La ciencia de Evolución y el mito de la Creación علم التطور وأسطورة الخلق - الجزء الثالث The science of evolution and the myth of creation - <center> Fénix Traducción فينيق ترجمة Phoenix Translation </center> Fénix Traducción فينيق ترجمة Phoenix Translation : La ciencia de Evolución y el mito de la Creación علم التطور وأسطورة الخلق - الجزء الثالث The science of evolution and the myth of creation

2009-09-13

La ciencia de Evolución y el mito de la Creación علم التطور وأسطورة الخلق - الجزء الثالث The science of evolution and the myth of creation

 
بضعُ كلمات حول التكيُّف

الكثير من التغيرات التطورية، هي تكيفات للأجسام مع تغيرات البيئة الخارجية، علماً أنه لا يُعتبَرْ كل تغير تطوري تكيُّفاً1

فالتكيُّف هو عمليّة  تحدث بمرور الزمن. يتعلق بنشوء علامة "توافق" بين خصائص محددة لجسم (كائن) والبيئة التي يعيش فيها.
  هو فلتر "تنقية" من أنواع البيئة، يُنتجه الإنتقاء الطبيعي على مدى الكثير من الأجيال في الغالب. 
أمثلة التكيُّف في الطبيعه عديدة ومدهشة. فالتمويه خير مثال.

  لدى ثدييات القطب الشمالي (مثل الدب القطبي، الثعلب القطبي وغيرها)  الجلد الأبيض، وهو ما يسهِّل تماهيها مع الطبيعة وغيابها النسبيّ عن أنظار المُفتَرِسِين. 
تظهر حشرات  كثيرة كأوراق، أغصان أو لحاء الشجر وهو ما يُبعدها عن أعين المُفترسين كذلك.
يحصل تطور للكائنات، التي تظهر "كنسخة " من أنواع أخرى، وهو مثال آخر للتطور بالتكيُّف. 
 
كمثال، لدى بعض الحشرات أشرطة سوداء وصفراء كما لو أنها نحل أو زنابير، لكن، ليس لديها سمّ وهي غذاء شهيّ للطيور ولمفترسين آخرين. بحيث يخدع مظهرها هذا المفترسين. 
 
لنتذكر بأن هذا لا يحدث بصيغة واعية، فالحشرة التي تبدو كنحلة، لا تعلم بأنها تخدع الطيور. بالتالي، سيترك الأفراد، المتميزون بهذا الشكل، متحدرين أكثر مقارنة بأفراد آخرين ليس لديهم الشكل الجديد. سينشر الإنتقاء الطبيعي، وبمرور كثير من الأجيال، الأشرطة أي الشكل الجديد لدى كامل الجماعة. 
 
هناك الكثير من الأنواع "النسخ": 
 
حشرات دون سمّ ليست نحلاً ولا زنابيراً؛ أفاعي دون سمّ تبدو كأفاعي شديدة السميّة .. الخ.

فيما لو تُحقّق "نسخ" حيوانات سامة فائدة مولدة، فلماذا لا تكتسب كل أنواع الحشرات التلوين التحذيري للنحل والزنابير؟ 
 
هذا سؤال مهم.

الجواب، بشكل أساسي، هو أن التطور يعمل على المادة الأولية (تنوع وراثي - إختلاف المورثات) الجاهزة فقط.

قد لا تورِّث الجماعة معلومة وراثية ضرورية لظهور خصائص مؤكدة دون إهتمام بما هو مفيد منها. 
كمثال، من المفيد بالنسبة للكائنات البشرية الطيران بتحريك الأذرع، لكن، "الجملة" الوراثية البشرية:
 ليس فيها قواعد ضرورية لتطوير تلك القدره. هكذا، لن يتمكن الإنتقاء الطبيعي من تحقيق تطور طيران الكائنات البشرية، رغم فائدته بالبقاء على قيد الحياة والتكاثر.

يقدِّم عالم الأحياء دوغلاس فوتويما (مؤلف لنصوص جامعيّة ممتازة عن التطور، ككتابه الموجه للعامة "العلم في المحكمة، قضية التطور") أفضل مثال:

 يقول بأنه بالنسبة للحيوانات، بلا شكّ، يُفيد جداً حضور القدره على تحقيق التركيب الضوئي (الصيغة التي تُنتِجْ بواسطتها النباتات الكربوهيدرات من الطاقة الشمسية) وبالتالي، ستمتلك مصدراً موثوقاً للتغذية، عندما يقلّ الغذاء. هكذا، إن يكن ممكناً ظهور القدرة على تحقيق التركيب الضوئي في أيّة جماعة حيوانية، فسيعمل الإنتقاء الطبيعي على تفضيله وسينقله بسرعه من جيل لجيل. يؤكّد هذا بأنه ولا حيوان قد ورث من أسلافه المعلومة الوراثية الضرورية لتنفيذ التركيب الضوئي، والتي قد تطوّرت لدى النباتات فقط. بالتالي، لن تظهر في خط حيواني، عبر تآلف للمادة الوراثية الموروثة من الجيل السلف، خاصية، لا قواعد جينية لها ومهما بلغت فائدتها!! 
 
يوضح هذا، من جديد، النقطة المهمة بالتطور، وهي أنه يمكنه العمل مع ما هو جاهز (مع التنوع الوراثي الموروث من أجيال سابقة) وبأن الطرق التطورية (وظهور "جديد" تطوري) قسريّة (مقنّنة ومحدودة) في التاريخ الماضي.
 لكن، رغم كل التحديدات، فقد عَمِلَ التطور على تحقيق تنوُّع لا يُصدَّقْ بالشكل والوظيفة على مستوى العالَمَيْن النباتي والحيواني.
لنفكر بالأشكال والألوان المختلفة للزهور. 
لماذا لا تبدو كل الزهور بذات الشكل وذات اللون؟ 
لماذا يحضر كل هذا التنوع؟ 
حصل هذا، بجزء منه، بسياق واقع تاريخي للتطور المُشترك لأنواع حيّة مختلفة.
 
سنرى مثال النباتات والمُلقِّحينْ

لا يُنتِجْ بعض النباتات زهوراً كاملةً ويتكاثر عبر طيران غبار الطلع (خلايا تناسلية ذكرية). يحمل الهواء غبار الطلع، والذي  يصل، أحياناً، إلى المدقة (عضو التناسل المؤنث) للنبات لتظهر بذرة جديدة.
لكن، أظهرَ التطوُّر، لدى كثير من الأنواع الحيّة، آلية تفضل التلقيح ولا تتركها للصدفة؛ يُنتج النبات زهوراً ملفتة للإنتباه (جذابة)، ربما برائحة فارقة مثلاً أو لون مُميّز، وتحتوي على الرحيق (غذاء المُلقِّح عملياً) والأعضاء التكاثرية.

لا "تخدم" التويجات ذات الألوان، إضافة لحلاوة الرحيق، النبات ذاته، بل هي وسيلة جذب للحيوانات المُلقِّحة، كإشارة هامة لمصدر للغذاء. يوجد بين الملقحين الكثير من الحشرات الطائرة (كالنحل)، أنواع من الطيور (مثل الكوليبري وشافط الزهور) (الصورة أعلاه) وأنواع أخرى للخفاش والقردة.

يحدث ذات الأمر دوماً، يذهب الملقحون للزهرة لتناول الرحيق، فيلتصق غبار الطلع بهم، ثم يذهبون لزهرة أخرى من ذات النوع للبحث عن رحيق أكثر، وهناك، يقع غبار الطلع للزهرة الأولى في مدقة الثانية، فيحصل الإلقاح وتنتج البذور. 
هذا المنهج مضمون أكثر من الرياح. 
أعطى التطوُّر في النوع النباتي  صيغة "إستخدام" النوع الحيواني لتسهيل تكاثره الخاص. فيما قدّم التطوُّر المُشترك للنوع الحيواني، بالمقابل، الغذاء. يتبادل النوعان المنفعة بعلاقة تكافلية (تعايشهما) رغم أنه وكما هو مُفترض، فلا الحيوان الملقِّح ولا النبات المتلقح واعين (مُدركين) للعمليّة الحاصلة تلك.
  ما رأيناه، للآن، ببساطة، هو نتيجة لعمل الإنتقاء الطبيعي، الذي قد حدث بمرور أجيال كثيرة، أي خلال حقب زمنية كبرى.
لا تحدث هذه الوقائع  لدى كل الأنواع التطورية (حيث تتلقح كثير من الأنواع النباتية بواسطة الرياح ويوجد كثير من الأنواع الحيوانية لا تخدم كملقحات) وليس "مكتوباً" بأن التطور يمكن أن يحدث بهذا الإتجاه. لكن، جرى توريث تلك الخاصيّة، التي زادت من إحتمال تلقيحها، بالتالي، إكتسبت فائدة مولدة بالمقارنة مع أفراد آخرين لم يمتلكوا تلك الخصائص.

لا يمكننا، في الغالب، رؤية ظهور أنواع جديدة (كثير من النباتات والحيوانات، التي نراها اليوم، نتجت خلال ملايين الأعوام من التطور والتكيُّف)، لكن، نعم، يمكننا تحقيق إختبارات لأجل التحكم في الطبيعه لمعرفة إن تُحقّق ملامح محددة للكائن فائدة مولدة بشكل فعلي قائم (وبأي درجة).

هذا واحد من آلاف الأمثلة لإختبارات كتلك:
 
 تُنتِجْ أوراق أو ساق بعض الأنواع من النباتات، خصوصاً في المنطقة الإستوائية، قطرات من الرحيق، ليس لها إستخدام مباشر من قبل النبات (ويتطلّب إنتاجها صرف طاقة كبيرة)، فيجذب الرحيق النمل، الذي يتمشى على كل النبات ماصاً هذه المادة الغنية بالغذاء. الفائدة للنمل واضحة: 
 
مصدر جيد للغذاء. لكن، هل هناك فائدة للنبات؟ 
 
أثبتوا بإستعمال تجارب حقلية أنه بمنع صعود النمل على تلك النباتات، ستأكل حشرات أخرى أوراقها، وبالتالي، تلتهم وتُميت كامل النبات. لكن، تُساهم "دوريات" النمل بإبعاد تلك الحشرات آكلة الورق، وهكذا، تمتلك النباتات إحتمالاً أكبر للنمو وإنتاج البذور، وبالتالي، البقاء على قيد الحياة.

أعطى التطور بالإنتقاء الطبيعي لهذه العلاقة المشتركة اللاواعية بين النمل والنبات "فائدة مولدة" لكليهما، والنتيجة واضحة.

بالعودة لمثال الملقحين:
 
التطور المُشترك لتكيُّف الأنواع من النباتات والأنواع التي تلقحها مباشر، بشكل كبير، وبامكان علماء الأحياء التنبُّؤ بحيوان مُلقّح لنبات من خلال: 
شكل، لون ورائحة الزهور. 
كمثال، يُلقِّح العصفور الطنّان الازهار الحمراء ذات الشكل الكبير والأنبوبية، حيث يجذبه اللون الاحمر ويرتشف الرحيق بواسطة منقاره الطويل، يُلقِّح الازهار ذات الألوان الحية. 
فيما تتوجّه حشرة النحل وحشرات أخرى نحو الأزهار الدائرية وذات الرائحة الزكية.
 أما بالنسبة للأزهار البيضاء ذات الرائحة القوية الزكية، فتلقحها حيوانات ليلية (ففي الليل اللون غير مهم) كالعثّ أو الخفافيش؛ فيما يُلقّح الذباب النباتات ذات الأزهار الشاحبة والرائحة الكريهة كاللحم المتعفن (لحسن الحظ قليلة!).

يمكن أن يظهر التغيُّر التطوري بالإنتقاء الطبيعي "كما لو أنّه مُوَجه" بواقع توفُّر موارد العالم الطبيعي المحدودة. حيث تتنافس  الكائنات  بصيغة أو بأخرى عليها. 
 
يساهم التغيُّر التطوريّ بالإنتقاء الطبيعي في التنافس بين أفراد من ذات النوع، كما بين أفراد من أنواع مختلفة. 
كمثال، تتنافس أفراد النوع الواحد على الموارد المحدودة مثل الطعام، الماء، الزواج، الأرض، أماكن للأعشاش، ملقحين ...الخ.
سيبقى الأفراد الممتلكون لخصائص موروثة، تعطي إحتمالاً أكبر للحصول على تلك الموارد، بالتأكيد، على قيد الحياة أكثر وسيتكاثرون أكثر مُقارنة بأفراد ليس لديهم تلك الخصائص. إلا إذا حدثت عوامل تؤدي لحدوث تغيرات تطورية في إتجاهات أخرى (أو تلك، التي تؤدي لإنقراض الكائن)، حيث يجب على تلك الخصائص المرور من جيل لآخر بالإنتقاء الطبيعي، ويمكنها الوصول لتعميم الخصائص في كل الجماعة أو حتى كامل النوع.

فيما يتنافس الأفراد المنتمون لأنواع مختلفة، ويشغلون ذات المسكن أو البيئة، على الموارد المحدودة كالطعام والماء (كمثال عند تنافس مجموعة أعضاء لأنواع مختلفة من النباتات على الضوء الشمسي في الطبقة التحتانية في حرش طبيعي) أيضاً. 
إضافة للتفاعل بين أعضاء كثير من الأنواع كمفترسين أو فرائس كامنة. 
في الواقع، من المُرجّح لَعِبْ، التنوع الهائل بالتفاعل بين المفترسين والفرائس القائم بين أعضاء أنواع مختلفة، لدور هام في إحداث "إتجاه" تغيرات تطورية هائلة بالإنتقاء الطبيعي (كتنوع الأنواع) بطول تاريخ الأحياء. 
تدلّ التعديلات التطورية، التي تسهل على المفترسين إمساك الفرائس وتسهل للفرائس تفادي المفترسين، على تكيفات الأنواع الحيّة مع تغيُّرات بيئتها2

أدَّى العمل المشترك لعلماء البيئة التطوريين وعلماء وراثة الجماعات الحيّة:
 لتحقيق الكثير من التقدُّم بفهم تطور أنظمة بيئية، مثل كيفية إستخدام مصادر محدودة من جماعات مختلفة، مؤثرات التنافس بين أعضاء ذات النوع وبين أنواع مختلفة، والتفاعلات بين المفترسين والفرائس، إتجاه التغير التطوري لجماعات مختلفة كإستجابة على تغيرات في البيئة االفيزيائية أو الحيوية (جفاف، فيضانات، زيادة أو نقصان بالأنواع المتنافسة أو الفرائس) كذلك، يمكن تقييم كل هذا تجريبياً والعمل على قياس "الأهلية المولدة". 
كذلك، يمكن تحقيق الإتصال بين التغيرات التطورية والتغيرات التحتانية للتنوع الوراثي بمستوى جزيئي. كمثال، يمكن إثبات أن تعاقب جزيئات مختلة من الدي إن إي DNA، يرتفع أو ينخفض بحسب تغيرات مؤكدة ملحوظة في ظهور و/ أو صيغة وجود هذه الجماعة، ويمكن مقارنة كل هذا مع جماعات أخرى من ذات النوع وتتفاعل مع مجموعة مختلفة من العوامل البيئية.

 ضروريّ التذكير بأن التغيُّر التطوري:
 لا يسير بإتجاه محدد سلفاً. 
بل أكثر من هذا، يمكن أن ينقلب إتجاه التغيُّر التطوري في جماعة حيّة، فيما لو توفِّر خاصيّة ما لفائدة مولِّدة جرّاء حدوث تغيُّرات بالبيئة. كمثال، التكيُّفات الأشهر في صحراء حارة وجافة هي التكيفات التي تتيح الإحتفاظ بالماء (كأشواك الصبّار)، لكن، لو أن تغيراً مناخياً سيحول الصحراء لمستنقع إستوائي، فالمُرجّح، حدوث تطوُّر الأنواع التي لديها تكيفات بكل ذاك التخصص (أو قد تنقرض).
نُعيد التذكير:
 يحدث التغيُّر التطوري بطول الزمن وبعلاقة مع بيئات متغيرة بإستمرار، بمعنى لا يوجد إتجاه أو طريق واحد "للتقدّم"، لا يوجد هدف محدد سلفاً ولا نقطة نهائية.
مع ذلك، توجد أمثلة كثيرة مثيرة للتكيفات بين أنواع وبيئتها (وأنواع أخرى)، وهي مدهشة لدرجة إعتقاد كثير من الناس بأنها عجائب قد عملها "صانع" يعلم بكل شيء (الله). 
لكن، لو يتفحص واحدنا القضية مع توجيه علمي، سيأخذ بحسبانه بأن كل تلك العجائب في الطبيعه، كل تنوعها: 
هو ثمرة تعديلات على الكائنات الحية سابقة الوجود، عبر عمليّات، تحدث خطوة خطوة بطول حقب زمنية طويلة.
فالتطوُّر ليس أكثر من آليّة تحاول أن "تحسِّن" أو "تفضِّل"، لكن، لا يحدث هذا دوماً، بحيث توجد مزايا تطورية غير مفيدة (أشياء قد امتلكها الأسلاف، وها هي لا يحتاجها المتحدرون)، تبذيرات وحتى "عيوب" مؤذية لا تمتلك أيّ تفسير إذا صدرت عن إله كلي القدرة وكلي المعرفة قد "صمَّمَ" الطبيعه. 
لكن، نعم، يمكن تفسيرها لو أن كل الأحياء قد تطوروا من سلف مشترك، وقد تنوعت بصيغ عديدة لا تحصى عبر الإنتقاء الطبيعي وآليات مرافقة إنطلاقا من المادة الأولية (تنوع وراثي)، والتي يورثها جيل لآخر يتقدمه. هذه المادة الأولية محددة (مقننة ومحصورة) بالتطور التاريخي الماضي، وبالتالي، لا يمكن إنتاج تعديلات دون حدود أو إنتاج تعديلات "مثالية".

كيف يُنتِجْ التطور أنواعاً جديدةً


التنوع بأشكال الحياة في كوكبنا مثير للدهشة؛ يكتشف العلم أنواعاً نباتية وحيوانية (سيما بالمناطق الإستوائية وأعماق المحيطات والبحار) حتى الآن، ويُقدّر وجود 10 مليون نوع حيّ تقريباً!! وهي الأنواع التي تعيش حالياً فقط. فقد عاش الكم الأكبر من الأنواع في عصور جيولوجية أخرى وقد انقرضت. ويبدو بأنه أكثر من 90% من الأنواع التي عاشت في هذا الكوكب، قد غادرت الوجود.
لماذا تواجدت أنواع بهذه الكثرة في تاريخ الكوكب؟ 
لماذا توجد أنواع بهذه الوفرة لنباتات، حيوانات، بكتريا وفطريات راهناً؟

أو بصياغة أفضل للتساؤل: 
 
لماذا تنوّعت الأحياء كثيراً؟
 

  الجواب الاساسي على هذا التساؤل، هو:
 
 نمو التنوع في الأنواع الحيّة ما هو إلاّ فضالة بسيطة لتطور الأحياء. 
 
ليس لهذا التنوع الهائل للأحياء في هذا الكوكب:
 أيّة علاقة بآلهة أو بقوى فوق طبيعية، فليس ضرورياً تخيل خالق خالد غير راضٍ لا يمكنه "تصميم" كائنات جديدة، ولو أن الكوكب فيه 10000 نوع من الطيور وعلى الأقل 27000 نوع من الأسماك!! لا يجب اللجوء لتلك الخزعبلات؛ لأن علم التطور يوفر شرحاً (تفسيراً) واضحاً جداً عن تنوع كذاك.
حصلت ظواهر (حوادث) طبيعية، بصورة مباشرة وغير مباشرة، خلال زمن طويل. 
حصل التنوع بأنواع الأحياء، وفق واقع قائم متميِّز بالآتي:

 1- تتطور كل جماعات الكائنات الحية  بإستمرار (تجمع تغيرات وتعديلات موروثة خلال أجيال).

 2- تتطور كل الجماعات الحيّة بإستمرار تفاعلها مع البيئة التي تشغلها والمتغيرة بإستمرار والخاضعة لأنواع من الضغوط و"التهديدات" التطورية.

 3- أحياناً، تتيح التعديلات التطورية، التي تراكمت في جماعة حيّة ما لنوع ما بطول أجيال كثيرة، المجال (بإنتاج تغيرات مهمة تشريحية، تغيرات في النمو أو المسلكية الخصائصية لأفراد بتلك الجماعات) "لإنفصال" أولئك الأفراد "عن باقي النوع الأم" وتشكيل نوع جديد منفصل. 
لا يتوقّف التغير التطوري أبداً، ومن المُرجّح، بأن يعود هذا النوع الجديد للإنفصال مرة أخرى وإنتاج إنتواع أكبر بعدد متحدرين.
تتكرّر العمليّة الأساسيّة، تلك، مرة إثر مرة بطول مئات ملايين من السنين، حيث يظهر، في كل فرصة، نوع جديد بملامح جديدة. كلما تكرر هذا الواقع أكثر، كلما إفترق المُتحدِّرْ عن أسلافه القدامى رغم إحتفاظه بملامح منهم.
كما رأينا سابقاً، لا يوجد مطلقا، أدنى شك، بأن كل الأنواع الحيّة في الكوكب، قد ظهرت كتعديلات تطورية لأنواع سابقة في الوجود. يعني هذا بأن كل الأنواع الحالية متصاهرة (أقارب) بواسطة التعاقب من أسلاف مشتركين، تعود حتى أوائل الأشكال البدائية للأحياء، والتي قد تطورت في "الحساء الكيميائي" للأرض منذ 3.5 بليون عام. أيضاً، يعني هذا بأن نوعنا البشري متصاهر، بدرجات متفاوتة، مع كل أنواع الكوكب الأخرى الحيّة والمنقرضة: 
حمامة الرصيف، بلُّوط الحديقة أو كلب الجيران.
 كلنا نتاج عمليّة طويلة من تراكم التعديلات التطورية لأسلاف مشتركين، ولو أن  التطور قد وجَّهنا في إتجاهات مختلفة وبطرق كثيرة في مفاصل مختلفة خلال 3.5 بليون عام من تاريخنا الجماعي!!
في جزء آخر، من هذه السلسلة، سنرى بأن البحث عن أسلافنا هو كالسفر بآلة الزمن. السير نحو الماضي بخط بياني بطول الكثير من التشعبات والظروف التطورية، بطول تتابع أصناف مختلفة للأسلاف، الذين، امتلكوا بدورهم، أسلاف خطوط تطورية أخرى.

أولاً، سنرجع لسلسلة من الأسلاف أشباه الانسان، الذين انفصلوا أكثر وأكثر عن أسلافنا القردة منذ 4 إلى 10 مليون عام بفضل تطور وضعية المشي على قدمين (المشي المُنْتَصِبْ) وإمتلاك دماغ أكبر، وبالتالي، إمتلاك القدرة اللغوية والتعاون الإجتماعي المتقدم. 
تطوّر أبناء عمنا الشمبانزي والغوريللا الحديثة من ذات الأنواع الأسلاف. لكن، تابعت طرقاً تطورية مختلفة مهمة. بالمتابعة نحو الماضي، بإنقسامات أكثر ومفاصل تطورية بكثير من الأنواع سنصل لأوائل الثدييات (حيوانات ذات دم حار تنمو صغارها ضمن جسم الأم وتتغذى بحليب الغدد الثديية بعد ولادتها).
إن نتابع  تصفُّح "ألبومنا العائلي"، سنصل لأوائل الزواحف (جلدها خشن وبيوضها لا تجفّ خارج الماء مما يسمح لها بإستعمار الأرض دون الإضطرار للعودة دوريا للماء كأسلافها البرمائيات).

نتابع نحو الماضي، سنصل لأوائل البرمائيات (أسلاف الضفادع، العلجوم والسلمندر الحديث)، الذين تطوروا من أسلاف شبيهة بالاسماك، ولأول مرة بتاريخ الأحياء في الأرض، قد خرجوا من الماء مع أقدام بدائية ويتنفسون الهواء بإستخدام رئات.

نتابع نحو ماضٍ أبعد، سنصطدم بأوائل الأسماك العظمية (أسماك مع عظام) فنصل لأوائل الفقاريات البحرية (حيوانات ذات عمود فقري) وقبلها، هناك اللافقاريات البحرية (أوائل الحيوانات ذوات جسم متعدد الخلايا معقد).
 وبالنهاية، نصل لأسلافنا الأبعد: 
 بعض الكائنات الشبيهة بالبكتريا والتي شكلت أوائل الكائنات الحيّة، التي إكتسبت القدرة على الاحاطة بجدار أو غشاء جزيئي لمجموعات صغيرة من جزيئات الدي إن إي DNA والتي تطورت من سلاسل بروتينية حاضرة في "الحساء الكيميائي" البدئي للأرض.
جدير بالتنويه بأن النوع البشري ليس ذروة  3.5 بليون عام لتطور الحياة. 
 
رغم وجود الكثير من المزايا الخاصة، والتي تميزنا عن أنواع أخرى، خصوصاً قدرتنا الكبيرة بالتحويل المُدرِك للعالم الخارجي ونقل المعارف بواسطة التطور الثقافي لا الوراثي. 
 
لكن، يوجد خطوط تطورية أخرى، قد نالت الدعم خلال مئات ملايين الأعوام، كمثال، البكتريا (العناصر الأكثر عدداً في الكوكب). 
 
أما بخصوص الكثير من الخطوط التطورية التي أقلعت بإتجاهات مختلفة كلياً، من الواضح بأن الكثير منها قد انتهى بأزقة مغلقة (تعبير زُقاقْ مُغلق = الإنقراض)؛ وأن الكثير منها، قد بقي على قيد الحياة راهناً.

النوع البشري واحد من ملايين الأنواع الراهنة المتواجدة على "أغصان" شجرة الأحياء، فقد نَتَجَ الكثير من الأغصان والغصينات الأخرى من الأنواع الأخرى الحديثة، كمثال، توجد إضافة للأنواع الـ 27000 للأسماك والـ 10000 لأنواع الطيور المشار إليها أعلاه:  4000 نوع من البرمائيات، أكثر من 7000 نوع من الزواحف وتقريباً 5000 نوع من الثدييات. خارج كل هذا، توجد ملايين الأنواع النباتية في الكوكب بأزهار ودون ازهار، بكتريا وكائنات مجهرية أخرى، رخويات، حشرات، ..الخ.
في الواقع، الفريق الأكبر من الحيوانات في الكوكب هو غمديات الأجنحة (خنافس):
 بحيث يوجد ما يقرب من نصف مليون نوع من الخنافس!!
حسناً، كيف نعرف ما قد مضى ونحن لسنا شهوداً عليه؟
 يوجد الكثير من "الوقائع" المتآلفة، والتي تؤكد النموذج الأساسي لتطور الأحياء في هذا الكوكب.
لدينا واقع السجل الأحفوري (الذي يبين سلسلة من التغيرات المتعاقبة بخطوط نباتات وحيوانات بطول ملايين من السنين)، واقع علم الأحياء الجزيئي (الذي يدعم واقع السجل الأحفوري ويبين درجة القرابة لمختلف الخطوط التطورية بحسب درجة التشابه أو الإختلاف في الدي إن إي DNA). يُضاف لها واقع علم الأحياء التطوريّ وواقع علم الأجنّة وحتى واقع نماذج توزيع الأنواع في الكوكب. فكل هذه "الوقائع" متآلفة ولا تترك أدنى شكّ بأن كل الأنواع الحيّة متصاهرة وهي ثمرة نسل معدّل لسلسلة من الأسلاف المشتركة.
تحضر شكوى شائعة بين الخلقيين، تقول بأنه "لم يتواجد أحد" لكي "يرى" حدوث التطور بمضي مئات ملايين السنين، بالتالي، التطوّر فكرة دون إثبات أو لا يمكن إثباتها. 

صحيح، أننا لم نحضر حوادث ماضية، لكن، لا يعني هذا بأنها لم تحصل، وأبداً، لا يمكن القول بأنه لا توجد صيغ للتحرّي عمّا قد حدث: 
يتحرّى ويدرس علماء التطور كيف تغيّرت وتنوعت أشكال الحياة بصيغة متكررة، كما يتحرّى علماء الفلك والكون كيف تشكلت المجرات والأنظمة الشمسية منذ بلايين الأعوام وكيف تغيرت، وكما يتحرّى علماء الجزيئات وأخصائيُّو الفيزياء الذريّة والكيميائيُّون خصائص الإرتباطات الكيميائية والجزيئات تحت الذرية والتي لا يمكن "رؤيتها" مباشرة. 
كذلك، يتحرّى علماء اللغات  كيف تطورت اللغات الحديثة بسلسلة من التعديلات الثقافية للغات قديمة، لدى مجموعات قد غادرت الوجود منذ زمن طويل.
 لم يكن بامكاننا "رؤية" أي شيء مباشرة من هذه التغيرات، لكن، لدينا آليات تسمح لنا بمعرفة الكثير مما جرى في الماضي.
تمتلك كل تلك "العلوم التاريخية"، كما يسموها، مناهج علمية تسمح بكشف علامات من الماضي، أشياء مازالت حيّة وحاضرة بأنظمة وكينونات حالية. أشياء مثل التشابه التشريحي لبنيات جسم يتصل بنوع حديث لسلف أحفوري، أو أشياء مثل تشابه أشياء قواعدية أو تعابير وكلمات من الفرنسي، الإسباني والإيطالي، والتي تشير لتفرعها من اللغة اللاتينية القديمة. 
 
تشترك كل العلوم التاريخية بتنمية المعرفة البشرية عبر أبحاث بمنعطفات تاريخية وبواسطة واقع الإستنتاج التاريخي، الذي يمتحن واقع مؤكد ويخرج بنظريات عامة لشرح لصيق لسلسلة من الحوادث والظواهر ذات الصلة. 
 
إكتسب العلماء التاريخيون ثقة كبيرة في نظرياتهم (هذا لوحده، يؤدي لقبول واقع نظرية التطور) عند الكشف على نماذج واضحة لواقع محدد أو ملموس، ما يعني، عندما تدرس تيارات مختلفة ذاك الواقع وبإتجاهات مختلفة وتسجل  ذات الخلاصات وتدعم معرفتنا، وبهذا، تزداد مصداقيّة العمل.

تستخدم العلوم التاريخية (والتطور أحدها) مناهج علمية لعمل تنبؤات، هي موضع إختبار، تنبؤات حول ما يتوجب علينا إيجاده وما لا يتوجب علينا إيجاده لتشكيل نظرية صحيحة حول الماضي. 
يضع العلماء  النظريات (الفرضيّات، فالنظرية مبنية على فرضيات مُثبتة أو مُتحقق منها تجريبياً) على محكّ الإختبارات في العالم الحقيقي. سنرى مثال:
 إن تكن نظرية التطور صحيحة، يتوجب علينا العثور على تقدمات متدرجة لتعديلات محسوسة تشريحية بسلسلة من الأحفوريات المرتبة زمنياً (وقد وجدناها)، أيضاً، يمكننا التنبؤ بأنه إن تكن نظرية التطور صحيحة لا يتوجب علينا إيجاد أحفور بشري في طبقة صخرية حيث توجد أحفوريات لديناصورات؛ لأن كل ما نعرفه حول التطور:
 يقول لنا بأن الكائنات البشرية قد تطورت بعد زمن طويل من إنقراض الديناصورات (وفعلياً أحفوريات الديناصورات وأسلاف البشر، أبداً، لم تتواجد في ذات الطبقات الصخرية).

هكذا، بالإفتراق عن "الإعتقادات الدينية"، يمكن وضع التنبؤات العلمية (كالتنبؤات بوقائع التطور) قيد الإختبار والتحقُّق. 
لذلك، وأكثر من أي شيء علمي آخر، يحظى التطوُّر باتفاق عام بين غالبيّة باحثيه على إمتداد العالم.
كما كل نظرية علمية جيدة، نظرية التطور "قابلة للتزييف"، ما يعني بأنه إن وُجد واقع غير متوافق مع النظرية، يمكن البرهنة على خطئها (وبالتالي، إقصائها). 
 
يسهل عمل قائمة بأشياء –  في السجل الأحفوري، في الدي إن إي لكائنات، في تشريح ونماذج نمو نباتات وحيوانات حيّة أو حتى في نماذج توزيع الأنواع في الكوكب – غير صحيحة، وسيدفع هذا الأمر، حتماً، لدحض التطوُّر. لكن، خلال 140 عاماً، ومنذ أن إقترح داروين النظرية، ظهرت أعداد كبيرة من الدراسات الداعمة للتطوُّر وآلياته وقدرته على تفسير الواقع بصورة ممتازة. يعتبر الكثير من علماء الإختصاص بأنّ نظرية التطوُّر تُعتبر من أهم النظريات العلميّة على الإطلاق.


يمتلك نشوء الأنواع وتنوع الأحياء  ذات الجذور (الإنتقاء الطبيعي وغيره)

سمح علم التطور، لنا، بفهم واقع نشوء الأنواع (كيف تطورت أنواع جديدة من أنواع سابقة الوجود) والسؤال، لماذا توجد كل هذه الأنواع في الكوكب وتحتفظ بعلاقات قرابة لصيقة؟ 
في الواقع، سنرى بأن فهم نشوء الأنواع مركزي لفهم التنوع:

 فهم كيف ولماذا تظهر أنواع جديدة "أبناء" من نوع "أم" (نشوء أنواع)، فهم أفضل للسبب الذي قد "حمل" أشكال الأحياء لمتابعة انقسامها لأجزاء (بتناوب وتكرار!!) في كثير من الأنواع المختلفة النباتية والحيوانية.

 يمكن لعلم التطور، كذلك، الإجابة على تلك الاسئلة المدسوسة (أسئلة تشكيك لمجرد التشكيك، لا لأجل تحقيق فهم أفضل) مثل: 
إن امتلكت البكتريا نجاح كبير في الكوكب، فلماذا بقيت بطول الحياة بكتريا ولم تتغير أو تتطور لكائن آخر؟
(إجترار خلقي شهير، مثاله الأوضح: لماذا بقيت القرود في الغابة إلى الآن ولم تتحول إلى بشر .. من لا يُحاكِم مضمون قصص مثل "كرّ بلعام" كيف سيتعاطى مع التطوّر؟ تفكير مأساويّ .. فينيق ترجمة)
 
إشارات
 

1- كما أشرنا، وبعيداً عن الإنتقاء الطبيعي، تساهم آليات أخرى بتطور الجماعة الحيّة، بينها الإنحراف الوراثي الطاريء، الأثر المؤسس والطفرات المحايدة. تساهم تلك الآليات في تطور الجماعات الحيّة مسببة تغيرات في التعاقب النسبي لجينات مؤكدة من جيل لجيل تالٍ. لا تحدث تغيرات كهذه في التعاقب الجيني بالإنتقاء الطبيعي. لكن، يعمل الإنتقاء الطبيعي على التنقية، وهو ما نسميه تكيُّف. من جانب آخر، يتوجب الاخذ بالحسبان بأنه ليس صحيحاً القول بأن ظهور ملمح محدد لكائن كتكيف لا أكثر ولا أقل. فكثير من ملامح الكائنات ليست تكيّفات، بل هي حصيلة تحديدات للتطور أو فضلات لتطور ملمح آخر، أي تكيف مُنتَج بالإنتقاء الطبيعي.

2- جدير بالتنويه أنه لا تشكِّل التكيفات الشكل الوحيد للتغيّر التطوري. كمثال، يمكن أن تتطور جماعة من جماعة، يهاجر أفراد منها لمكان منعزل، كجزيرة مثلاً، وادي سحيق، جانب آخر من سلسلة جبلية أو عائق طبيعي آخر. ليس للحوض الوراثي لهذه الجماعة المنفصلة  تنوع وراثي كبير مثل الحوض الوراثي لذات الجماعة، التي إنفصلت عنها. هذا يمكن أن يؤدي لخسارة بالمادة الأولية الوراثيّة، التي يعمل التطور عليها ("فقر وراثي" نسبي)، لكن، أيضاً، يمكن خلق شروط تؤدي لظهور "جديد" تطوري (التي لديها إحتمال أكبر للظهور أو الحدوث، بشكل طاريء، في جماعات قليلة الأفراد). تُضاف آليّات مثل الإنحراف الوراثي والأثر المؤسس للإنتقاء الطبيعي الدارويني وتساهم بحدوث التغير التطوري.
 

قد يهمكم الإطلاع على مواضيع ذات صلة
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 

ليست هناك تعليقات: