تفنيد إدعاءات "العلماء الخلقيين" من الحرس القديم
كيف يظهر هؤلاء الخلقيين؟ لديهم عُمق بالمعرفة العلمية، أليس كذلك؟
لكن، وفي الواقع، حدث تطوُّر الأحياء في إتجاهات كثيرة خلال 3.5 بليون عام مضت، بسرعات متفاوتة؛ مع إمكانية الوصول لدرب مسدود تطورياً في بعض الأحيان.
قبل نشر
نتائج أبحاثهم في مجلات علمية، يتوجب على العلماء (ضمن حقل الإختصاص) تفسير مناهج بحثهم وكيفية تحصيلهم نتائجهم وماهية
خلاصاتهم. يسمى هذا المنهج "نقد الزملاء" ويُعرّي العلماء المخادعين، ورغم هذا، قد يمر بعض التزوير والخداع والنتائج
المزيفة.
إضافة لأن العلماء (كما غيرهم)، فلديهم مناهجهم الفردية وطريقتهم في
رؤية العالم، إضافة لأحكامهم المسبقة وأفكار مسبقة التصور، يحملوها للنقاش أو
لقبول النتائج والخلاصات، التي يجب مقارنتها بالواقع والوقائع . هكذا، بتراكم
النقد والمساءلة، تتجلّى الوقائع وتتقدّم المعرفة البشرية.
هكذا، تبرز بضع نظريات
علمية كموضع ثقة وأساس لمستقبل متنامٍ ومتقدم بالمعرفة البشرية.
لا يقترب الخلقيُّون من هذا المنهج على الإطلاق. بل هم يقترحون تصورات عن
كائنات فوق طبيعية، والتي، بالتعريف، يستحيل فحصها المباشر أو غير المباشر،
أو وضعها قيد الإختبار أو الفحص بوسائط يستخدمها البشر.
المُثير في إقتراحات العقائد الروحانية (مثل الصيغ المختلفة لنظرية
الخلق) هو تصريحها الدائم بأن أفكارها "فوق" العالم المادي) وعملياً خارج ساحة العلم). عندما نقوم بتطبيق المناهج العلمية المادية في
الحقل الإجتماعي، يمكننا تفسير القاعدة المادية والتاريخية لأفكارهم ومقاصدهم
وأسبابها الإجتماعية القديمة والحاضرة.
منذ أن إقترح داروين نظريته الثوريّة، التي اعتبرت أنّ كل الأحياء في
الكوكب، قد تطورت من سلسلة من الأسلاف المشتركين بطول ملايين الأعوام عبر آليّة
طبيعية بشكل تام، تسمى الإنتقاء الطبيعي، والتي قد وضعها العلماء قيد الإختبار؛ فثبت أنها
تتفق مع العالم الواقعي.
هل تتفق الأحفوريات مع التنبؤات، التي وضعتها نظرية التطور؟ نعم.
هل يتفق دليل علم الوراثة الجزيئي مع تنبؤات نظرية التطور؟ نعم.
هل يتفق دليل تشابهات وإختلافات أجزاء من الجسم ووظائفها للأنواع الحيّة مع
تنبؤات نظرية التطور؟ نعم.
هل يتفق دليل التوزع الجغرافي للأنواع بكل العالم وشبكات العلاقات البيئية مع
تنبؤات نظرية التطور؟ نعم.
يمكن لعلماء التطور تقديم أمثلة على أشياء لا يتوجب حدوثها أو مرورها في حال صِحَة نظرية
التطور؟ نعم.
حسناً، هل وُجِدَ إكتشاف ما، بأي حقل علمي، يعطي دليل لا
يتفق مع تنبؤات نظرية التطور؟
كلااااااااااااا، ولا واحد.
بل توجد أطنان من الدليل
الملموس المؤكد للتطور، لكن، لم يُعثَر على دليل علمي واحد يدحض التطور.
ولا
واحد. بشكل جدّي، ماالذي يحتاجه التطور أكثر؟
لنرى بعض الأمثلة على طروحات الخلقيين
يقول كثير من الخلقيين بأن التطور ليس صحيحاً لأنه يناقض المبدأ الثاني
للترموديناميك (القانون الثاني: لا تسمح الطبيعة بتحول الطاقة من شكل لآخر إن لم
يترافق ذلك بالتحول مع ازدياد الأنتروبي أي مع ازدياد الفوضى. إذا حافظنا على ثبات الأنتروبي، فإن التحولات من النمط المشار إليه ستتم
بانخفاض الطاقة الحرة الجاهزة للعمل).
كيف يظهر هؤلاء الخلقيين؟ لديهم عُمق بالمعرفة العلمية، أليس كذلك؟
لكن، هناك إشكال صغير، لا يعرفون عمّا يتحدثون .. أو يهرفون بما لا يعرفون!!!
يُقرّ المبدأ الثاني في الترموديناميك بأن المادة تنتشر نحو الفوضى ("إزدياد الأنتروبي").
يقول الخلقيون بأنه بحسب نظرية التطور، تطورت الأحياء نحو نظام بيولوجي
هائل (وليس فوضى)، من البسيط إلى المعقّد (من البكتريا وحيدة الخلية إلى
حيوانات متعددة الخلايا)، وبأن إزدياد كهذا بالنظام والتعقيد بالأنظمة الطبيعية،
ينقض المبدأ الثاني للترموديناميك، وبالتالي، التطور غير صحيح.
في هذا المنطق مشكلتين، هما:
المشكلة الأولى: لا يسير تطور الأحياء في الأرض وفق خط مستقيم، ليتقدّم
من البكتريا إلى الكائنات البشرية، ولايحدث شيء مشابه لهذا لا من قريب ولا من بعيد. لا يحدث
التطور هكذا. نعرف بأن الأحياء بهذا
الكوكب، قد بدأت بكائنات دقيقة بخلية واحدة (لأننا نستطيع العثورعلى بقايا هذه
البكتريا في صخور عمرها هو 3.5 بليون عام)، ونعرف بأن تطور أوائل الحيوانات متعددة الخلايا المعقدة قد إستغرق مئات
ملايين السنين من حوادث التعديل التطوري.
لكن، يظهر تطور الأحياء "كشجرة
وارفة كثيرة الأغصان" أكثر من ظهوره كخط مستقيم.
النظام الذي يتطور، لا يسير نحو
"تقدم" كبير أو نحو "الكمال" بالشكل والوظيفة، وطبعاً، ليس بالضرورة نحو
تعقيد أكبر (كمثال على فقدان في التعقيد، نجد أسماك الكهوف العمياء. المعروف أنها تنحدر من أسماك ذات عيون مبصرة أكثر تعقيداً، لكن، "فقدت" تلك العيون وظيفتها بواسطة حدوث تعديلات تطورية، عندما إنتقل بضعة متحدرين للعيش في
كهوف تحت أرضية، حيث ينعدم فيها الضوء ولا حاجة للعيون في بيئة كهذه).
نميل نحن، ككائنات بشرية، للتفكير بأن كل الأحياء قد
تطوروا من البسيط للمعقد وصولا لنا ذاتنا، فنعتبر أننا قمّة التعقيد!!!
لكن، وفي الواقع، حدث تطوُّر الأحياء في إتجاهات كثيرة خلال 3.5 بليون عام مضت، بسرعات متفاوتة؛ مع إمكانية الوصول لدرب مسدود تطورياً في بعض الأحيان.
هنا، نتذكر الإنقراض وإختفاء نسبة كبرى من الأنواع التي قد عاشت بلحظة
معطاة، وهي ظاهرة قد حدثت على الأقل خمس مرات بتاريخ الأرض.
فها هو الإنقراض
ليس دلالة على إتجاه تشكيل نظام أكبر ومعقّد أكثر!!!
إضافة لأنه في هذا الكوكب، للآن، يعيش كثير من الأنواع البسيطة، التي لم يحصل
تعقيد بها، يوجد كثير من أنواع البكتريا، يحبّ الكثير من علماء الأحياء القول، هنا،
بأن البكتريا تسود في الكوكب!! كذلك من الطرافة بمكان (ويشكِّل عبرة للبشر!!)
معرفة أنّ وزن كل أنواع النمل المعروفة، يعادل تقريبا أكثر أو أقل، وزن كل أفراد
نوعنا البشريّ!!
لكن، قول بأنه بمجرى 3.5 بليون عام، قد طوّرت
الأحياء ملامح وآليات كثيرة أكثر تعقيداً من البكتريا، وبأنه بطول تطور الأحياء قد
تنوعت بتنوع هائل من الأنواع والأنظمة البيئية المعقدة، فلن ينقض هذا "المبدأ الثاني للترموديناميك".
لأن هذا المبدأ يتنبأ بأن المادة تنتشر
بإتجاه الفوضى فقط بأنظمة "منعزلة".
المشكلة الثانية: أن الحياة في الكوكب ليست نظاماً" منعزلاً" بل تستقبل طاقة مستمرة من مصدر خارجي (الشمس). بينما تتابع
الطاقة الخارجية دخولها، ويمكن صنعها من قبل أنظمة هذا الكوكب الطبيعية،
التي تتابع إنتاج "نظام "وتعقيد بيولوجي أكبر.
هذا "الإعتراض" على التطور (الذي
ينقض مباديء الترموديناميك):
هو منهج تقليدي عند "العلماء الخلقيين":
لا يعرفون عمّا يتكلمون، لكن، يثيرون بعض الدخان،
يحاولون بثّ إنتقادات "شبه علمية"، وهكذا، يزرعون الشكّ والبلبلة.
لا تُسبِّبْ الطفرات ظهور كائنات خرافية وحشية
يعتبر الخلقيون بأن الطفرات لا يمكنها المساهمة في تطور الأنواع، لأن كل
الطفرات الوراثية هي مؤذية.
من جديد، لا يعرفون عمّا يتكلمون.
عندما تتكاثر الحيوانات والنباتات، يمرّ
الدي إن إي بعمليّة معقدة من الإنفصال وإعادة التآلف (إعادة التشكيل)، وهي عملية غير مثالية، حيث يمكن في كل خطوة حدوث "خلل في النسخ" (أي حصول طفرات)، الكثير من
الطفرات، عبارة عن طفرات صغيرة لا تمتلك تأثير كبير على المتحدرين. وتسبب
الطفرة، في بعض الأحيان، سوء تشكيل أو موت للخلايا المولدة لكل النسل (الذريّة)، فالطفرات الوراثية التي تقتل أو تمنع التكاثر:
لا تنتقل من جيل لجيل بوضوح.
لكن، ليست كل الطفرات مؤذية، وبخلاف الدراما السينمائية أو أفلام الخيال الجامح، لا تُسبِّبْ الطفرات ظهور كائنات خرافية وحشية.
تساهم بعض الطفرات الوراثية بامتلاك المتحدرين لخصائص جديدة أو قدرات
تعطيهم فائدة مولِّدة ببيئة محددة (خصوصا فيما لو تنسجم مع تغيرات بيئية
مهمة). سينشر الإنتقاء الطبيعي، بمرور الأجيال، الخصائص المفضلة لأكبر كمّ من الأفراد.
كمثال، لا شكّ بأن أوائل أشباه الإنسان، الذين مشوا منتصبين على قدمين، قد شكّلوا
"إنحرافات وراثية" مقارنة مع القرود، التي قد تحدروا منهم؛ لكن، أعطاهم
المشي على قدمين فائدة مولدة مهمة مقارنة مع هؤلاء الأسلاف (ويظهر بأن البيئة
الفيزيائية قد تغيرت خلال الحقبة، التي ظهر فيها المشي على قدمين، كما رأينا) لأن
السجل الأحفوري، يشير بوضوح لأن المشي على قدمين، قد إنتشر وشكّل خاصيّة فارقة
لكثير من الأنواع شبه البشرية الجديدة، بطول ملايين الاعوام التالية.
هذا مُجرد مثال من الكثير من الأمثلة على أن الطفرات ليست دوماً مؤذية، ويمكنها فتح
دروب تطورية جديدة أحياناً.
لا يخدعنا الروتوش الجديد لنظرية الخلق، فنظرية التصميم الذكي:
دين لا علم وهي خاطئة.
قد يهمكم الإطلاع على مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق