الواقع العلمي الواضح القائل بأن الانواع قد تطورت واحداً من آخر، بلحظات مختلفة من تاريخ الأحياء في الأرض (تاريخ يمتد 3.5 بلايين عام). 
 
واحدة من الأشياء، التي تؤلمهم، هي عدم رفض واقع تطور الخط البشري، نظراً لوجود كمّ هائل من الأحفوريات لأنواع أشباه الإنسان، التي مشت على قدمين وهي، بوضوح، تغيُّر بين القرود القديمة والبشر الحديثين. 
 
يقول الخلقيون بأن أوائل القرود الجنوبية أو الاسترالوبيتكس ما هم إلا "قرود"، وبأن أشباه الإنسان مثل الإنسان الماهر، الإنسان العامل أو إرغستر، الإنسان المُنتصب ...الخ، والتي تمتلك خصائص وسطية واضحة بين القرود الجنوبية (الذين مشوا على قدمين ويُشبهون القرود ولكنهم ليسوا قروداً!) والبشر الحديثين، "مزيفين!"، وأن الإنسان العاقل هو بشر، لكن، عمره ليس كما تبين الأحفوريات (أكثر من 100000 عام).
 
 تشويه وتزوير الوقائع هي مهنة الخلقيين حفاظاً على يقينياتهم. منذ فترة وجيزة، قالوا بأن الكائنات البشرية والديناصورات، قد عاشت بذات الوقت (بالتوافق مع الكتاب المقدس)، وكبرهان أشاروا لبعض الآثار البشرية بذات الطبقات الصخرية التي فيها آثار لديناصورات في تكساس. 
 
لكن، توجد مشكلة صغيرة! 
 
فآثار الديناصورات أصلية (قبل إنقراض أواخر الديناصورات منذ 65 مليون عام)، فيما تعود الآثار البشرية في الصخور إلى ثلاثينيات القرن العشرين، عندما كانت المنطقة مكاناً سياحياً.

 لا يتحدث الخلقيون كثيراً عن هذا حالياً!!

الدي إن إي لدى الشمبانزي والإنسان، إلى أيّ مدى نتشابه؟

منذ سبعينيات القرن العشرين، قارنت فرق عديدة من العلماء بروتين الدم والدي إن إي للبشر وللشمبانزي بإستخدام تقنيات علم الأحياء الجزيئي، وتبيّن لهم وجود تشابه هائل للدي إن إي. 
 
حصلت كل فرق البحث، تقريباً، على تشابهات بنسبة تقع بين 98.5% و 99 %. كما هو معروف، وخلال زمن طويل من إنفصال نوعين، ستوجد فروقات أكبر بالدي إن إي، استطاعوا حساب أن الشمبانزي الحديث والإنسان الحديث، قد امتلكا سلفاً مشتركاً منذ 5 ملايين عام. بمقارنته مع تاريخ 3.5 بليون عام من تطور الحياة، فمدّة 5 ملايين عام هي زمن قصير جداً.

أبرزت مؤخراً الصحافة سلسلة عناوين من قبيل "الشمبانزي والإنسان ليسا متشابهين كما جرى التفكير سابقاً". 
 
هذا يمكن أن يقود للتفكير بأن علماء الأحياء المختصين في التطور، الآن، غير متفقين حول القرابة بين النوعين وأنهما لا ينحدرا من سلف مشترك. 
 
لا يوجد خلاف كهذا.

تجتزيء تلك العناوين، في الواقع، تصريحات علماء مثل روي بريتين، عالم أحياء من جامعة كال تاتش، قد قاس الفروقات بالدي إن إي، بتقنية جديدة، ووجد تشابهاً يصل إلى نسبة 95% (أدخلت التقنية الجديدة قياس قطع الدي إن إي كمقاطع "غير وظيفية"). بالعكس من هذا، لدى الكائنات البشرية وثدييات أخرى أكثر بعداً، كالجرذ، نسبة 60% تشابه بالدي إن إي فقط. مهما تكن النسبة المئوية (95%, 98.5%, 99%)، فالأكيد هو أن البشر والشمبانزي أقرباء قريبين كثيراً، وبأن الشمبانزي هو النوع الذي نقترب منه أكثر (لدينا قرابة أكثر مع أشباه الإنسان، لكن، إنقرضت كلها). 
 
يُشير روي بريتين لأن "نسبة الاختلاف 5% هي قليلة الأهمية نسبياً" ويؤيد ذلك بأرقامه التي تؤكد الخلاصة، التي مفادها أنّ الخطّ البشري وخطّ الشمبانزي، قد إنفصلا من سلف مشترك منذ 5 ملايين عام تقريباً.

هل توماي واحد من أسلافنا؟
 
يُطلَقْ مصطلح "أشباه الإنسان" على كل الأنواع الأكثر قرابة بالكائنات البشرية منها للشمبانزي. نعرف إنطلاقاً من دراسات على الدي إن إي، بيقين، بأن أشباه الانسان التي تمشي على قدمين، قد إنفصلت منذ زمن أكبر بقليل من 5 مليون عام عن خطّ من القردة الأفريقية، والتي منها ينحدر الشمبانزي الحديث كذلك.
 
 بفضل وفرة الأحفوريات، أيضاً، توجد معلومة كافية حول الأنواع الكثيرة لأشباه الإنسان، التي مشت على قدمين وعاشت بأفريقيا منذ 3 إلى 4 ملايين عام. 
 
لكن، الأحفوريات التي تعود لما قبل أكثر من 4 مليون عام نادرة، لأن الشروط البيئية لذاك الزمن (أكثر رطوبة) لم تكن مناسبة لتشكل وحفظ الأحفوريات. 

 
مع ذلك، منذ فترة قريبة، اكتُشِفَت جمجمة تعود لما قبل 7 ملايين عام في الصحراء، بعيداً عن الأمكنة التي وجدوا فيها معظم أحفوريات أشباه الإنسان (في أفريقيا الجنوبية والشرقية). 
 
أطلقوا إسم توماي (في الصورة أعلاه) على ذاك الكائن صاحب الجمجمة. مكتشفها هو ميشيل برونيت، الذي، وخبراء آخرين، لديهم قناعة بأنه قد مشى على قدمين، بناءاً على الصيغة التي تتصل فيها عضلات الرقبة مع الجمجمة. إن يكن مؤكداً بأن توماي قد مشى على قدمين، فهو شبه الإنسان الأقدم مما نعرف، وربما هو النوع الأول الذي مشى على قدمين وقد إنفصل عن الخطّ السلف للقرود. 
 
مع ذلك، يُشكّك علماء آخرون بإثبات جمجمة توماي، بشكل حاسم، على أنه قد مشى على قدمين كأشباه الإنسان في الفترة التي تعود لما قبل 3 إلى 4 ملايين عام. خاصة إن يكن قد مشى على قدمين، فربما هو السلف المباشر للخط البشري أو ليس هو، فكثير من أنواع أشباه الانسان، قد شكّلت فروع جانبية وإنقرضت. لا نعرف أيها ستكون الخلاصة العلمية حول توماي، لكن، بكل الأحوال، الإكتشاف مهم، لأنه يعكس حضور إمكانية للعثور على أحفوريات لأشباه إنسان لما قبل أكثر من 5 ملايين عام وبعيداً عن الأماكن التي ظهرت أغلب الأحفوريات فيها.

ماذا يعني تعبير "نصير بشراً"؟

نحن الطفل الجديد

نعرف بأن تاريخ خط شبه الإنسان (الخط الذي إنفصل عن أسلافنا القرود منذ 5 ملايين عام، ويشمل كل الأنواع الأقرب للكائنات البشرية ومنها مع الشمبانزي)، قد أعطى المجال لظهور أنواع جديدة (عندما تطورت أنواع جديدة من أشباه الإنسان إنطلاقاً من أنواع أخرى لأشباه الإنسان) وإلى ظهور إنقراض أنواع (عندما إختفى واحد أو أكثر من أنواع أشباه الإنسان بعد مئات آلاف السنين من وجودها فقط). 
 
أيضاً، نعرف بأن نوعنا الإنسان العاقل هو الطفل لعائلة الأشباه، وقد تطوّر منذ بالكاد 200000 عام. 
 
بالمقارنة، يُحسب أن أول نوع مشى على قدمين، قد إنفصل، بداية، عن خط القرود، ومنذ أكثر بقليل من 5 ملايين عام. المشي على قدمين، هو أول خطوة، قد ميّزت الأنواع السابقة عن أنواع أسلافنا الأقرب.
 
مفاصل رئيسية بتطور الكائنات البشرية


 
ألفت الإنتباه لأن العلماء يرون بأنه من المُرجّح حدوث تحولات أو إضطرابات كبيرة في البيئة، قد لعبت ورقة أساسية في إعادة تنظيم خط تطوري للنباتات والحيوانات، مستقر نسبياً، وبدء واقع نشوء واحد أو أكثر من الأنواع الحيّة الجديدة.
أشير لهذا، لأنه قد حدث تغيران مهمان بالبيئة، غالباً، وقد سبّبا حصول نقطتين (كما سنرى لاحقاً) مفصليتين في تاريخنا التطوري، هما:

الأولى، لحظة إنفصال أوائل أشباه الإنسان، التي تمشي على قدمين، عن النوع السلف القردي، الذي لم يمشِ منتصباً.

والثانية،  لحظة إنفصال فرع مختلف عن أشباه الإنسان (ملايين الأعوام فيما بعد) التي تمشي على القدمين (يستمرّ البحث العلميّ لتحديد لدى أيّ نوع من أشباه البشر، بالضبط، قد حصل هذا الأمر) وقد أعطى الأصل لسلسلة من الأنواع الأكثر شبهاً بالبشر الحديثين، والتي تُصنّف، بالعموم، ضمن جنسنا الإنسان.

لدى الأنواع العديدة للجنس إنسان (البشرانيّات) التي قد عاشت إعتبارا منذ ما قبل 2 مليون عام: 
 
دماغ أكبر من دماغ القردة أو "أوائل" أشباه الإنسان الماشية على القدمين كالقرود الجنوبية سالفة الذكر.

وسطياً، حجم دماغ الأنواع الأولى للجنس البشري هو ضعف حجم دماغ القردة أو القرد الجنوبي تقريباً، ولم يفرق حجم الجسم كثيراً.
 
 لكن، يبيّن السجل الأحفوري أن الانفراج الحوضي صغير لأجل ولادة أطفال بدماغ كبير نسبياً (ينطبق هذا على الأنواع القديمة للجنس البشري وعلى نوعنا الحديث).

كيف، إذاً، نما الدماغ عند أشباه الإنسان المتقدمين وعند البشر الحديثين؟

  هو تعديل تطوري جوهري بإيقاع النمو والتطور، فقد حدث تغيُّر  قاد أشباه الإنسان للجنس البشري، فوضعت إناثه أطفالاً "قبل أوان ولادتهم" (بوضع نموّ غير مًكتمل ويحتاج إلى رعاية لاحقة طويلة)، وقد تابع دماغهم نموه لزمن كافٍ بعد الولادة، وخارج جسم الأم، وتضاعف حجمه 3 مرات من الولادة وحتى البلوغ (يتضاعف حجم الدماغ عند الأطفال البشريين الحديثين خلال العام الأول للحياة).

يظهر بأن الكثير من التعديلات التطورية، بطول تاريخ الأحياء، قد جرت عقب حصول "تسويات" صغيرة نسبياً بإيقاع النمو والتطور لواحد أو أكثر من أجزاء الجسم. كمثال، منذ العام 1980، تجمَّعت الأدلة على أنّه حتى طفرات صغيرة ببضع جينات يمكنها أن تتحكم بالنمو الجنيني (مثل جينات ريكس 1)، وبالتالي، يمكنها التسبّب بتحقيق تغيرات مؤثرة بالإنتظام التشريحي للجسم.

تُنتِجْ "تسويات"، كتلك، أفراداً بملامح تشريحية جديدة، والتي ستوفّر مع الزمن فائدة مولِّدة، فينشرها الإنتقاء الطبيعي بطول أجيال متعاقبة كثيرة. 
 
يظهر في حالة أشباه الإنسان الماشية على الأقدام (سمح لها الإنتقال مع أيدي حرّة بالإستكشاف والتحكم بالعالم أكثر بكثير من الأنواع السابقة) بأن "التسوية" التطورية التي خفّفت إيقاع التطور والنمو، قد شكلت الخطوة الكبرى الثانية، لنصير بشراً بصورة كليّة. 
 
قاد هذا التغير لحدوث إزدياد معتبر بحجم الدماغ، ولإزدياد الزمن، الذي إستطاع الدماغ النمو والتطور خارج جسم الأم خلاله.

يبدو بأن هذا، هو الذي زاد القدرة على التعلُّم بشكل هائل، وبالتالي، تحقيق التفاعل مع البيئة الطبيعية والإجتماعية.

ساهم الإحتياج لفترة عناية طويلة بالأطفال بظهور متطلبات مهمة على مستوى التنظيم الإجتماعي لأشباه الإنسان، فقد حفّز على نمو تعاون أكبر وإتصال إجتماعي بين العائلات والمجموعات الكبرى، وسهّل إنتشار تعلّم المهن والتعليم.

لكن، بعد تلك اللحظة، إستغرق تطور البشر الحديثين زمناً جيداً، حيث يبيّن السجل الأحفوري، بوضوح، بأن "أوائل" أنواع الجنس البشري، لم يشبهوا البشر الحديثين كثيراً (لا في الملامح الفيزيائية ولا في القدرة على إنشاء الأدوات) كمتحدريهم "المتقدمين"، والذين ظهر منهم نوعنا المتميّز بعد مرور 2 مليون عام من تطور الخط البشري. يبدو أن التعديل التطوري، قد خفّف إيقاع النمو والتطور لدى أشباه الإنسان، وقد سمح بنمو أكبر للدماغ وبالتعلم بعد الولادة، وبدأت حقبة إنتقاء للخصائص، التي نعتبرها بشرية كُليّاً.

خلال تلك الحقبة، في الغالب، فضّل الإنتقاء الطبيعي، لدى جماعات أشباه الانسان المتعلِّقة بصغارها بصورة هائلة، قدرة أكبر على التعلم والإستجابة لتحديات البيئة الطبيعية والإجتماعية، واكتساب مسلكيات ذات مرونة أكبر وتعاون اجتماعي أكبر. كمثال، إستخدام لغة أكثر تطوراً وصيغ إتصال أخرى.

 المُرجّح بأن بعض أوائل أنواع أشباه الإنسان الماشية على القدمين (كمثال، القرود الجنوبية وأنواع مشابهة) قد إستخدموا أدوات بدائية. (إستخدام أدوات للحصول على الغذاء؛ وهي خاصية غير محصورة بالخط البشري، يستخدم الشمبانزي أدوات؛ وحتى الطيور، تستخدم أداوت، كالغراب والزريق).

الكثير من أوائل أدوات أشباه الإنسان ذو أصل طبيعي لا صُنعي، كالتي يستخدمها الشمبانزي الحديث، الذي يقذف بالعصي لإبعاد المفترسين، ينظف ساق النبات لإخراج النمل من الأعشاش، ويستخدم الحجارة لتكسير الجوز .. الخ.

مارست أوائل أشباه الإنسان، كالقرود الجنوبية كل هذا، وربما قد بدؤوا باستخدام أنواع من نبات القرع الفارغ أو مثانة حيوانات لتعبئة الماء والنباتات. لا نمتلك معلومة يقينيّة عن هذا، لأن مواد، كتلك، تتأذى بسرعة ولم يتبقَّ منها شيء بالسجل الأحفوري.
 
 لكن، نعم، نعرف بأن أوائل أشباه الإنسان لم يصنعوا أدوات من حجر؛ لم تظهر أوائل الأدلة على مصنع لأدوات حجرية بسيطة (مقاشط وأداوت قطع، التي تعلم أشباه الإنسان صنعها من أصناف مختلفة للأحجار للحصول على شظايا مسنونة) في السجل الأحفوري حتى قبل  2.4 مليون عام، أي بعد ظهور خاصية المشي على القدمين بقليل نسبياً.

يظهر دليل مصانع الأداوت، فقط، عند ظهور نوعنا الخاص الإنسان نظراً لتعقيد الأمر؛ إستخدمت أوائل أشباه الإنسان مواداً طبيعية كالأدوات البسيطة جداً (ربما أكثر مما يستخدم الشمبانزي اليوم)؛ لكن، هو أمر معقد (حتى للبشر الحديثين) أي على مستوى فهم كيفية ضرب حجرين محددين بزاوية محددة لصنع مقاشط وأدوات قطع لتقطيع الحيوانات، والتي لم تبدأ بالظهور في السجل الأحفوري إلاّ منذ 2.5 مليون عام. 
 
خلال الحقبة، التي تظهر، فيها في السجل الأحفوري، أنواع متقدمة للإنسان (الإنسان المنتصب أو الإنسان العامل، على سبيل المثال) سيظهر بأنّ "ثقافة الأدوات" قد تطورت وصولاً  لتحضير فؤوس حجرية أكثر تعقيداً، إستعمال النار للتسخين، طبخ الأغذية والحماية.
 
 تغيّرت، مع الزمن، البنية التشريحية، النمو الفيزيولوجي والقدرات التقنية لأشباه الإنسان، لكن، كذلك، قد تغير السلوك والبنى الإجتماعية.


إشارات

1- أيضاً، يمكننا تطبيق مناهج وتقنيات العلم الحديث لإستكشاف أسباب خلق الكائنات البشرية للأديان، بالمقام الأول، أو لماذا كثير من الأفراد، للآن، يشعرون "بالإحتياج" للدين.
2- كما رأينا خلال الأجزاء السابقة من هذه السلسلة، يُشكّل الإنتقاء الطبيعي آلية بسيطة نسبياً، تُظْهِرُ في فرد ملامح جديدة (مستجدات في الشكل أو الوظيفة التي لم تمتلكها الأجيال السابقة)، ببساطة، كنتيجة للعديد من الأشكال لإعادة تركيب التنوع الوراثي الموروث، الذي امتلكه جيل الآباء، عندما تعطي تلك الملامح الجديدة للفرد "فائدة مولِّدة" مقارنة بالأفراد الذين لا يمتلكوها (عندما تسمح بإنتاج متحدرين أكثر، سيبقون على قيد الحياة وسيتكاثرون)، ستنتقل الملامح الجديدة لنسبة أكبر من الأفراد للجماعة في الأجيال اللاحقة. بهذا الشكل، ستنتشر الملامح الجديدة بكل الجماعة من النباتات أو الحيوانات. يحدث هذا أوتوماتيكياً لو أن الملامح موروثة (يمكن نقلها من الآباء للأبناء بالتكاثر) ولو أنها تُعطي للأفراد فائدة مولدة، بحيث أنّ من يمتلكها، سيساهم بمتحدرين أكثر (وسطياً) للأجيال التالية ممن لا يمتلكها.
3- الأجزاء السابقة من هذا الكتاب.
4- لا تعترف الكنيسة الكاثوليكية، بسهولة، بالتقدُّم العلمي. فقد أدانت العالم الفلكي كوبرنيكوس الذي اعتبر أن الأرض تدور حول الشمس (وليس العكس، كما اعتقدت الكنيسة) خلال القرن السادس عشر. تحقَّقَ العالم الفلكي غاليلة من صحّة طرح كوبرنيكوس ببدايات القرن السابع عشر. رفضت الكنيسة الواقع العلمي، الذي يثبت بأن الكتاب المقدس فيه أخطاء، إتهمت غاليلة بالهرطقة ووضعته بسجون محاكم التفتيش وأجبرته على سحب كلامه. حدث هذا العام 1633. قبلَ البابا، مؤخراً، بأن غاليلة لديه الحقّ وبأنه عُوقِبَ بطريقة غير قانونية ... العام  1979أي بعد مرور أكثر من ثلاثة قرون .. هللويااااااااااا يا عينياااااااااا!!!!!!!!

 

قد يهمكم الإطلاع على مواضيع ذات صلة
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 

ليست هناك تعليقات: