La ciencia de Evolución y el mito de la Creación علم التطوّر وأسطورة الخلق - الجزء الأوّل The Science of Evolution and the Myth of Creation - <center> Fénix Traducción فينيق ترجمة Phoenix Translation </center> Fénix Traducción فينيق ترجمة Phoenix Translation : La ciencia de Evolución y el mito de la Creación علم التطوّر وأسطورة الخلق - الجزء الأوّل The Science of Evolution and the Myth of Creation

2009-09-13

La ciencia de Evolución y el mito de la Creación علم التطوّر وأسطورة الخلق - الجزء الأوّل The Science of Evolution and the Myth of Creation

Introducción a la serie "La ciencia de la evolución"
Hace poco, Ardea Skybreak anunció que iba a escribir una serie de artículos sobre la ciencia de la evolución: "Es preciso que conozcamos los conceptos básicos de la evolución y que captemos el reaccionario proyecto social y político de los fundamentalistas religiosos, que fomentan confusión e ignorancia de dichos conceptos... A mi juicio, los más grandes y magistrales revolucionarios siempre están debatiendo muchas cuestiones cardinales sociales, culturales, filosóficas y políticas... porque a fin de cuentas nuestro interés es conocer el mundo para cambiarlo fundamentalmente.... Mi intención es animar a los lectores muy diversos del OR a la discusión y debate de estas cuestiones importantes" (OR,12 de mayo de 2002).
Con este número especial del periódico, presentamos la primera entrega de la serie. Mediante una discusión de los conceptos básicos de la evolución y los elementos básicos de la teoría de la evolución, se explicará que todas las formas de vida del planeta son producto de billones de años de evolución -de las bacterias unicelulares a los animales complejos, como los seres humanos- y que todas las especies son descendientes de otras especies y tienen antecesores comunes. También veremos por qué los fundamentalistas cristianos están atacando implacablemente la evolución y refutaremos los argumentos anticientíficos de "creacionismo" y de "artífice inteligente" acerca del origen y el desarrollo de la vida del planeta.
Los artículos se dirigen a todo el que quiera conocer la verdad. Para entenderlos, no se necesitan estudios de ciencias. Alentamos a nuestros lectores a enviar comentarios y preguntas. E invitamos a los científicos y otras personas familiarizadas con el tema a aportar al debate y a buscar medios de popularizar los conceptos básicos de la evolución lo más ampliamente que sea posible.

Leer más, aquí
http://www.revcom.us/a/v24/1151-1160/1157/evolution_s.htm
 
 


غلاف الكتاب الذي تمت ترجمته  
 
"جديرة بالتنويه، هي الأهمية التي تحملها معرفة المفاهيم الأساسية للتطور وإلتقاط رد فعل الأصوليين الدينيين حياله إجتماعيا وسياسيا، أولئك الذين يشجعون الخلط والجهل بتلك المفاهيم ... برأيي، يُناقش المهتمون بالشأن العام، دوماً، الكثير من القضايا الإجتماعية الرئيسية، الثقافية، الفلسفية والسياسية .... حيث يجب أن ينصبّ إهتمامنا على معرفة العالم لتغييره بشكل أساسي .... تعززت محاولتي  بتشجيع القرّاء على النقاش حول تلك القضايا المهمة".

في هذا الكتاب، سيجري البحث في أهم المفاهيم التطوريّة الرئيسيّة، سأحاول تبيان أن جميع أشكال الحياة في الكوكب هي نتاج بلايين السنين من التطور – من البكتريا الوحيدة الخلية وصولاً للحيوانات المعقدة كالكائنات البشرية – وتنحدر كل الأنواع  من أنواع أخرى ولها أسلاف مشتركة.

أيضاً، سنرى لماذا يهاجم الأصوليون المسيحيون  (يهود ومسلمون وسواهم .. فينيق ترجمة) التطور بضراوة، وسنقوم بدحض البراهين اللا علمية "لنظرية الخلق" و "نظرية التصميم الذكي". 
هذه المقالات موجهة للعامّة ولمن يرغب بتحقيق فهم واقعيّ للتطوّر، وبإمكان أيّ شخص مراسلتنا حول أيّ شيء يُطرَحْ لنقاشه.

لكوكبنا، كما لكل الأشياء، تاريخ.
 تاريخ للتغيُّرات، وقد جرى كل صنف من التغيرات الدراماتيكية خلال بلايين السنين. لم تتوقف تلك التغيرات، أبداً، بل وتتواصل في الحوادث الحالية. 
في البدء، سنستعرض بعض الأفكار العلمية، التي تلقى قبولاً واسعاً في الوسط العلميّ بيومنا هذا:

يجري الحديث عن ولادة كوننا وبأدلة قويّة مُتراكمة من خلال إنفجارات كونية، قد حدثت منذ ما يقرب من 4.5 بليون عام ككرة من صخور وغازات ساخنة مقذوفة في الفضاء، بدأت مع الزمن بالتمركز حول واحد من الكثير من النجوم المُنتشره في الكون وندعوه "شمسنا".

حصل في البليون عام الأول تغيرات كثيرة للكوكب، تغيرات فيزيائية، فقد بدأ بالتبرُّد ... لكن، لم يكن فيه حياة وقتها.

نتقدم بليون عام. تغيّر التركيب الفيزيائي للكوكب كثيراً، بردت درجة الحرارة السطح،  وبدأت الكتل الأرضيّة والمائيّة بالتشكل. لكن، ما تزال درجة الحرارة شديدة، وتمتليء المياه والغلاف الجوي بالأحماض والغازات السامة.

في الواقع، لو أنه بإمكاننا الرجوع 3.5 بليون عام، فلن نتمكن من التعرُّف على كوكبنا تقريباً!! فليس بإمكاننا رؤية حيوانات في الأرض، ولا حشرات ولا طيور في الجو ولا أسماك في البحار. لن نرى عشباً ولا أشجاراً ولا نباتات زهرية. لن نرى أشياءاً عائلية. لن نرى أيّة قارة ولا سلاسل جبال ولا سهول أو محيطات كما هي اليوم. لم يكن هناك ماء عذب للشرب ولا شيء للأكل ولا حتى كان بامكاننا تنفس الهواء، الذي إفتقد للأوكسجين بتركيبته وقتها.

لكن، إن تجاوزنا 3.5 بليون عام،  سنتمكّن من العثور على الصيغ الأولية للحياة بهذا الكوكب. وجب تركيز الرؤية لأن الحياة لم تكن بديهية (واضحة) وقتها ...

لنتخيل شيء ككريات مجهرية لجزيئات عضوية تتحد لتشكّل إصداراً أساسياً لخلايا حيّة: في بنية أبسط من بنية الطحالب أو البكتريا الراهنة.

تشكّل نوع من "حساء" كيميائي، تمكنت كائناته البدائيّة من القيام بمهمتين، لا يمكن لكائن غير حيّ القيام بهما، هما: 
الحصول على الطاقة من البيئة المحيطة (السامحة بالنمو والتطور، وهكذا، بالتسبب بحدوث تحولات في البيئة المحيطة) + التناسخ أو صنع نُسخ منها ذاتها كإستمرارية.

إن ننقب بالأرض، اليوم، نجد بقايا متحجرة (متصلبة ومحفوظة) لكائنات قديمة، كثير منها غير موجود اليوم. 
الأحفوريات الأقدم لبقايا بكتريا قديمة:
 قد عاشت منذ 3.5 بليون عام

هنا، جرى إكتشاف البكتريا الأقدم حتى اللحظة، والتي تعود لما قبل 3400 مليون عام - منطقة بيلبرا الأوستراليّة

حسناً، لكن، إن كانت الأشكال الأولى للحياة بالكاد بكتريا بسيطة جداً، كيف وصلنا نحن إلى هنا؟ 
وكذلك الفيلة، الصنوبريات، العشب، الببغاوات والبعوض؟

وكيف حدث التغيّر من بكتريا إلى تلك الكائنات المعقدة خلال ملايين السنين؟

 فإذا بدأت الحياة بهذه الصيغة البسيطة (وتُشيرُ الأحفوريات لأن الأشكال الوحيدة للحياة، التي وُجدَتْ منذ بليون عام تقريبا هي عبارة عن تنوع كبير من البكتريا)، فلماذا لم "تبقَ" بسيطة؟

لماذا توجد أصناف كثيرة من النبات والحيوان، الآن، ولماذا يتميز الكثير منهم بكل ذاك التعقيد؟

 ولماذا لم يتابع الكثير، من الأشكال الحية القديمة، حياته في كوكبنا هذا؟

لماذا إنقرضت الديناصورات، الأرمديل المدرع، نمور سابل والكثير الكثير من الأنواع الحيوانية والنباتية؟

لماذا إختفى أكثر من 90% من الأنواع التي عاشت؟

 لماذا، كما تبيّن الأحفوريات، لم تتغيّر كائنات حية حقيقية منذ ملايين السنين وبقيت كما هي (مثل بعض أنواع الصراصير، التماسيح، أشجار الغينغو والسرطعان والتي تتطابق، تماماً، مع أسلافها المتحجرة منذ ملايين السنين)؟ بينما تغيرت أغلبية السلائل (جماعات النباتات أو الحيوانات ذات الصلة) بشكل مؤثر، كثير من المرات خلال ذات الملايين من السنين؟

 كيف نختبر النموّ بمجموعة الأحفوريات لأشباه البشر (المرتبطين بالكائنات البشرية)؟ وما هو دور جزيئات الحمض النووي الريبي منقوص الاوكسجين
DNA وماذا عن إنفصال سلف للبشر يسبق الشمبانزي والغوريللا حتى؟ ومالذي تقوله هذه البديهية عن القَسَمَات الخاصة بهذا الإنفصال؟

لكي أتمكّن من الإجابة على كل تلك التساؤلات المحورية، سأحتاج لطروحات التطوّر العلميّة. 
وبرأيي، الصيغة الوحيدة للإجابة هي فهم طروحات التطور تلك.

حسناً، ما هو التطور؟

 لدى الكثير من الناس أفكاراً خاطئةً حول التطور. فالتطوُّر، بمعنى واقعيّ، هو "تغيُّر". ليس تغيُّراً كميّا ملحوظاً بل تغيُّراً نوعيّا، يُنتج جديداً لا بديلاً، فيأتي بأشياء جديدة لم تتواجد سابقاً. 
كذلك، لا يحدثنا التطور عن تغيُّرات بالأفراد وكيفياتها، بل يحدثنا عن تغيّرات تطال الأنظمة بمرور الزمن وعلى مدى أجيال كثيرة.

يمكن حتى للأنظمة غير الحيّة أن تتطوّر، حين توافر شروط معيّنة. كمثال نرى بأن أنظمة ثقافية بشرية تتطور كاللغات والتقاليد والأنغام الموسيقية والفلسفة وتصميم السيارات وبرامج الحاسوب وغيرها.

لكن، فهم آلية التغيُّر التطوري (إستجابة، إنتقال وتعديل بـ "المعلومة الوراثيّة" بطول "أجيال" متلاحقة) مختلف عمّا يحصل للكائنات، لأنه يتأسس، هنا، على جزيئات الدي إن إي وفي آليات مختلفة بعلم الوراثة، صدفوية ووراثية (وإن لا تعلموا شيئاً عن هذا لا تقلقلوا، سيتم التوضيح لاحقاً). هو إختلاف مهم. إذاً، تتطوّر الأنظمة غير الحيّة بصيغة مماثلة للأفعال التطورية البيولوجية (بيولوجي = حيويّ). في الواقع، سمحت دراسة مباديء التطور الداروينية بتحقيق فهم أفضل لأشياء كتطور اللغات البشرية والتصميم والهندسة إضافة لمباديء فلسفية، شكلت أساس للإبداع الإنساني والتجديد عموماً.

الأمر المشترك بين كل الأنظمة التي تتطوَّر (القابلة للتطوّر)، وقبل كل شيء، هو وجود النظام (أي نظام) والمتشكِّل من سكان (جماعة حيّة، مجموعة) والمتكونة بدورها من "أفراد مختلفين" (بمعنى أدقّ، أفراد لديهم مواصفات / صفات متباينة ضمن الجماعة الحيّة)، وهذا أمر بالغ الأهمية:

 بحيث لا يحدث تطوُّر دون وجود إختلاف فردي.

كذلك، يتوجب حضور آلية تسمح "للأفراد" بتمرير خصائصهم للجيل التالي. بمعنى سيرث المتحدرون بعض تلك الإختلافات.

هذا أيضاً مهم جداً، فدون وجود صيغة لنقل الإختلاف، فلن يحدث تطوُّر.

التطوُّر عبارة عن "ذريّة + تعديل". 
ويتمّ التغير التطوري  بطول الكثير من الأجيال ولا يحدث فجأة.

 يُقال بأنه حدث تطوُّر، عندما يحصل تغيُّر من جيل لجيل بالتمثيل النسبي للأفراد مع تغيرات في السكان (ما قوله، عندما يتغير "الر قم النسبي" لـ "التغيرات" – أفراد بخصائص مختلفة – من
السكّان أو الجماعة الحيّة)2        

ما رأيناه، للآن، يمكن تطبيقه:
  على الأنظمة الحية والأنظمة غير الحية.

لكن، كيف نعرف بثقة بأن تلك الأفعال، نعم، تحصل في الأنظمة الحية (بيولوجية)؟ 
مالذي نعرفه حول الأشكال المؤكدة، التي قد تطورت عبرها الكائنات الحية بطول بلايين السنين وبأن حادث التطوُّر مستمرّ؟ 
وكيف نعرف بثقة بأن حضور كل أشكال الحياة في هذا الكوكب، وخصوصاً الكائن الانساني، يمكن تفسيره كلياً عبر آليات التطور، دون الحاجة لقوة خارجية أو مخطط إلهي؟ 
يجب لفت الإنتباه لأنه خلال القسم الأكبر من التاريخ البشري، لم يعرف الكائن الانساني بأن الحياة قد تطوّرت، وبصورة مؤكدة، لم يعرف أحد بأن أسلافنا الأكثر إختلافاً وقدماً هم عبارة عن بكتريا!!!

 في العالم القديم، وحتى القرن 19، ساد تفكيرٌ يقول بأن العالم ثابت لا يتغيّر. وأن كل ما يُرى في المحيط، قد إستمرَّ على صورته في الماضي. 
لم تتوفّر لهم المعارف العلمية القائمة، بيومنا هذا، فعلى سبيل المثال، سلف كل أصناف الضفادع عبارة عن نوع من الأسماك، قد امتلك رئة بدائية وبعض الزعانف، التي ساعدتهم على إمضاء زمن خارج الماء.

لم يتخيلوا بأن مختلف الأصناف من الكائنات الحية، قد امتلكت علاقة بينيّة ما، ولو أن البعض منهم، قد لاحظ إمتلاك حيوانات مختلفة  لهياكل عظمية متشابهة.

لقد تساءل بعض البشر، من قديم الزمان وبصورة طبيعية، لماذا يوجد كثير من الأصناف النباتية والحيوانية، من أين خرجوا، من أين خرج الكائن البشري؟ وهلّم جرى.

لكن، خلال الجزء الأكبر من التاريخ البشري، لم يتحدثوا عن أدوات ولا عن مناهج للإجابة على تلك التساؤلات.

لأجل ذلك، إبتكروا قصصا خلاقة لمحاولة الإجابة على كل التساؤلات أعلاه. وهي ما نسميه اليوم  "أساطير الأصول" أو "أساطير الخلق"
، وتحضرُ بكل الأديان في العالم. تمتلك تلك القصص نقاطاً مشتركة، كما أنّ فيها نقاط خاصة بالمنطقة والجماعة التي إبتكرتها.
 نشروا قصصهم ونقلوها من جيل إلى جيل، لكن، كيف يمكننا التأكُّد من صحة تلك القصص؟

 من جانب آخر، كيف نعرف بأن التطور مؤكداً أو لا؟

الطريقة الأفضل لتبيان صحة فكرة من خطئها، هي بوضعها قيد الإختبار. 
لكن، لا ينسجم هذا مع قصص الخلق، التي تطلب الإعتقاد بها بفعل الإيمان لا الإختبارات ولا البراهين والأدلة والإثباتات. لا يسمح رجال الدين أصلاً بإخضاع عقائدهم للإختبار، علماً، أنه يستحيل التثبُّت من فكرة مركزية يطرحونها وتقول: 
"في البدء، خلق الله العالم وكل شيء فيه"؟!

 يجب الإعتراف بأن المضمون والتأريخ لكل الأديان في العالم (أصولها وتغيراتها بمضي الزمن، هكذا كما شروحاتها للعالم الطبيعي والمجتمع الانساني)، هو جزء من الواقع المادي، الذي يمكن فحصه وبحثه علمياً.

لنرى الكتاب المقدس، كمثال. كُتِبَ منذ آلاف السنين من قبل سلسلة من المؤلفين البشر (كما يدعي المؤمنون به). وعلى اعتبار أن كتبته بشر، فالتشكيك قائم بمضامينه. يؤكد الكتاب المقدس بأنّ عمر الأرض بحدود 6000 عام، لكن، تُثبت التقنيات العلمية الحديثة للتأريخ بأنّ عمر الأرض هو 4.5 بليون عام تقريباً!! ملايين وبلايين من السنين والعلم ليس ديناً ولا يقبل شيء بدافع الايمان، بل يلزمه إجراء كثير من الاختبارات والأدلة، لكي يصل العلماء للقبول والاتفاق على شيء واقعيّ نسبياً.

نعرف عمر الشيء، لأننا نستخدم، الآن، تقنيات علمية متنوعة تسمح لنا بتأريخ كل شيء عملياً. لذلك، الآن، يمكننا حساب عمر الكون المعروف أو عمر الأرض. أيضاً، نستطيع القول متى تشكلّت سلاسل جبلية محددة؛ متى إنفصلت أو إصطدمت القارات؛ أو متى تغيّر المناخ بكل الكوكب. يمكننا تأريخ طبقات الصخور وكل أصناف النباتات والحيوانات المتحجرة ضمن الصخور إضافة لقطع من المادة العضوية. تسمح تقنيات علم الأحياء الجزيئي الحديث باقتفاء آثار التغيرات بجزئيات الدي إن إي DNA والإر إن إي RNA والتثبت من الزمن اللازم الذي حصلت فيه تغيرات وراثية مؤكدة و"انفصالات" كبيرة للخطوط التطورية. يمكننا تأريخ زمن ظهور نباتات جديدة أو حيوانات جديدة، أو متى إنقرضت أنواع مختفية منذ زمن! من المهم التنويه لأنه، بالكاد، خلال القرن الأخير، قد توصّل العلماء لإبتكار تقنيات ماهرة ومباشرة للتأريخ (ومعرفة التقنيات الجديدة للتأريخ "الجزيئي" بالكاد، قد حصلت منذ عقود قليلة).

 يتضح بأن مؤلفي الكتاب المقدس، وغيره من الكتابات القديمة، لم يمتلكوا وسائط تقدير لعمر الأرض ولا لمعرفة مشاهد تطور الحياة النباتية والحيوانية المتعاقبة في كوكبنا. 
يتمكّن العلماء اليوم من  تحديد عمر أيّ شيء بتقريب كبير، وأحياناً،  تُفاجيءُ النتائج بدقتها، ويمكن تعزيز هذه الدقّة بتآلف تقنيات التأريخ هذه.

حالياً، يوجد قبول علمي عام حول التالي:

  عمر الأرض 4.5 بليون عام (4500 مليون عام). 
وقد ظهرت أوائل أشكال الحياة (كالبكتريا الأولى) في هذا الكوكب منذ 3.5 بليون عام. 
ومنذ 540 مليون عام، ظهر تنوع كبير للحيوانات البحرية (انفجار الكامبري). 
ظهرت أوائل الأسماك، البرمائيات والحشرات، هكذا، كما السراخس ونباتات أخرى أرضية خلال الـ100 مليون عام التاليين.
 تغيّرت النباتات الارضية، البرمائيات والحشرات كثيراً.
ظهرت أوائل الزواحف منذ 350 مليون عام. بعد ذلك، ومنذ 250 مليون عام، تغيّرت الزواحف بدورها كثيراً (إعطاء قدم للديناصورات، بين حيوانات أخرى) وظهرت أوائل الثدييات.

إقتصرت الخُضرة منذ 200 مليون عام في الكوكب، على حضور النخيل، السراخس، صنوبريات مشابهة للصنوبر الحالي وجينجكوس، لكن، ظهرت أوائل النباتات الزهرية، أيضاً، ظهرت أوائل الطيور. أيضاً، نعلم بأن آخر الديناصورات قد إنقرضت منذ ما يقرب من 65 مليون عام، لكن، تابع التنوع الكبير، في الثدييات والطيور والنباتات الزهرية والحشرات المُلقِّحة، حضوره في الأرض.

حدثت آخر موجة إنقراض (الخامسة منذ بداية الحياة في الأرض) عند إنقراض الثدييات والطيور الضخمة بنهاية العصر الجليدي العصر الحديث الأقرب منذ 10000 إلى 12000 عام.

حصلت حقبة من التغيرات الدراماتيكية بالمناخ (إرتفعت درحات الحرارة وتراجعت جبال الجليد) وهي حقبة إزداد تأثير النشاط الإنساني في أوساط عديدة خلالها.
 أيضاً، نعرف بأن خط أشباه الانسان قد إنفصل عن أسلافه القرود منذ ملايين قليلة من السنين فقط (تُقدَّر بنحو 4 إلى 10 ملايين عام، وعلى الأرجح أنه أكثر قربا لـ 4 منه لـ 10) وإنتهى مُنتِجاً لسلسلة من الأنواع شبيهة الإنسان السائرة على قدمين. 
وقد إنقرضت كل تلك الخطوط الشبه إنسانية ما عدا واحد فقط، فقد إستمرّ النوع الوحيد من أشباه الانسان (نوعنا الانسان العاقل، الذي تنتسب له كل الكائنات البشرية) والذي يعود بالكاد لـ 100000 عام. وقد يظهر كزمن طويل الرقم 100000 عام مقارنة بمدة الحياة للانسان، لكن، عند التفكير بما يمثله 100000 مقارنة مع 3.5 بليون عام من تاريخ التنوع الأحيائيّ (مع موجات عديدة من التغير للأنواع ولأجل خمس موجات إنقراض لنسبة كبيرة من كل الكائنات الحية في كوكبنا) فتاريخ نوعنا، في الواقع، هو كحبة رمل في بحر.

الأكيد أنّ نوعنا قد شغل جزءاً صغيراً من التاريخ، و يبرز هذا أكثر عندما نفكر بأن الكائنات البشرية، قد طورت الزراعة (كقاعدة "للحضارات" الكبيرة والمعقدة)، بالكاد، منذ ما يقرب من 10000 عام!!

أتاح لنا علم التطور، والنمو في التقنيات العلمية للتأريخ، التأكيد مرة واحدة وللجميع بأن تاريخ أصول الأحياء، التي يقصها الكتاب المقدس عبر سفر التكوين، ليس صحيحاً. 
يقول الكتاب المقدس  بأن الله قد خلق الأرض وكل أسلاف النباتات، الحيوانات والكائنات البشرية في 6 أيام فقط. 
لكن، نعرف بأنه في الواقع قد استغرق الأمر 3.5 بليون عام لكي تصل الأحياء لما هي عليه اليوم منذ أصولها البسيطة.
 يقول الكتاب المقدس، أيضاً، بأن كل النباتات والحيوانات (وأسلافنا) قد ظهروا في الأرض منذ عدة آلاف من السنين وبذات الوقت، لكن، حالياً، نعرف بأن كثير من النباتات والحيوانات قد ظهرت (وإختفت) في لحظات مختلفة من طول تاريخ الحياة في هذا الكوكب. 
يقول الكتاب المقدس بأن كل النباتات والحيوانات لم تتغير بالمطلق منذ خلقها، لكن (كما سنرى في سياق هذه السلسلة) نعرف، وبعيداً عن أدنى شكّ منطقي، بأنه مرة تلو أخرى، قد ظهرت أنواع جديدة من النباتات والحيوانات، لم تكن موجودة سابقاً أبداً كتعديلات جرت على أنواع سابقة عاشت في الماضي.

  الأحفوريات بما تمثّله ببساطة، هي "صور خاطفة" من الماضي. كذلك، الأحفوريات هي بصمات لكائنات حيّة قد مضت وانتهت. ماتت فغطتها الأتربة وتشكلت الرسوبيّات فحفظتها كبصمات تدلّ على ماضيها الحيّ. 
منذ قرون عديدة، إكتشف علماء وهواة  ملايين الأحفوريات من كل شكل، من كل صنف من الصخور وفي كل أنحاء العالم.

توفّر تلك الأحفوريات معلومة واقعيّة لما كانت عليه النباتات والحيوانات القديمة، وأحياناً، تعطي معلومات عن البيئات التي عاشت فيها.
فعلى سبيل المثال، إن يتمشى شخص في حرش أو جبل يبعد عن البحر مئات الأميال ويبدأ بالنظر للأرض المليئة بأحفوريات قواقع ومحارات أخرى بحرية، فهذا لا يحتاج لمؤهل علمي في الجيولوجيا أو علم الإحاثة للإستنتاج بأنه هناك ومنذ زمن طويل قد وُجِدَ بحر قديم!! 
إن يحالف الحظ الشخص ويعثر فجأة على كائن الترايلوبيت : أحفور واحد من اللافقاريات البحرية والذي شابَهَ صرصور مائي، حيث عاش في حقبة الحياة القديمة (منذ 300 إلى 400 مليون عام) حوالي 10000 نوع من الترايلوبيت، لكنها قد انقرضت كلها. 
سمحت لنا دراسة الأحفوريات، بدقة، بتحديد الدليل على أنّ البيئات والأحياء لم تكن دوما متماثلة وواحدة أو شبيهة بما هو قائم اليوم في الأرض، وهذا دفع للتفكير بالتطوُّر.

ظهر إلى العلن الإعتراف الأساسي بتطوُر الأحياء، غالباً، خلال القرنين 18 و19، عندما بدأ علماء الجيولوجيا والطبيعة بتحقيق الدراسة العلمية لكيفية تجمُّع الطبقات الأرضية والصخر، وبدؤوا بدراسة القوى الفيزيائية، التي أظهرتها نتيجة تغيرات مؤثرة بالطبقة السطحية الأرضية بطول حقب زمنية، لا يمكن تصور طولها تقريباً (مثل ظهور سلسلة جبلية أو الحتّ الذي يقلصها، أو عندما تخلق الحركة البطيئة لجبل جليدي الوديان). يجب الإنتباه إلى أنّ الطبقة السطحية الأرضية، قد تغيرت بشكل هائل مع الزمن، وإستنتاج كمّ  الزمن الذي إستغرقه حدوث تلك التغيرات، وهو ما دفع بعلماء الجيولوجيا والطبيعه، خلال القرنين 18 و19، للتشكيك بعُمر الأرض الذي يقدمه الكتاب المقدس.

لقد أقلقهم هذا، لأن ثقافتهم قد علمّتهم الإعتقاد الحرفيّ بصحّة الكتاب المقدس.
 لكن، لم يتمكنوا من تجاهل ما إكتشفوه في الواقع. إنتبه أوائل الجيولوجيين لأنّ الطبقة السطحية الأرضية مكونة من طبقات كطبقات قالب الحلوى، فقد شكّل تراكم التربة والنفايات مع الزمن طبقة صخرية. بمضي الزمن، يزداد التراكم وتتكوّن طبقات جديدة (أحدث) على طبقات قديمة (أقدم).

 تعكس الطبقات، التي تشكلت في حقب مختلفة من تاريخ الأرض، مشاهد مختلفة، تُثبت بأنها عمليّة تنقيب عبر الزمن. يُشاهَدْ المقطع الأساسي ذاته (لترسُّب الطبقات الجيولوجية) كما يسمى  بكل أنحاء العالم بذات الإسم. مكّن هذا أوائل الجيولوجيين من تقدير التتابع الأساسي للأعمار الجيولوجية لتاريخ الأرض. ما فهمه أوائل الجيولوجيين وعلماء الطبيعه:
 الطبقة السطحية لأول طبقة أرضية هي الطبقة الأحدث، وتتمركز فوق طبقة أكثر قدماً، والتي بدورها فوق طبقة أكثر قدماً أيضاً، وهكذا، بالتسلسل حتى الوصول لطبقات أكثر عمقاً (بالتالي، الأقدم). 
لاحقاً، أخذوا بحسابهم أمر آخر بالغ الأهمية، فقد ظهرت مجموعات مختلفة من الأحفوريات لنباتات وحيوانات في طبقات مختلفة من الصخر بتتابع يمكن التنبؤ به. ظهرت أصناف محددة من الأحفوريات في طبقات من الصخر بعمر مؤكد (محدد بوضع تلك الطبقة في السياق الجيولوجي وتتابع الطبقات)، لكن، لم تظهر أبداً في طبقات صخرية بعمر مختلف. إضافة لما يظهر أنه قد تواجد كتتابع يمكن التنبؤ به بصورة موثوقة، فقد حلّت مجموعات مؤكدة من الأحفوريات بطبقات أحدث بشكل كامل محل مجموعات أحفورية وجدت في طبقات أقدم فقط.

وما يُدهش أكثر هو تكرُّر ذلك التتابع (وترابط أصناف مؤكدة من الأحفوريات مع طبقات صخرية مؤكدة) مرّة إثر أخرى وأينما نقَّبوا. في الواقع، هذا التتابع للأحفوريات موثوق، وقد سجّلها علماء الطبيعة في تلك الحقبة.
 إنطلاقاً من السجل الأحفوري، والذي بيّن بكل وضوح أنه قد عاشت أشكال مختلفة للكائنات الحيّة في حقب مختلفة من تاريخ الارض، حاول بعض علماء الطبيعه التوفيق بين تلك الفكرة المقلقة وعقائدهم المسيحية:
فاقترحوا أنه ربما قد حقَّق الله مجموعة عمليات خلق وليس عملية واحدة.
 فيما لم يُصدّق آخرون كل هذا. 
بكل الأحوال، تعرضّ المفهوم التقليدي لثبات العالم وعدم تغيُّره للإهتزاز الشديد. 
فلو تغيَّر وجه الأرض الفيزيائي (فها هم قد بدؤوا بفهم القوى الفيزيائية التي تسبِّب تشكيل الجبال وحتّ الوديان)، هل يعني أن النباتات والحيوانات، أيضاً، قد تغيَّرت مع الزمن؟
هي أسئلة، قد نُوقشت من قبل علماء الطبيعه الأكثر تقدّما خلال بدايات القرن التاسع عشر. 

عندما عثروا على أحفوريات أكثر وأجروا إختباراتهم عليها، طرحوا أسئلة أكثر. بدأ علماء الطبيعه برؤية أن أشكال مختلفة للأحفوريات ذات تشابهات مؤكدة، كذلك، فيها فروقات.
كيف يمكن شرح ذلك؟

 يعني هذا بأن بعض أحفوريات بعض الكائنات قد ظهرت في الطبقات الأكثر عمقاً وقدماً من الصخر ولم تختفِ دون ترك أثر. وظهرت التغيُّرات بأحفوريات تلك الكائنات في طبقات صخر أكثر حداثة؟

أطلق عالم الطبيعه الأعظم تشارلز داروين (مع معاصره ألفريد راسل وولز، الذي صاغ ذات الفكرة قبل داروين بفترة قصيرة) ثورة عميقة بالتفكير الإنساني:

 عندما نشر العام 1859 كتابه - أصل الأنواع -. حيث قدَّم الكتاب كمّ كبير من الأدلة على أن الكائنات الحيّة قد تطوّرت مع الزمن. أعطى داروين  خطوة عملاقة أخرى، فقد صاغ أوليّات نظرية عامة واقترح آلية حقيقية لتفسير كيفية إمكان حصول تغيُّر تطوري. أطلق داروين على هذه الآلية إسم "إنتقاء طبيعي". 
وقد تحققوا، خلال المئة وخمسين عام التي مضت على نشره كتابه، من صحة كون الإنتقاء الطبيعي واحدة من الآليات الرئيسيّة في التطوُّر.

يُعتبر نشر كتاب أصل الأنواع بالإنتقاء الطبيعي واحداً من الحوادث الأكثر أهمية بتاريخ الفكر الانساني. فأهميته إستثنائيّة، لأنه قد أوضح عملية تطور الأحياء (بطول حقب طويلة) واقترح آلية لشرح كيفية حدوثه
، وخضعت هذه الآلية  للإختبار والتحقُّق، كما فعل الكثير من العلماء، من خلال محاولات مُتكررة، في العقود اللاحقة. 
أثبت بأن التطور بالإنتقاء الطبيعي أمكنه الإنتشار، حصرياً، إنطلاقا من الخاصيات الموجودة (والمتغيرة بشكل كبير) والتي تمتلكها الكائنات الحية الفردية، وهكذا، أثبت بأن التطور أمكنه الحصول دون يد خارجية أو تصميم إلهي. 
هذا ثوريّ للغاية وصادم كثيراً للذين التصقوا بمفاهيم الكتاب المقدس عن الخلق الالهي.

إتفقت غالبيّة العلماء على تطوُّر الأحياء، وظلت آلية الانتقاء الطبيعي مثار جدل ونقاش طويلين. وفات داروين ما جرت معرفته، لاحقاً، من مباديء هامّة وخطيرة بعلم الوراثة. 
كما سنرى، لاحقاً، تمّ التحقُّق فعلياً بحدود منتصف القرن العشرين، فقط، بأن نظرية التطور بآليّة الانتقاء الطبيعي صحيحة:
 وحدث هذا بعد اكتشاف الحمض النووي الريبي منقوص الأوكسجين أو الدي إن إي DNA والجينات3 (والتطور بعلم الوراثة ذاته).

والذي،  قد أدى بدوره  لفهم إنتقال خاصيات متغيرة بالأفراد وكيف "تعود لتبرز" في جيل آخر. 
مكّن هذا من تحقيق إختبار دقيق لكيفية حدوث التغيرات التطورية في سكان الكوكب من حيوانات ونباتات (في المختبر وفي الطبيعه)، وأكدت آلاف التجارب والمراقبات، التي عملوها بطول القرن العشرين، صلاحيّة آليّة الإنتقاء الطبيعي بشكل كامل.

حسناً، ومالذي إكتشفه داروين؟

 تشارلز داروين مُراقب ممتاز، وقد درس الطبيعه بإنتباه شديد. شاهد، كأيّ عالم طبيعه في زمانه، أحفوريات، قادت إلى شيئين:
التشابه والإختلاف لأشكال مختلفة من الأحفوريات + الواقع الذي شغلته بأماكن متنبأ بها في الطبقات الجيولوجية.

 أيضاً، تساءل داروين عن سبب إختفاء الكثير من الحيوانات في كوكبنا، ولماذا عثر على أحفوريات لقواقع بحرية في أماكن بعيدة عن البحر آلاف الأميال في أعالي الجبال، كجبال الآنديز مثلاً؟

إنجازات داروين

أمضى داروين زمنا طويلاً وهو يختبر نماذج من الحلزون، الطيور، نباتات زهرية، نمل، نحل، حيوانات أليفة .. الخ، في بريطانيا وفي أماكن أخرى من العالم.
 امتلك فرصة عظيمة للسفر كعالِمْ طبيعي بسفينة كشّافة هي سفينة البيغل (كلب الصيد). 

عندما وصلت السفينة إلى شواطيء أميركا الجنوبية، جزر المحيط الهاديء، جنوب أفريقيا وأماكن أخرى: 
جمع داروين الكثير من المعلومات حول الجغرافيا وحول الكثير من النباتات والحيوانات الغريبة التي وجدها.
عندما غادر بعمر 22 عاماً وقد إعتقد بالخلق الإلهي. في الواقع، أمِلَ القبطان بأن يعثر داروين على أشياء تدحض أفكار التطور المجنونة، والتي بدأ الكثير من علماء الطبيعه الأوروبيين أخذها بعين الإعتبار، لكن، حصل العكس، فقد عاد داروين بأشياء تدعم التطوّر!!

 فُتِنَ داروين بالتنوع الهائل بالأنواع الحيّة "المتكيّفة" جيداً  بالبيئات المتنوعة التي عاشت فيها. 
كمثال، عثر على نوع  صبّار ذو أوراق إبرية لحفظ المياه وهي خاصية تكيفية مع البيئة الصحراوية.
وعثر في جزر غالاباغوس على طيور بمنقار خاص متكيف جيداً مع الاغذية التي تناولتها: 
فلدى الأنواع، التي تناولت بذور قاسية، منقار قصير وقوي؛ لكن، لدى الطيور، التي تناولت بذور صغيرة أو حشرات، منقار أكثر نعومة وأدقّ؛ وتلك التي امتصت رحيق الزهور، لديها منقار نحيف ومقوس وطويل كالشلمونة تقريباً.
كما أنه عثر على سلسلة من نوع الشراشير (طائر صغير) ذات الحجم واللون الواحد ضمن جزيرة، لكن، تختلف من جزيرة لجزيرة أخرى بالحجم وشكل المنقار، وظهرت "كتكيفات" منسجمة مع حضور أغذية مختلفة بكل جزيرة. أيضاً، قد لاحظ امتلاك كل أنواع  الشراشير لملامح مشتركة بين بعضها البعض ومع النوع الوحيد من الشراشير المتواجد في القارة على بعد آلاف الكيلومترات. دفع هذا داروين إلى التفكير بأنّ أفراد من القارة قد طارت للجزر بزمن سابق، وقد شكّل مُتحدروها مجموعات منفصلة بجزر مختلفة، والتي بطول أجيال، قد جمَّعت تغيّرات مؤكدة، بحيث أن كل جزيرة، قد إحتوت نوع ذو خصائص مشتركة مع النوع الموجود في القارة والباقين في الجزر الأخرى، لكن، مع خصائص مختلفة بشكل واضح. اعتبر داروين -- أنّ الأنواع المختلفة في الجزر المختلفة هي "متحدرة معدَّلة" من نوع مشترك من القارة، والذي في لحظة ما، قد "إنتقل" إلى جزر ذات بيئات مختلفة ومع الزمن "تنوَّعت" -- اعتُبِرَ إستنتاجه صحيحاً.

لاحظ داروين إمتلاك بعض الأنواع الحيّة لأعضاء لا تستخدمها بحيواتها اليوميّة، مثل الطيور ذات القوائم الكفيّة، والتي لم تدخل للماء أبداً، أو البطريق ذو أجنحة لم تجعله يطير أبداً. إشتبه داروين بأن تلك الخصائص الظاهرة "كغير مفيدة"، قد حضرت عند أسلاف مختلفين وقد إنتقلت منهم (بوقت متأخر، تمّ إختبار ذلك وجرى إثباته). 
هكذا، إقتنع داروين بأن تلك الأنواع قد تغيّرت، أي بأنها قد تطوّرت.

عاد داروين لبريطانيا مقتنعاً بالتطوّر، لكن، إحتاج 22 عام لصياغة آلية قابلة للحياة (الإنتقاء الطبيعي) وتجرّأ على نشر إستنتاجاته، مع ما تسببه ذاك من إشكالات بنطاق الكنيسة والمجتمع.

توصّل داروين إلى الكثير من "الوضوح الاجمالي العام" عن التطور خلال أسفاره. لكن، قد توجّب عليه من أجل صياغة آلية التطور، القيام بتحضير مفهومين مهمين، هما:

مفهوم التغيُّر الفردي ضمن السكان + مفهوم إنتقاء الخصائص المتوراثة ونشرها.

ما تعلَّمه داروين من المزارعين

أمضى داروين زمناً طويلاً وهو يتحدث مع مزارعين، وقد عرف مناهج الإنتقاء، التي إستعملوها خلال قرون لتحسين مواشيهم وزراعاتهم وتحصيل أنواع جديدة بخصائص مرغوبة أكثر. يعلم المزارعون  بأنه يمكن نقل بعض الخصائص (ليس كلها) من الحيوانات والنباتات لمتحدريها، وينتقون هم ذاتهم خصائص مؤكدة مورثة لتحسينها. كمثال، حين رغبوا بالحصول على قطيع من الأبقار مُنتج لحليب أكثر: 
وجب عليهم إنتقاء وتهجين الأفراد المنتجين للحليب بصورة أكبر فقط. ثم يعيدون هذا في الجيل التالي، وهكذا دواليك. يعرف كل مزارع هذا الشأن. يتمكنون من خلال هذا الإنتقاء لأجيال عديدة متعاقبة من تحصيل قطيع ممتاز على مستوى إنتاج الحليب.

يحصل ذات الشيء مع الخنازير المرغوب بزيادة وزنها وكميّة لحومها، أو مع نباتات الذرة لكي تعطي عرانيس أكثر حلاوة وأكبر حجماً. 
يكفي مع الإنتقاء للخصائص الأكثر تفضيلاً (دوماً وعند إمكان نقلها للمتحدرين، لأنه لا يمكن نقلها أو توريثها كلها) والتهجين، جيلا بعد جيل وصولا للصورة المرغوبة. يسمى هذا الإنتقاء بالإنتقاء الإصطناعي (لتفريقه عن الإنتقاء الطبيعي، الذي يحدث في الطبيعه دون تدخُّل بشري)، ويمكننا بهذه الصيغة، تحقيق تغيير دوري بخصائص حيوانات ونباتات حقيقية.
 يُنتج الإنتقاء الإصطناعي، أحياناً،  تنوعات جديدة، كما نرى في حالة الكلاب التي أنتجها الإنسان بواسطة التناسل المُنتقى بطول كثير من الأجيال (إنتقاء متحدرين)، عبارة عن تنوع مدهش على إعتبار أن كل أنواع الكلاب من الشيواوا الصغيرة للرعاة الألمان أو الكبيرة للرعاة الدانماركيين، قد تحدرت من سلف مشترك واحد شبيه بالذئب!

عرف داروين، بالتالي، الإنتقاء الإصطناعي، الذي يطبقه المزارعون ومربو الحيوانات والنباتات. 
لكن، هل أمكن حدوث شيء كهذا عند الأحياء في الطبيعة ودون تدخُّلات؟

إكتشف داروين الإنتقاء "الطبيعي"، الذي جرى لوحده فقط في الطبيعة، بعدما لاحظ شيئين:

الأول، تُنتج الحيوانات والنباتات في الطبيعه متحدرين كُثُر، قد لا يبقى الكثيرون منهم على قيد الحياة. دفع هذا داروين للتفكير بوجود ضرورة طبيعية لجلب متحدرين بعدد أكبر. ساوره الشكّ بأن هذا يرتبط بفكرة الصراع على البقاء على قيد الحياة، بحيث سيبقى الأكثر كفاءة وأهلية (ذو متحدرين أكثر). وبهذا، إقترب داروين مما يسميه علماء الأحياء الحديثين "أهلية مولِّدة تفاضلية". هذا يعني ببساطة بأنّ القدرة على إنجاب متحدرين أكثر، ستعني القدرة على البقاء على قيد الحياة أكثر. لا يمكن مقارنة "أهلية" كهذه  أبداً مع فكرة التفوق (النازية والفاشية والعرقية بالعموم).

الثاني، لاحظ داروين بأنه في أيّة جماعة من الحيوانات أو النباتات، ورغم إمتلاكها لملامح مؤكدة مشتركة (وهو ما يسمح بالتعرُّف عليهم كأعضاء من ذات النوع)، فلا وجود لفردين متساويين تماماً. فهمَ داروين بأن ذاك التنوع الطبيعي بين الأفراد بجماعة حيّة، قد ساهم باستحضار "المادة الأولية" لكل الجماعة، لكي تتغيّر في أجيال متعاقبة عبر عملية "الإنتقاء الطبيعي" الأعمى واللاواعي لخصائص مؤكدة، دون تدخُّل من يد بشرية ولا يد إلهية.

يتوجّب، لأجل فهم كيفية عمل الإنتقاء الطبيعي، التذكير بأنّ الكائنات الفردية (نباتات أو حيوانات فردية) لا تعيش في الفراغ، بل تعيش في وسط (وفي تفاعل مع) بيئة خارجية (مشكّلة من ملامح فيزيائية للعالم الخارجي، مع حرارة ورطوبة، وفي البيئة "الأحيائية" التي تخلقها كل النباتات والحيوانات التي تشغل البيئة ذاتها). 
تتغيّر البيئة الخارجية (الفيزيائية والأحيائية) بشكل مستمر.
 يتوجّب تذكُّر هذا دوماً وأبداً.

حسناً، سنرى مثالاً عن الإنتقاء الطبيعي، خطوة خطوة، كمحاكاة للواقع:

نفترض وجود  كائن من النباتات أو الحيوانات لنوع معين (سنسميه س). 
لا يوجد ولا زوج من أفراد هذا الصنف متشابهين تماماً. 
الآن، لنتخيل بأنه لدى أفراد هذا الصنف تنوع كبير بملمح (ميزة ما) يمكنه الإنتقال للمتحدرين. 
حسناً،  لنتخيل بأن هذا الملمح، في تلك البيئة الخاصة وتلك اللحظة الخاصة، يعطي الفرد بعض "الفائدة المولِّدة" (مقارنة مع الأفراد الغير ممتلكين لذاك الملمح أو تلك الميزة). فبالإمكان السماح له بالعيش زمناً أكبر (الفائدة المولِّدة، تلك، ذات زمن أكبر لإنتاج المتحدرين الورثة)، أو بالإمكان السماح له بتحمُّل أفضل لمناخ جاف أو تغيُّر آخر مؤثر في البيئة، أو ربما يسمح له بالتميُّز ضمن الجماعة الحيّة على مستوى البحث عن الطعام مثلاً، أو بحثاً عن شريك أو بحثاً عن أعشاش (أوكار) أو لتفادي تحوله إلى فريسة:
 تساهم جميع هذه الأشياء بتمكين الفرد من إنتاج متحدرين أكثر(حيوان، لا يمكنه إنتاج متحدرين إن افترسوه قبل الجِماعْ وحدوث الحمل والولادة أي التكاثر!!).

وثّق العلماء في في الحياة الواقعيّة الكثير من الأمثلة عن ملامح قد أعطت لفرد "فائدة مولِّدة"، مقارنة مع أفراد بذات الجماعة، لم يمتلكوا تلك الملامح. مهما يكن الملمح (أيّ ملمح، يمكن توريثه)، إن يعطي لفرد فائدة مولِّدة،إذاً، سيُنتج متحدرين أكثر مقارنة بأفراد بالجماعة لا يمتلكونه، وسيتوجب على المتحدرين بدورهم  إنتاج متحدرين أكثر بذاك الملمح، وسينتشر ذاك الملمح بطول سلسلة من الأجيال وسيصل ليسود في الجماعة. 
ووقتها فقط، يمكننا القول بأنّ الجماعة قد "تطورت"4


لنرى مثالاً آخر: سنقول بأنه لدينا نوع من الحشرات وبأن نوع من الطيور يتغذى عليها. نعتبر بأن أغلب تلك الحشرات رمادية اللون وطعمها لذيذ، وأنه وبصدفة محضة يوجد البعض من تلك الحشرات بلونين أسود وأصفر لامع ولديه إبرة مليئة بالسم تُسبِّبْ المرض للطيور. ستتعلم تلك الطيور تفادي تلك لحشرات اللامعة السامة وأكل الحشرات الرمادية الغير سامة. في هذا الحال، ستمتلك الحشرات اللامعة والسامة الحظ في البقاء على قيد الحياة وإنتاج متحدرين أكثر من تلك التي لا تمتلك هذه الملامح. كنتيجة لما تقدّم، سيمتلك الجيل التالي نسبة أكبر من الحشرات السامة وذات اللون اللامع. سيتكرر هذا الأمر جيل بعد جيل (في كل جيل، ستترك الحشرات اللامعة متحدرين أكثر مقابل الأخرى الرمادية الغير سامة). إثر مرور أجيال عديدة كثيرة: 
تصل الجماعة كلها لتتغيّر!! تتكوّن الآن كل الجماعة تقريباً من الحشرات السامة اللامعة وكل ذلك لسبب بسيط: ترك هؤلاء الأفراد لمتحدرين أو ورثة أكثر في كل جيل. تغيرت الجماعة بواسطة ما يُسمى "تناسل تفاضلي" لهؤلاء "الأفراد المتنوعين": 
لقد تطوَّرت الجماعة!!

أجد، هنا، مثالاً آخراً، والذي قد سمع كثير من الناس عنه: 
تطوّر البكتريا المقاومة للمضادات الحيوية (أنتي بيوتيك).
(لاحظوا ما حصل مع متحورات فيروس كورونا المُسبِّب لمرض الكوفيد 19 ويصبُّ في ذات النهر .. فينيق ترجمة)
لنتناول نوع من البكتريا متسببة بمرض ما. سنعرِّضهُ لمضاد حيوي يقتل البكتريا. سيموت الكثير من البكتريا. بالتالي، قتل المضاد الحيوي أغلب البكتريا، فيما بقي على قيد الحياة بعض البكتريا القليلة وبالصدفة المحضة، لدى تلك البكتريا الباقية على قيد الحياة ملمح قد سمح لها بالبقاء على قيد الحياة عبر مواجهة المضاد الحيوي، فتبقى وتتكاثر وتعطي متحدرين مقاومين للمضاد الحيوي آنف الذكر. سيُعطى المريض جرعة أكبر من المضاد الحيوي، لكن، حالياً البكتريا المقاومة للمضاد الحيوي تبقى على قيد الحياة وتنتج أجيال أكثر من البكتريا المقاومة. الآن، توجد مشكلة جديّة، بعد سلسلة من الأجيال (وتُنتِجُ البكتريا أجيالاً جديدةً بسرعه هائلة!!) تبقى البكتريا المُقاومة، فقط، وستتكاثر دون تحكُّم. إلا إذا إستخدم المريض مضاداً حيوياً مختلفاً لا يمكن لتلك البكتريا مقاومته، تكمن الخطورة بتحول المريض لناقل عدوى خطيرة لأنه لا وجود لصيغة تضبط تلك البكتريا وتتحكم بها. تكمن المشكلة الكبرى، راهناً، بالإستخدام المفرط واللامبالي لبعض المضادات الحيوية، الأمر الذي أدى لظهور أرومة متنوعة من البكتريا (كالأنواع الجديدة من السلّ) وهي مقاومة لكل أنواع المضادات الحيوية المعروفة.
هذا مثال تقليدي للتطوُّر في الواقع، ويستحيل صنع تقدم في العلم المختص بعلاج الأمراض المعدية، إن لم نطبِّق مباديء التطور على الدواء.

يُعبِّر كل ما تقدّم عن آلية التطور، التي وصفها داروين وسماها الإنتقاء الطبيعي. 

لا يمتلك العلماء الحاليُّون أدنى شكّ بأن هذا النموذج من التغيُّر التطوري (أحياناً، يسمى التطوّر الميكروي "
التطور الصغري" لتمييزه عن التغيرات عبر التطور الماكروي "التطور الكبروي") يحصل في كل الجماعات والأنواع الحيّة -- ليس "لحظياً" بل بطول كثير من الأجيال – وهو شأن مشترك عام. 
شُوهد في الحياة الحقيقية مرّة إثر مرة في جماعات بكل صنف من النباتات والحيوانات، في الطبيعه وفي المختبر.

هل تمَّ وضع آليّة الإنتقاء الطبيعي الداروينية قيد التجريب والإختبار وتمّ التحقُّق من صحتها؟ 

نعم، في الكثير من المرات. 
لم يحظَ داروين برؤية الإختبار الحاسم خلال حياته لأنه لم يكن قد اكتُشِفَ بعد مصدر التنوع الفردي، وهو الجوهر للتحقق من نظريته. عرف داروين بأن الأفراد لا ينقلون للمتحدرين منهم ملامح قد اكتسبوها بطول حياتهم (كمثال، إن يعمل أحدهم تمرين ويكتسب كثير من العضلات، فلن يتمكّن من نقل تلك العضلات لأبنائه). 
لكن تنصّ قاعدة نظرية التطور عبر آليّة الإنتقاء الطبيعي بإمكان إنتقال أشياء لأجيال متعاقبة، وهذا يُوجِبْ حضور آليّة توريث "التغيير الأفضل" من آبائهم.

ما كان بالامكان؟

لقد عثر العلماء على الجواب بمرور أقلّ من 100 عام، فقد أقروا المباديء والآليات الأساسية للوراثة واكتشفوا البنى الأساسية للمورثات (الجينات) والدي إن إي
DNA
 
هذا ما كان ينقص داروين معرفته، وبه تمّ التحقق بصورة حاسمة من آلية التغيُّر التطوري بالإنتقاء الطبيعي الذي التمسه داروين. (كمثال، أجروا تجارب لا حصر لها مع حيوانات تتكاثر بسرعه كذباب الفواكه، والتي يُلاحَظْ في جماعاتها  التغيرات التطورية والتغيرات الوراثية بزمن قليل نسبياً).

يسمح لنا كثير من التقدم العلمي، منذ حقبة داروين، بتحقيق فهم أفضل لكيفية تنوّع الأحياء وكيفية ظهور أنواع جديدة عندما على سبيل المثال: تخضع جماعات مُنفصلة من نوع حيواني أو نباتي لتغيرات تطورية بدرجات مختلفة أو بسرعات مختلفة في أماكن مختلفة. 
لتلك الفروقات أسباب عديدة: 
يمكن لملمح يعطي فائدة مولِّدة ببيئة معينة (وبالتالي "تُنتقى")  أن يعطي "ضرراً" مولِّداً لآخرين يشغلون بيئة مختلفة، ويختلف شكل وكم التغير الوراثي الحاضر بجماعة حيّة عن التغير بجماعات أخرى، سيما حين يرتبط  بوجوب وجود مظاهر مثل "الإنحراف الوراثي" و "الأثر المؤسس"، خصوصاً في جماعات صغيرة مُنعزلة5

تتطوّر الجماعات المُنفصلة جغرافيا وتكاثريا بصورة مختلفة، حيث توافق بيئة كل جماعة "ملامح مختلفة"، وأحياناً، ببساطة، كم التغير الوراثي الموجودة عند البدء (ضمن كل جماعة) صغير قياساً بالتغير الذي يطال كلّ النوع. ستكتسب جماعات محليّة، مع الزمن، تغيرات تميزها بشكل كافي عن الجماعة الأوليّة، بل وعن كل النوع، وتنتهي بتشكيل نوع
جديد6

ظهرت، هكذا، أنواع حيّة جديدة. 
حدث هذا الشكل من التغير التطوري بطول تاريخ الحياة ويستمر. 
تتطوّر الأحياء من مرّة لمرّة في هذا الكوكب بصورة خطيّة، حيث يتوجب رؤية هذا الواقع التطوريّ كشجرة ذات أغصان كثيرة: 
غصينات قصيرة (طرق مسدودة تطورية) وأغصان أخرى طويلة والتي يخرج منها خطوط أكثر "نسل مع تعديل بسلف مشترك"، كما وصف داروين.

تتابع اليوم النظرية الداروينية إنتشارها وتطوّرها. لا تطرح "الحدود الجديدة" لنموّ علم التطور قواعد الإنتقاء الطبيعي الدارويني للنقاش، بل إنها توسّع الداروينية التقليدية من خلال إكتشاف المفاهيم الإضافية والمتصلة بفهم متنامي للتغيرات ذات الدرجة الكبيرة (الماكروتطورية)، كحوادث ظهور أنواع جديدة وأنظمة جديدة للنباتات والحيوانات بمرور ملايين من السنين، إضافة للإنقراض أو البقاء على قيد الحياة التفاضلي للمجموعات الكبرى من النباتات والحيوانات في ظروف مختلفة بتاريخ الأرض.

على سبيل المثال، يوجد، اليوم، إهتمام كبير لفهم أفضل للعوامل التي أفضت، بحقب زمنية، لحدوث التنوع القوي لأنواع تطورية وخلال زمن قصير نسبياً (بمستوى جيولوجي)، كحادثة الانفجار الكامبري الشهير، الذي حدث منذ ما يقرب من 500 مليون عام. أيضاً، يوجد إهتمام كبير بتحقيق فهم أفضل للعوامل التي دفعت لإعادة تنظيم الأحياء في الكوكب عبر إنقراضات جسيمة:

حصلت خمس موجات رئيسية من الإنقراضات الجسيمة في تاريخ حياة الكوكب (وحتى الآن):
 
  بأواخر العصر الاوردوفيشي (منذ 450 مليون عام)، أواخر العصر الديفوني (منذ 350 مليون عام)، أواخر العصر البرمي (منذ 250 مليون عام، عند إنقراض الكثير من أشكال الحياة، خصوصاً في البحار)، أواخر العصر الكريتاسي أو الطباشيري (منذ 65 مليون عام، عندما انقرض الكثير من الانواع بينهم آخر الديناصورات، جرى على الأرجح جرّاء اصطدام كويكب سيار ضخم بشبه جزيرة يوكاتان وهي ولاية مكسيكية)، بأواخر عصر الحقبة القديمة أو الحقبة الكبرى الأخيرة الجليدية (التي دامت مليوني أو ثلاث ملايين عام والتي انتهت قبل 10 – 12 ألف عام) وخلالها قد إنقرض كثير من الأنواع الثديية والطيور الكبيرة والإحتمال الاكبر أنه من بين الأسباب عمليات صيدها من قبل البشر. ربما، قد ساهمت العوامل التالية بحدوث الإنقراضات الضخمة (عندما إختفى الكثير من النباتات والحيوانات كلياً):
 تغيرات مناخية، إصطدام كويكب سيار كبير والتسبُّب "بحدوث شتاء نووي"؛  والأحدث الصيد والتغيير البيئي بواسطة الكائن البشري.



يدعم علماء حقيقيون، مثل ريتشارد ليكي، الرأي القائل بأننا نرى بدء الموجة السادسة للإنقراض الضخم، بسبب التخريب البيئيّ الممنهج، الذي مارسه البشر خلال القرنين الأخيرين.

  أحد المواضيع الأكثر تشويقاً، والتي يستكشفها العلماء الداروينيون الحاليون، هو إيقاع التغيرات التطورية. 


يتفق كل العلماء التطوريين على أنّ تراكم التغيرات الصغيرة التطورية للأنواع هو واقع قائم مستمر. 
أيضاً، يوجد إهتمام إنشائي كبير بنقاش الأهمية النسبية للإنتقاء الطبيعي والعوامل الغير إنتقائية، كالإنحراف الوراثي والأثر المؤسس أو أثر الكوارث البيئية (كاصطدام كويكب سيار) في ظهور "جديد" تطوريّ7

وُضِعَتْ نظرية التطور قيد الإختبار والتجربة بشكل متكرر في العالم الواقعي (عبر المُلاحظة والتجربة) ويجري تأسيس التقدُّم العلميّ الحديث على معرفة مباديء التطور.
 إضافة لأنها، كما كل نظرية علمية، تقبل نظرية التطور المساءلة، كما التحقُّق والرفض.

 ما معنى ذلك؟
معنى ذلك أنه عندما يقترح العلماء نظرية يتنبؤون بأنه إن تكن مؤكدة، سيكون بإمكانها تقديم تفسيرات واضحة. إضافة لإمكان إقرار الخطأ حين وقوعه أو وجوده ببساطة، وبالتالي، العمل على التصحيح.  
     
  إشارات


1- لا نعرف بيقين إن تكن الحياة البدائية قد ظهرت، ولاحقاً، ربما قد إختفت (ولاحقاً قد عادت للظهور) في لحظات مختلفة لبدايات ظهور الأحياء على الأرض. بكل الأحوال، يمكن القول بأن كل الكائنات التي تعيش في العالم، اليوم ، هي متحدرة من سلف مشترك واحد فقط. أحد المؤشرات الهامة على "السلف المشترك" هو القانون الوراثي الأساسي والمؤسس في الإر إن إي RNA والدي إن إي DNA المُشترك بين كل الكائنات الحية في الأرض. ترى غالبيّة علماء الأحياء بأنه لا يستعمل أيّ شكل للحياة بالأرض آلية أخرى لإعادة الاعمار الوراثي، وهذا مؤشر قوي جداً على أنّ كل الكائنات الحية في هذا الكوكب (إضافة للكائنات البشرية) هي متحدرة من شكل واحد مشترك للحياة قد تطوّر وتباعد (تباين وإختلف) خلال مئات الملايين وحتى بلايين من السنين.

2- كما سنرى ومع مرور الزمن، تتباين أنظمة كاملة أكثر، عندما تتباين "جماعة أسلاف" وتعطي أصل لجماعات مختلفة منفصلة، ستشكّل نماذج من التغيُّر الصدفويّ في تلك الجماعات. يجري تحصيل "الإنتقاء" عبر النسبة المئوية للأفراد المتغيرين من جيل لآخر  بطريقة مختلفة كثيراً في أنواع منفصلة، ومع الزمن، ستمتلك الجماعات الجديدة تغيُّرات جذرية فيما بينها مقارنة مع جماعة الأسلاف. هكذا، يمكنهم منح "الكثير الجديد" الواقعيّ التطوري عبر التغيّر، الذي قد حدث بالصدفة المحضة وخلال أجيال سابقة.

3- توجد لدى الخلقيين اليوم ذات المشكلة: يجزم البعض بأنه توجد أحفوريات مختلفة بطبقات مختلفة، لأنه عندما حصل "الطوفان الكوني" وفق الكتاب المقدس لمدة 40 يوم، فقد غرقت الكائنات "الأقل ذكاء" البسيطة، فيما قاومت الكائنات المعقدة والمتقدمة لزمن أكبر، لكنها ماتت بالنهاية وبقيت مطمورة بطبقات الطمي العليا. فيما حطّت الطيور في أعالي الأشجار وهي آخر مَنْ مات ... لهذا، يقول الخلقيُّون بأنّ أحفوريات الطيور تظهر في الطبقات الجيولوجية العليا فقط!!! فهم الجيولوجيون الذين يدرسون الطبوغرافيا وتشكل الطبقات الصخرية والقارات من زمن طويل بأنه أبداً لم يحدث طوفان واحد عالمي كالذي يصفه الكتاب المقدس. إضافة لأنه قبل داروين، عرف الجيولوجيون بأن الطبقات السطحية الأرضية قد تموضعت واحدة فوق الأخرى بمرور مئات ملايين الأعوام، وبأن النباتات والحيوانات المتحجرة الملتقطة بتلك الطبقات قد ماتت في حقب جيولوجية مختلفة جذرياً، وأنه من غير الممكن القول بأن الكلّ قد ماتوا دفعة واحدة أو في زمن قليل كهذا (40 يوم!!).

4- هذا لا يريد القول بأن التغيرات التطورية التي حدثت بالضرورة سيتم تعميمها بطريقة مستمرة بالجماعة أو ستتابع في "إتجاه" واحد فقط. كمثال، يمكن للتغيرات التطورية التراكم في "إتجاه" ملموس بمرور الزمن، لكن، لاحقاً، يمكن لتغيُّر في الشروط البيئية إستعادة تلك الإتجاهات.
5- الإنحراف الوراثي والأثر المؤسس، ظاهرتان متصلتان بتغيرات في التناوب والتنوع الوراثي التي تحصل بالصدفة (ما قوله، ليست ناتجة من الإنتقاء الطبيعي). يحصل الأثر المؤسس، عندما تُهاجر أفراد  لمنطقة وتُدخل مادة وراثية جديدة. على النحو ذاته، تحدث تغيرات عرضية (غير متوقعه) للتناوبات الوراثية بسبب الموت الحوادثي للأفراد أو نقص المادة الوراثية الصالحة، عندما يزول جزء من الجماعة  أو "ينفصل" ولا يتمكَّن من التلاقي مع باقي الجماعة. كما هو مُتوقّع، ظواهر، كهذه، ليست مدينة للإنتقاء الطبيعي، حيث يمكنها التوسع والبروز في جماعات حيّة قليلة الأفراد.

6- تتحدّد جماعة كنوع جديد، عندما تتباين عن النوع السلف بالدرجة التي لا يمكنها فيها التلاقي معها وإنتاج متحدرين من خلال التكاثر.

7- يبحث العلماء بورقة الطفرات (التغيرات الفجائية) "المحايدة" في التغير التطوري والاهمية النسبية لأجل الماكروتطور التي تحملها المؤثرات المتراكمة للتكيفات النوعية بالجماعة. على النحو ذاته، يبحثون قضايا أخرى بالغة الأهمية، من قبيل: 
 
هل يُنتج التغير التطوري، بالضرورة، تعقيداً أكبر؟
 
 هل تُطبّق المباديء الأساسية للإتقاء الطبيعي على مستويات عديدة من التنظيم (مثل الجينات، الخلايا، الأعضاء، الجماعات، الأنواع وكلادس "أعضاء تتقاسم خصائص مع السلف")؟ 
 
إن يكن الأمر، هكذا، هل ستحظى بعض المستويات بأهمية أكبر كمصادر أو آليات للتغيرات التطورية؟ 
 
وهل بالإمكان الدمج  لمفهوم التغيرات التي تحدث بصورة متواقتة بمستويات عديدة في نظرية التطور؟ 
 

قد يهمكم الإطلاع على مواضيع ذات صلة
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 

ليست هناك تعليقات: