La ciencia de Evolución y el mito de la Creación علم التطور وأسطورة الخلق - الجزء الثامن The science of evolution and the myth of creation - <center> Fénix Traducción فينيق ترجمة Phoenix Translation </center> Fénix Traducción فينيق ترجمة Phoenix Translation : La ciencia de Evolución y el mito de la Creación علم التطور وأسطورة الخلق - الجزء الثامن The science of evolution and the myth of creation

2009-09-13

La ciencia de Evolución y el mito de la Creación علم التطور وأسطورة الخلق - الجزء الثامن The science of evolution and the myth of creation

 
هل الإنسان المُنتصِب النوع الأول الذي قد خرج من أفريقيا؟

نعرف بثقة بأن الإنسان المُنتصب قد هاجر من أفريقيا، لكن، هل هو الأول؟

 عثروا حديثاً على بضعة أحفوريات لأشباه الإنسان منذ 1.7 إلى 1.8 مليون عام في جورجيا (بين البحر الأسود وبحر قزوين، قرب روسيا، تركيا وإيران). 
 
أسموها أحفوريات دمانيسي. غير معروف، للآن، إن تنتمي للنوع المعروف جيداً بالإنسان المنتصب أو  لنوع سابق. لديهم دماغ صغير ووجه شمبانزي وصنعوا بضعة سكاكين ومشاحف حجرية بسيطة جداً. يشير كل هذا لأنهم عبارة عن نوع متوسط أو وسيط بين الأنواع المبكرة للإنسان (كالإنسان الماهر أو إنسان بحيرة رودولف الذين كان لديهم أدوات بسيطة حجرية منذ 2.4 مليون عام، لكن، حتى الآن، لم يتم التفكير بخروجهم من أفريقيا) والنوع المتقدم الإنسان المُنتصِب الأكثر شبهاً بالبشر الحديثين منه بأحفوريات دمانيسي ولديه أدوات أكثر تقدماً، والذي نعرف بيقين أنه قد هاجر إلى آسيا وأوروبا اعتباراً من مليون عام. 
 
ربما، المظهر "المتوسط" لأحفوريات دمانيسي (بين الإنسان الماهر والانسان المنتصب) هو أمر خادع، حيث تظهر فجأة تلك الأحفوريات وكأنها تعود لإنسان منتصب مبكِّر. لكن، ربما تعود أحفوريات دمانيسي لمتحدرين مهاجرين سابقين؛ وأن الإنسان المُنتصب ليس الأول الذي قد خرج من أفريقيا.

  من المهم الإشارة لأنّ أحفوريات دمانيسي تظهر مع أحفوريات حيوانات أفريقية أخرى، مثل النعامة والزرافة ذات الرقبة القصيرة، ما يعني إمكان حدوث سلسلة من التغيرات البيئية بأفريقيا، والتي قد سبّبت الهجرة لأنواع حيّة عديدة ذاك الزمن. 
 

 القفزتان التطوريتان الكبيرتان في تطور أشباه الإنسان
 

بناءاً على ما تقدّم، المعالم البيولوجيّة الأهمّ بتاريخ تطوّر النوع البشريّ الحديث، هي:

أولاً: ظهور المشي على قدمين في خط القرود.

وثانياً: حدث تعديل بعد هذا بعدة ملايين من الأعوام  قد "خفّف" إيقاع تطور أشباه الإنسان ما أدى لولادة الأطفال البشريين في وضع نموّ غير مُكتمل وتطلُّب الرعاية (أكثر بكثير من الشمبانزي) الأمر الذي سمح بحدوث إزدياد ضخم بحجم الدماغ وزيادة فترة نموّ هذا الدماغ خارج جسم الأمّ بعد الولادة. تسبّب هذا بظهور إمكانية كبرى لتعلُّم المهن؛ والتي تُعتبر خاصيّة شبه حصرية بالنوع البشري.

ولو أن السجل الأحفوري (حتى تاريخه) يشير لأن أشباه الإنسان لم يبدؤوا بصنع أوائل المقاشط والسكاكين إلاّ ما قبل  2.4 مليون عام (عدة ملايين من الأعوام بعد ظهور المشي على قدمين)، وجدير بالذكر أنّ الشمبانزي، ورغم أنها لم تتمكن من المشي على قدمين لفترات طويلة، إلا أنها تتمكن من إستخدام الأيدي لنقل أغذية لمسافات قصيرة والتلويح بأغصان الأشجار لإخافة المفترسين، إضافة لإستخدام أحجار "كمطارق" لتقسيم الجوز أو إزالة أوراق ساق النبات لإخراج النمل من أوكارها. بالتالي، المرجح بأن أوائل أشباه الأنسان، الذين قد مشوا منتصبين (المؤكد أن لديهم مظهر قردي) إستخدموا الأيدي أكثر من الأنواع التي لم تمشِ على قدمين، والتي قد تحدّرت منها خصوصاً عندما تواجدت على الأرض وبعيدة عن الأشجار*.
 

سلسلة من التغيُّرات من ملامح قردية إلى ملامح بشرية
 

بمقارنة القرود الحديثة مع الكائنات البشرية، يمكن تفريق ملامح تقليدية للقرود عن ملامح تقليدية للبشر. كثير من تلك الملامح محفوظ في الأحفوريات. (بوضوح، أيضاً، توجد فروقات كبرى في اللغة وفي القدرة على الفهم وعمل أشياء مختلفة بالعموم، والتي ليس ممكناً حفظها في السجل الأحفوري، لكن، الآن، أشير للفروقات التي تبرز فيهما فقط).
 
 لو نعرف أيّة ملامح قردية أكثر وأيّة ملامح بشرية أكثر، سنتمكّن من دراسة أحفوريات أشباه الإنسان، بحقب مختلفة، فتعطينا فكرة عن زمن حصول التعديلات التطورية، التي تميِّز واقع تطور الكائنات البشرية.

يُشبِهُ جسمنا، بشكل لا يُصدق، جسم القرود: 
 
لدينا عظام متشابهة، أعضاء وجزيئات كيميائية حيوية (كالدي إن إي) متشابهة. لكن لا تمشي القرود الأفريقية الحديثة (غوريللا وشمبانزي) بصورة منتصبة لزمن طويل، لأن إصطفاف الهيكل العظمي عندها مختلف عما عندنا. 
 
لدى القرود وثدييات أخرى، غير البشر، نقطة إتصال الرأس بالعمود الفقري للخلف أكثر منها عند الكائنات البشرية. يمكن إدراك هذا بلمس رأس كلب، فنجد تلك النقطة في الخلف. يحصل ذات الشيء مع القرود.
 
تقع تلك النقطة أسفل الجمجمة لدى الكائنات البشرية و"يتأرجح" الرأس على العمود الفقري. هذا ملْمحْ جوهري ويحضر لدى نوع شبه الانسان فقط، والذي، إلى جانب تغيرات أخرى بإصطفاف الهيكل العظمي، قد سمح لنا بالمشي على قدمين بوضعية الإنتصاب.
 
  الهيكل العظمي البشريّ ذو تناسبات مختلفة مع هيكل القرود:
 
 لدينا كثير من العظام المتساوية، في حين تمتلك القرود أذرعاً أطول وسيقان أقصر. تختلف أقدام القرود وهي متكيفة لمسك الأغصان أكثر منها للمشي على الأرض. عندما تمشي على الأرض فعلى أربع قوائم وبمساعدة عظام الرُجبة عند سلاميات الأصابع.
 
 
وجه القرود مختلف، فهو أطول ومع فكوك وأسنان أكبر (ناب القرود أكبر بكثير من ناب البشر). هنا، لن نتحدث كثيراً عن الحجم، الشكل والنمو للأسنان، لكن، يمكننا معرفة أن أحفوريات الأسنان مهمة كثيراً لدراسة تطور شبه الإنسان. حيث توضّح مسائل الحجم، الشكل وبقايا ما كان يأكله نوع ما (نباتات، لحم أو تغذية بكل شيء كالبشر الحديثين) وتسمح بتثبيت القرابة لمختلف أنواع أشباه الإنسان. كما أنها تُثبت بأن نماذج ظهور ونمو الأسنان (والتي يمكن إستنتاجها من أحفوريات أشباه الإنسان) تعطي معلومة كافية حول إيقاع النمو لكل الجسم، وكما نعرف، فهذا تفصيل مهم جداً.  
 
(في كتاب ريتشارد ليكي "أصول" (غلاف الكتاب أعلاه) نقاش ممتع حول المعلومة التي يمكن للأسنان تقديمها).

هكذا، عندما يعثر علماء الإحاثة على أحفوريات لأشباه إنسان (جمجمة هنا، جزء من عمود فقري هناك، أو إن كان لديهم حظّ كبير، فمجموعة من العظام معاً):
 
 أول شيء يقوموا به، هو محاولة تحديد عمر تلك الأحفوريات (بتقنيات عديدة للتأريخ التي قد تكلمنا عنها سابقاً هنا وهنا). بوقت لاحق، يتحققون فيما لو كانت لنوع لم يكن موجود سابقاً أو نموذج إضافي لنوع موصوف. 
 
(وأحياناً، يكتشفون بأن أكثر من نوع شبه إنسان قد عاش في ذات الحقبة).

ثمّ يقيس ويدرس علماء الإحاثة أشياءاً نوعيةً كالتناسبات بعظام الأذرع والسيقان، موضع نقطة إلتقاء الجمجمة مع العمود الفقري، شكل وحجم الجمجمة و مكان إتصال العضلات بالفك، حجم عظام الأيدي والأقدام (من النادر العثور عليها)، الحجم والشكل وأسطح المضغ للأسنان (وأحياناً نموذج الخروج وايقاع النمو)، الحجم والجنس والعمر التقريبي للفرد، لو تمّ العثور عليه قرب أدوات بدائية حجرية، لو وُجد قرب أحفوريات لحيوانات قد أكلها، حيث يمكن أن تحتوي بقايا عظامها على "علامات" لأدوات حجرية، قد جرى إستعمالها لتجريدها من اللحم.

يساهم علماء آخرون ببناء المحيط، الذي عاش شبه الإنسان فيه (مكان العثور على الأحفوريات) من خلال دراسة الصخور، الأراضي الأقدم، أحفوريات نباتية وحيوانية بذات العمر وخاصة أحفوريات لحبات الطلع، وكل ما يسمح بإعادة بناء السكن / البيئة، حيث عاش ومات شبه الإنسان: 
 
لو كانت المنطقة غنيّة بالأحراش، أرض واسعة مشجّرة، أرض واسعة كمراعي أو مزيج من الثلاثة، حيث تواجدت أنواع أخرى حيوانية (فرائس ومفترسين)، وإن يوجد دليل على حدوث تغيرات كبرى بيئية (كإتجاهات للجفاف أو البرودة والصقيع) في تلك الحقبة.

هل أوائل أشباه الإنسان "بالكاد قرود"؟

 خرجت، إلى الضوء، معلومات كثيرة حول تعاقب تغيرات بخطوط عديدة لأشباه الانسان. بمقارنة خصائص كثير من أنواع أشباه الإنسان الماشية على القدمين، جرت ملاحظة ما نسميهم "أوائل" أشباه الإنسان الذين مشوا على قدمين (الذين قد عاشوا في الحقبة، التي ظهر فيها المشي على القدمين أي منذ حوالي 2.5 مليون عام)، فتبيّن أن لديهم ملامح كثيرة قردية، رغم أنهم قد مشوا بوضعية الإنتصاب.
 
 لم يكونوا متساويين تماماً، لكن، في العموم، لديهم قوام منخفض وسيقان قصيرة وأذرع طويلة كالقرود التي تنتقل من شجرة لأخرى. الجمجمة أطول مما لدى أشباه الإنسان المتقدمة والبشر، والأنياب أطول كالتي تمتلكها القرود الحديثة، وبالكثير من الأحوال، أخذت عظام الوجه شكلاً "خطمياً" ولم يكن الوجه مسطحاً كحاله عند أشباه الإنسان المتقدمين والبشر الحديثين. 
 
أكثر ما لفت الإنتباه هو إمتلاكها لدماغ صغير جداً نسبياً أكثر شبهاً بدماغ القرود منه بدماغ الكائنات البشرية **.

يُقلّل البعض من أهمية التطور لحالة المشي على قدمين، يقولون بأن "إمتلاك أيدي حرّة" ليس مهماً، لأن أوائل أشباه الإنسان لم تصنع أدوات حجرية؛ ولأن دماغ شبه الإنسان لم يكبر حجمه إلا بعد مرور زمن طويل. بالمقابل، يضخمون الخصائص القردية ويقولون بأنها "قردة ماشية على قدمين". 
 
قد يصحُّ هذا المصطلح إذا ربطناه بالشكل؛ لكن، يظهر لي بأنه يمكن أن يتضمن خطأ، وبأنه يشدِّد بصيغة أحادية الجانب على الملامح القردية ويستخف بحدوث تداعيات عميقة للظهور والإنتقال بوضعية الإنتصاب مع أيدي حرّة عند تلك "القرود" الغير مألوفة (أو "الإنسان البدائيّ")، وهي ملامح، من المؤكد، أنها قد سمحت لهم بالإنتشار بأمكنة متنوعة وتحقيق مسلكيات جديدة.

منذ بضع سنوات، حضر توافق علمي تطوري بإعتبار أن المشي على القدمين، قد شكّل نموّ تطوريّ ذو أهمية كبيرة، فكل شبه إنسان مشى على القدمين، هو نوع بشريّ بشكل رئيسيّ.

حسناً، حدثت كل تلك التغيرات، لكن، لم تحدث بفترة تمتدّ من المساء للصباح!!!

يستحق منا التذكير بأن الفرق (في أشكال النشاطات الإنتاجية والتنظيم الإجتماعي) بين أوائل أعضاء نوعنا الإنسان العاقل (الذين قد عاشوا كصيادين / رُحّل لأكثر من 100000عام قبل ابتكار الزراعة منذ ما يقرب من 10000 عام والبدء ببناء المدن) والكائنات البشرية الحديثة (التي تصنع العربات والحاسوب، وتستكشف الفضاء وأعماق البحار)، يكمن، بشكل رئيسي، في الإختلاف الثقافي، كل ما نعمله اليوم عبارة عن جزء من القدرة على تعلُّم المهن والإنتقال الواسع لمحفوظات معرفية متراكمة بطول أجيال بوسائط ثقافية لا وراثية، والتي إمتلكها نوعنا شبه الإنسان منذ البدء. هذا، ربما، أكثر من أي شيء، هو ما يُصيِّرنا بشراً ويميّزنا عن الأنواع الأخرى.

لكن، لا شيء من هذا على الأرجح، كان ليحدث، لولا حدوث القفزة التطورية الثانية، منذ 2 مليون عام، لدى نوع، قد مشى على القدمين، وموضوعياً، طليق اليدين.

إذاً، نحن لسنا أكثر من حادث؟

  هذا مُقلق لبعض الأشخاص. في أحد الأيام، كنت أتحدث مع أحد معارفي عن معلومات حول ظهور المجموعة الشمسية وكوكبنا؛ وكيف تطورت الأحياء من حوالي 3.5 بليون عام؛ وكيف ظهر الإنسان دون تدخُّل آلهة فوق طبيعية ولا أرواح. 
 
هي المرة الأولى، التي قد سمع بكل هذا بها. وفجأة، سألني وبقلق كبير:
 
 "لكن، أيّ معنى يملك هذا؟ ما هو الهدف من الحياة؟".

بدقّة، لا وجود لمعنى محدّد سلفاً!!! ليس لوجودنا أيّ هدف خاص في هذا الكون الكبير.

 وبعيداً عمّا نقوم به. 
 
لا يعني حضورنا شيئاً ولا لأي شيء في هذا الكوكب خارج ذاتنا نحن، ولا يمتلك وجودنا بذاته أدنى تأثير (في هذه النقطة). 
 
فنحن، قد نمتلك أهمية، أقل، من أهميّة حبّة رمل على شاطيء.

إذاً، لا نهتم (لا نُبالي)؟
 
 أو نقتل بعضنا بعضاً، طالما لا يوجد إله فمن يهمه مالذي نعمله؟
 
 وهل، حقاً، لا يوجد هدف في الحياة؟ 
 
على العكس تماماً!! 
 
حيواتنا كبيرة القيمة؛ ووجودنا مهم جداً، أي بين بعضنا البعض كبشر فقط!!! 
 
يتوجب علينا "إمتلاك سلوك جيِّد" والتعامل بنزاهة وبصيغة "أدبية وأخلاقية" وليس بسبب الخوف من توبيخ إله مُعاقب، بل لأن ما نعمله، يؤثر مباشرة بنوعية الحياة البشرية ذاتها. 
 
وتمتلك حياتنا هدفاً (ولو أن كل واحد يحدده بصيغة مختلفة بحسب فهمه للعالم)، لأننا نوحي، كبشر، بوجود أهداف لحيواتنا فقط!!

في الواقع، نحن كتلة من الكائنات الحيّة المعقدة، بشكل مدهش، كائنات قادرة على الهدم والإبداع والتحويل (التغيير) الواعي للعالم الطبيعي وللمجتمعات التي تسكنها.
 
 لا يوجد "هناك في الأعلى"  شيء أكثر. 
 
لكن ألا يكفي كلّ هذا؟

يمكن تحديد المسار العام للتاريخ المُعقّد لتطور أشباه الإنسان على الصورة التالية:

تنتمي كل الكائنات البشرية، التي تعيش حالياً، لنوع الإنسان العاقل، وهو، بدوره، جزء من عائلة أشباه الإنسان - العائلة البيولوجية التي ينتمي لها البشر- والأنواع المتبقية من القردة الأفريقية (غوريللا وشمبانزي) والقرود الآسيوية (الاورانغتون، مع الذين ليسوا من أقربائنا الأقرب) ضمن الرئيسيّات. 
لا تنحدر الكائنات البشرية، بشكل مُباشَرْ، من الشمبانزي أو من الغوريللا، لكن، لدينا منذ ملايين الأعوام:
 نوع سلف مشترك، واحد من الكثير من الأنواع القردية، التي قد تطورت في القارة الافريقية والمرجح أنها عاشت على الأشجار، أكلت فاكهة وأوراق أشجار، وهي شبيهة بالغوريللا والشمبانزي الحاليين. 

ارتباط بيئي ممكن

هل حدث المشي على القدمين والإزدياد بحجم الدماغ في خطّ شبه الإنسان جرّاء حدوث تغيُّرات بيئية؟ 

عند تفحُّص هذا السؤال، ضروريّ التذكير بأن التغيُّر البيئي، أبداً، لا "يتسبب" مباشرة بإحداث تغيُّر تطوري، فلا يحدث التطور هكذا. لكن، يمكن للتغيُّرات البيئيّة التأثير المباشر بالشروط أو الظروف، التي تعيشها  تتعرض النباتات والحيوانات لها. بأحوال كتلك، إن يُعطى جديد تطوري صدفوي في خطّ نباتي أو حيواني (بواسطة وقائع مألوفة كإعادة التركيب الوراثي وغيره وحدوث الطفرات الصدفوية بشكل أساسيّ) وإن يكن هذا التعديل الوراثي الحادث بالصدفة، قد أدى، بالصدفة، لظهور فائدة مولدة للأفراد الذين يعيشون في الشروط البيئية الجديدة، فبالإمكان إنتشار الملمح التطوري الجديد بالإنتقاء الطبيعي وهو عمل غير صدفوي بل واقع طبيعي. 
 
(كظهور المشي على قدمين في خط القرود الذين عاشوا على الاشجار) يمكن أن يكفي هذا لإنتاج نوع جديد.

جدير بالتنويه، بأنه في الحقبتين اللتين قد حدثت التعديلات الأهم بتطور أشباه الانسان خلالهما، أيضاً، حدثت تغيرات بيئية كبيرة في أفريقيا الشرقية.
 
 الحقبة الأولى، منذ 5 إلى 10 مليون عام، عند ظهور المشي على قدمين، وُجد نموذج لحقبة باردة عالميّة وحدوث إنكسارات جيولوجية في القارة الافريقية، وهو ما تسبَّب بحدوث الجفاف والإنكشاف الجزئي لمنطقة شاسعة متماثلة من الأحراش في أفريقيا الشرقية. قد ظهرت مناطق عشبية حرشية (عشبية مرصّعة بشجيرات) مختلطة بأحراش، وهي في السابق أدغال حرشية فقط.

هل توجد صلة بين "القفزة الثانية الكبرى" لتطور أشباه الإنسان (انخفاض إيقاع التطور والإزدياد الهائل بحجم الدماغ) والحقب ذات التغيرات البيئية الكبيرة؟

الحقبة الثانية. منذ 2.5 مليون عام (عندما حدثت "القفزة الثانية") حقبة باردة عالمياً، عندما تغطّت دائرة القطب الشمالي بطبقات جليد هائلة؛ وعندما عانت أجزاء كثيرة من أفريقيا من الجفاف. حيث حضرت الأحراش المدارية المتصلة، ومن ثمّ مزيج من الأحراش والمساحات العشبية، التي تحتوي على أشجار متفرقة، الآن، قد ظهرت مناطق  عشبية "مراعي" جافة ودون أشجار.

بالإمكان الإستنتاج بأن التغيرات البيئية المهمة المعطاة في أفريقيا منذ 2 مليون عام (الجفاف وإنتشار المساحات العشبية) قد "حفّزت" بشكل غير مباشر تطور أشباه الإنسان في اتجاه بشريّ أكثر. 
 
كما قلنا، قد يرى المرء بأن الإنتقاء الطبيعي سيلغي خطوط أشباه الإنسان، التي أنجبت أطفالاً "قبل أوانها"، على وجه الخصوص، وتحتاج للرعاية بشكل كامل لزمن طويل، لكن، سمح هذا الواقع لدماغ شبه الإنسان أن ينمو لزمن أطول بعد الولادة (ما قد سمح لأطفال شبه الإنسان بتوسيع قدرتهم العقلية عبر التفاعل الإجتماعي والتعلُّم، بدلاً من البرمجة الوراثية الجينيّة، بدرجة أبداً لم تُلاحَظ لدى أنواع حيّة أخرى سابقاً، المرجّح أنها قد تفوّقت على أي ضرر ممكن أو مُحتَمَلْ).

الهجوم الخلقي ضد التطور، هو عملية هجوم ضد كل العلوم باسم الله

مشعوذون ومخادعون

يسعى كثير من المؤمنين بمختلف الأديان، في وقتنا الراهن، إلى تكييف عقائدهم مع المعارف العلمية الحاليّة. لكن، لا يحدث هذا مع المؤمنين التقليديين، خصوصاً بموضوع علم التطوُّر. فالكتاب المقدّس بالنسبة لهم كلمة الله وكل ما يقوله صحيح، كلمة كلمة، وبالتالي، لا صحّة للتطوُّر. 
 
لكن، مع إنحسار مبدأ الإيمان الأعمى، نسبياً، لدى كثير من الناس، إبتكر الخلقيون التقليديون ما أسموه "علم الخلق"، وبالواقع، هذه التسمية ليست إلا محاولة لتجميل القبيح، الغير قابل للتجميل أبداً. 
 
لقد خلقوا "مراكز بحث" و"متاحف علم الخلق" (المركز الأشهر هو معهد البحث الخلقي ومتحفه في سان دييغو)، ينشرون أعداداً هائلة من الكتب والنشرات الشتائميّة، لديهم مواقع إلكترونية ...الخ.

لكن، ثمّة تساؤل يحضر، هنا، هل يحققون أبحاثاً علميّةً واقعيّةً وينشرونها في مجلات علميّة جديّة خاضعة للمراقبة والنقد من الهيئات العلمية المعروفة؟

الجواب: كلااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا.

توجد آلاف المجلات العلمية الجديّة وصادرة عن مؤسسات مختصة فيها علماء ينشرون نتائج أبحاثهم بكل أصناف البحوث التي يحققونها في هذا البلد (الولايات المتحدة) وفي العالم، لكن، لا ينشر الخلقيون شيئاً بأيٍّ منها.

لماذا؟ لأنهم لا يطبقون العلم ببساطة.

بالتالي، ماذا يعملون؟ 
 
بماذا يملؤون كتبهم وماذا يتكلمون عند ذهابهم لهيئات تعليمية أو محاكم لطلب إفساح المجال "لتعليم علمهم"؟

يملؤونها بالنصوص الدينيّة وفق التفسير النصي للكتاب المقدس، والواجب قبول كل كلمة به حرفياً. لكن، كما يعلمون أنه، نظرياً، في هذا البلد (الولايات المتحدة) يوجد فصل بين الكنيسة والدولة، لهذا، يستعملون تكتيكاً مخادعاً لأجل تمرير أفكارهم الدينية، يقولون بأن لديهم "إختبار علمي" بعدم صحّة التطوُّر

يعرف الخلقيون أنهم لن يؤثروا على العلماء المختصين، لأنّ ما يقولونه لا يستند إلى أيّة أدلة علميّة.
 
 فكلامهم موجّه للعامة لا للمختصين. 
 
يُحبّذ المدافعون عن التطور أن تمتلك الناس ثقافة علمية أساسية لفهم وتطبيق المناهج العلمية لتمييز الصح من الخطأ. 
 
على العكس من ذلك، ما يهمّ الخلقيين هو عدم تلقي الغالبيّة لتكوين معرفيّ علميّ. يرغبون بزرع الإختلاط الكافي (كالتأكيد بأن التطور عبارة عن كذبة؟) لأجل أن تفكر الناس "فجأة" بأن ما يقوله الخلقيون صحيحاً، وأنه لن يضرهم ترك تقديم أفكارهم في الدروس العلمية" كبديل" عن التطور.

يرفع الخلقيُّون دعاوى في المحاكم لتثبيت عقائدهم عبر "نظرية الخلق" وتعليمها كما لو أنها علماً!
 
لكن، لا تتأسّس أفكارهم الدينية على شيء علمي، بالتالي، لا يمكن تعليمها بأيّة دروس علوم. يُبيِّن العلم بأن التطورعبارة عن واقع مدعوم بكل ما يعرفه العلماء اليوم حول تاريخ الأحياء في الكوكب. لهذا، من المريب تعليم نظرية الخلق" كحدث واقعي"، في دروس علمية أو في أي جانب آخر.

لا نطلب من أيّ مؤمن ترك إعتقاداته الدينية، حيث يمكنه متابعة شؤونه في المعابد المنتشرة الكثيرة. لكن، هذا لا يُوجِبْ السماح للأصوليين الدينيين، مسيحيين وغير مسيحيين، بفرض تعليم عقائدهم الدينية الخاصة في المدارس العامة ولا في أي نطاق عام آخر. 
 
إن لم نفهم هذا، ونأخذ إجراءات لمنعه، فهناك خطر جدّي بأن نستيقظ أحد الأيام على حكومة تيوقراطية (من متعصبين دينيين يفرضون عقائدهم الأساسية كقانون سلطوي حكومي).

إن يبدو لكم أمر مبالغ فيه، ألقوا نظرة على المبادرات السياسية، التي أخذتها الحركة الخلقية خلال السنوات الاخيرة. أشهر محاولاتهم هي بالسيطرة على الهيئات التعليمية وتغيير قوانين حكومية والبتّ بتعليم "علم الخلق" بذات مستوى تعليم نظرية التطور في الدروس العلمية في المدارس العامة. لكن، أيضاً، قد حاكوا الدسائس بأعلى المستويات الحكومية لأجل أن يأمر الكونغرس بتعليم نظرية الخلق الدينية بكل الولايات، وكانوا على وشك تحقيق هذا الأمر!!

يتباهى الرئيس الحالي جورج دبليو بوش، وأعضاء لهم وزنهم في الحكومة مثل جون آشكروفت (النائب العام) وتوم ديلي (رئيس أعضاء الكونغرس الجمهوريين) بكل وضوح بكونهم خلقيين. 
 
صوّتت أغلبية القضاة في القضية الشهيرة للعام 1987  في المحكة العليا ضد "قانون التعامل المتوازن" في لويزيانا الذي قد نصّ على تعليم "علم الخلق" جنباً لجنب مع نظرية التطور. أوضحت المحكمة العليا بأن القانون ضد الدستور لأن القصد منه هو "تشجيع عقيدة دينية خاصة" وأنه لأجل تعليم "علم الخلق" سيتوجب على المدرسين أن يعلموا الفكرة الدينية القائلة بأن كائن فوق طبيعي قد خلق البشرية.

كتب القاضي لويس بوول رأي بإسم الأغلبية:
 
 "لا يسمح التعديل الدستوريّ الأول بأن تطلب الدولة ضبط التعليم وفق أيّة مباديء لأيّ طائفة أو عقيدة".
 
هو إخفاق مهم للخلقيين. 
 
لكن، أيضاً، هناك ضرورة لقراءة رأي متباين للقاضي أنطونين سكاليا، الذي صوّت لأجل الإحتفاظ بالقانون، حيث يقول أنه وفق وجهة نظره فرض تعليم "علم الخلق لا يعني فرض تعليم عقائد دينية، مُستنداً إلى التصريحات المحلّفة التي قد استقبلتها المحكمة من "خبراء" خلقيين الذين "يُقسمون"  بأن "علم الخلق" هو "مجموعة معارف علمية" ولديهم "معلومة علمية داعمة للنظرية التي تقول بأن العالم الفيزيائي والحياة قد ظهرت فجأة وأنها لم تتغير بشكل جوهري منذ ظهورها!!".

هنا، لدينا قاضٍ في المحكمة العليا ومحامٍ مثقف جداً، يكرّر خطأ، إن يصدر عن طالب ثانوي في إمتحان علم الاحياء، فسيضعون له علامة الصفر
 
يقول سكاليا أنه لا أحد يمكنه القول بأن الدليل على التطور "دامغ  كليّاً وبأنه، بالتالي، لمواطني لويزيانا "الحق بأن يتعلموا في المدرسة الدليل العلمي المناهض للتطور". رغم أنّه لم يقدّم ولا جزء من دليل علميّ على كلامه، فمن الواضح أن سكاليا ليس لديه أيّ إلمام بالتطوُّر؛ والغريب أنّ هذا لم يجعله يشعر بالخجل من جهله المطبق (أو ربما لا يهمه ذلك). ولنتذكر بأن جورج بوش، قد قال بأن القاضي سكاليا هو قاضي نموذجي في المحكمة العليا!!!!!!

بعد هذه القضية، أُثيرَتْ قضايا أخرى هامة في المحاكم، وتصدى كثير من العلماء المشهورين مؤكدين على أن فرضية "علم الخلق" لا تمت بصلة للعلوم. ذات الشيء، أكّدت كل المنظمات الرئيسية العلمية في الولايات المتحدة (كالأكاديمية الوطنية للعلوم وجمعية أميركا الشمالية للتقدم العلمي) بأن نظرية التطور ذات خلفية علمية متماسكة ولا يوجد أي دليل علمي ضدها.
 
 لكن، كل تلك المواقف لا تهم المتعصبين الدينيين بالحركة الخلقية ولا قياداتهم المسيطرة. ما أعرفه أنا، بأنّ سكاليا، أبداً، لم يعترف بأن تعليقاته غير علميّة كلياً، بل تمثل مواقف سياسية. يتابع الخلقيون رهانهم بالوصول لأعلى المستويات في الحكومة لأجل فرض قانون العقائد الأساسية المسيحية.

سعى الخلقيون لفرض مشروع تعديل قانون في الكونغرس كجزء من قانون للتعليم، يتبناه جورج بوش تحت عنوان "إتمام الوعد للأطفال". 
 
تناول التعديل الحطّ من التطوُّر العلميّ، والمفاجأة، أنّه ولا عضو بمجلس الشيوخ قد انتقد القانون!!!

 
هذا مثال واضح على التآكل اليومي للفصل بين الكنيسة والدولة (الذي لم يكن قويّاً يوماً على ما يظهر) وبأن عناصر أصوليّة مسيحية قد احتلت مراكز حكومية مرموقة.

لكن، كيف يمكننا التأكد من صحّة شيء ما؟ 
 
هنا، يُمارس الخلقيُّون ألاعيبهم!

ضروريّ فهم كيفية توصلنا لمعرفة إن يكن شيء صحيح أو خاطيء. 
 
ما هي المناهج الضابطة، التي تسمح بالإقتراب من الصحيح وتفريقه عن الخاطيء؟ 
 
دون فهم تلك المناهج والضوابط، يسهُلُ الوقوع في الخطأ بقبول أية كذبة أو خطأ، خصوصاً، حين يتوافق إقتناع الشخص مع طروحات من لديهم مراكز سلطوية وتأثير:  
 
حكومات، سلطات دينية، شخصيات تلفزيونية مؤثرة ...الخ. 
 
  (يمكن العودة لأخطاء في النقاش، حيث يعبّر هذا عن خدعة أو مُغالطة توسُّل بالمرجعية، فعندما يقول شخص شهير بمركز حسّاس شيء، تصدقه العامة، في الغالب، ويتحول إلى مسلّمة ولا ينطق عن الهوى. كموقف  جورح بوش من التطور مثلاً أو مواقف غيره).
 
المطلوب أن نتمتع بحسّ نقدي بأيّ شيء وبكل شيء. لكن، هذا لا يعني بأنّه لا يوجد شيء صحيح وشيء خاطيء. 
 
لو نفكر ككائنات بشرية بأنه دوماً "لا يوجد شيء مؤكد"، كيف سيمكننا العيش أو القيام بعمل شيء؟

 
نتوقف أمام عربة، مع أنه "أبداً لا يُعرف بكل تأكيد" فيما لو ستدهسنا؟ نضع المنبّه لأنه "أبداً لا يُعرف بكل تأكيد" إن كان سيرنّ، أو إن يكن في الواقع موجود، أو أننا، هنا، ويستحق الإهتمام بأن نستيقظ؟ 

قد تبدو تلك الامثلة غبيّة، لكن، تبيّن بأنّه حتى في العمل اليوميّ، نحتاج منهجاً وطريقة لمعالجة قضايا محددة، والتي تساعدنا في تثبيت شيء إن يكن صحيحاً أو خاطئاً.

من هنا، أبداً، لن نعرف الصحيح المط لق(بمعنى أننا لن نعرف كل ما يمكن معرفته حول كل شيء)، لكن، لدينا مناهج للوصول لنقطة يمكننا فيها القول بدرجة كبيرة من الثقة بأن شيئاً صحيحاً، ما يعني أنه موافق لمشهد من الواقع المادي.

أُعيد القول بأنّ التساؤل حول أي شيء هو أمر ممتاز، لكن، شيء ممتاز، كذلك،  الإعتراف بأنه ليس كل شيء دوماً معلقاً في الهواء، فأحياناً، نعرف ما يكفي حول مشهد ما لقبول صحته، ودون لف ودوران والمضي قدماً. هكذا، هو الوضع مع نظرية التطور ببساطة.


يوجد توافق علمي إختصاصي عام حول:

أولاً: تطوّرت الأحياء بصورة مؤكدة.

ثانياً: توجد معرفة عميقة اليوم بآليات التطور (الماضية والحاضرة) مثل الإنتقاء الطبيعي وسواه من آليات تطوريّة.

" نظرية التطور": النظرية العلميّة

ترى الدوائر العلمية بأنّ مفهوم "نظرية" ذو معنى مختلف؛ "فالنظرية العلمية" عبارة عن مجموعه معقدة من القوانين أو المباديء، التي ترتبط بأفكار مختلفة وإقتراحات تشرح (من زوايا مختلفة) المباديء والآليات الرئيسية لواقع طبيعي كالأصل والتغيُّر والتطوُّر لجزء من الواقع الماديّ 


لا يحصل التحقق من صحّة نظرية علمية (من العالم الطبيعي أو من المجتمع البشري) من المساء للصباح. لكي نقول بثقة بأن فكرة كبيرة أو مجموعه من الأفكار" صحيحة"، يجب مرورها في البوتقة العلمية / المناهج العلميّة:
 
 تجب إستثارتها، نقدها، مساءلتها ووضعها قيد الإختبار مرة إثر مرة من اتجاهات كثيرة. 
 
تعمل النظرية العلمية الجيدة سلسلة من التنبؤات، التي يجب إثباتها في العالم الواقعي لتصير النظرية صحيحة.

 يسمى هذا بمبدأ" قابلية التكذيب العلمي":
 
 إمتلاك تفنيدات لمضامين النظرية العلميّة، سيجعلها بمقام الفرضيّة، ولن ترقى لتصير نظريّة علميّة.
 
 كمثال، يمكن دحض نظرية التطور، فيما لو يُعثَرْ على أحفوريات ديناصورات وكائنات بشرية قد عاشت بذات الزمن، وسينقض هذا كليّاً كل ما نعرفه حول تعاقب تطور أنواع مختلفة. يتمكن علماء الأحياء من تقديم أمثلة كثيرة لأشياء (لو تُكتشف) ستهدم نظرية التطور.

 
لقد إحترمت نظرية التطور مبدأ قابلية التكذيب العلمي منذ بداياتها. 
 
وقد تراكم الدليل العلمي خلال القرن ونصف التي مضت على رحيل داروين، وهو من أوائل مَنْ اقترحها ودعمها، ولم يدحضها شيء حتى اللحظة. 

 الشبِّيح  الخلقيّ ريك سانتوروم!

 يتصدر الحملة ضد التطور أصوليّ ديني مُناهض للمثليّة الجنسيّة وتتبناه جماعة التصميم الذكي والخلقيين بالعموم، وهو المعروف بإتصالاته مع أعلى المستويات الحكومية.

أولاً، يتوجب أن نتعرف على السيناتور الجمهوري لبنسلفانيا ريك سانتوروم، الذي واجه عاصفة من النقد من كل الأنحاء (أقلها من البيت الأبيض!!) لأنه قد قارن المثليين جنسيا بالحشرات، وربط المثليّة الجنسيّة بالزواج المتعدد والزنا.

ربيع العام 2003، تحدث سانتوروم مع مندوبين لوكالة أنباء آسوشيتد بريس حول قضية إقتراحه قوانين تتناول اللواط ومحاولة رفعها للمحكمة العليا في تكساس. 
 
قال سانتوروم بأنه "ضدّ المثلية جنسياً" وأنه يعارض "كل ما يقع خارج العلاقات الجنسية التقليدية" لأنها تخرب المجتمع والقيم التقليدية للعائلة. أضاف بأنه يجب على كل دولة وضع قانون ينظم السلوك الجنسي الخاص (الذي يمارسه أي واحد في منزله) وينهي كلامه، هكذا:
 
"لو المحكمة العليا تقول بأن كل واحد لديه الحق بإمتلاك علاقات جنسية (مثلية) رضائية في منزله، بالتالي، لديه الحق بتعدد الأزواج، تعدد الزوجات، زواج بحشرة، بالزنا وكل شيء".

رغم كل صرخات الإحتجاج التي قد سمعها من كل الاتجاهات، فهو لم يتراجع عن كلامه. لم ينتقده البيت الأبيض. 
 
 يبين هذا الحادث إلى أي مدى يشغل الأصوليون المسيحيون مواقع سلطوية وإلى أي مدى هم جاهزين لإستعمال السلطة لفرض قياساتهم الأساسية الفاشية تحت ذريعة "الدفاع عن قيم تقليدية للعائلة".
 
لم تظهر شهرة السيناتور سانتوروم مع هذا الحادث فقط، بل قبل ذلك. ففي صيف العام 2001 ، حاول تمرير قانون مُعدّل مُناهض للتطور والمعروف باسم "تعديل سانتوروم" بقانون التعليم أو "إتمام الوعد للأطفال" سالف الذكر، والتي تُعتبر أكبر إعادة تشكيل تعليمية منذ العام 1965. 
حتى هذه اللحظة، إعتمد الخلقيون التكتيكات الرئيسية  لدخولهم في الهيئات التعليمية المحلية أو محاولة تغيير قوانين حكومية. ورغم أنهم تمكنوا من زرع غموض كافٍ في بعض الأقسام عند العامة عموماً، فقد خاب فألهم في المحاكم ولم ينالوا تحقيق تعليم نظرية الخلق "كبديل" لنظرية التطور بقانون يجبر مدرسي العلوم بذلك. 
كل مرّة، تحضر مئات من العلماء بكثير من الحقول إلى المحكمة لتأكيد أن كل صيغ نظرية الخلق "بما فيها نظرية التصميم الذكي" هي دين وليست علوم، وأنه لا يجب تعليمها في حصص العلوم.
بعد خسارتهم في المحاكم الحكومية (خصوصاً بعد أن تمّ إلغاء قرار الهيئة التعليمية للعام 1999 بكنساس الذي كان قد طالب بإلغاء التطور من الإمتحانات الحكومية): 
يبدو أن الخلقيين قد خرجوا بتكتيك آخر، يرغبون بأن تُصدر الحكومة الفدرالية قانوناً ضد التطور لفرض تعليم نظرية الخلق بكل الولايات المتحدة. 
وفي خطوة لا يمكن تصديقها، تمكّن خلقيُّو التصميم الذكي في معهد ديسكفري للعلم والثقافة من تنظيم دورة معلوماتية رسمية في الكونغرس، صيف العام 2000 لأجل "تثقيف" أعضاء الكونغرس حول "إخفاق" الداروينية والأذى الذي يسببه تعليم نظرية التطور في المدارس للمجتمعات. ساعد ممثلون بارزون للتصميم الذكي (مثل أستاذ الحقوق والخلقي الكبير فيليب حونسون) في كتابة تعديل قانون قد اقترحه السيناتور سانتوروم. قال سانتوروم بأن التعديل متكون "من جملتين بريئتين" ولا تصطدم مع قانون التعليم.

التعديل الذي قد كتبه الخلقيون بفريق التصميم الذكي، والذي قدمه سانتوروم قد قال:

1 – تعليم جيد للعلوم يعني تحضير الطلاب للتفريق بين التفاصيل والنظريات المثبتة للعلم وتأكيدات دينية أو فلسفية والتي تُعمل باسم العلم.

2- حيث يتم تعليم التطور البيولوجي، يجب أن  تساعد النصوص الطلاب على فهم سبب إستعار الجدل، ويتوجب تحضير الطلاب ليشاركوا بفعالية في النقاش العام حول هذا الموضوع.

هو مثال جيد على التكتيكات المتكتمة الراهنة للخلقيين، يبدؤون بأول نقطة والتي تبدو بريئة بشكل كاف، ثمّ ما يلبثوا أن يُخاتلوا بإدخال النقطة الثانية التي ممكن "أن تظهر عادلة" لكثير من الناس. 
 
تكمن المشكلة في أنّ:

آ – سعيهم لعدم تعليم التطور في الدروس العلمية (لكن، كيف يمكن تبرير عدم تعليم نظرية، هي أساس كل العلوم البيولوجية الحديثة؟). 

ب – إعطاء إنطباع بأن التطور غير مثبت وموضع جدل في الهيئات العلمية (بينما، المباديء الرئيسية للتطور مثبتة بشل جيد وليست موضع جدل في الهيئات العلمية). 

ت – إقتراح أن يستوعب النقاش الشعبي مسألة إن يكن التطور صحيحاً أو لا، كتشكيك لأجل التشكيك، رغم أن الهيئات العلمية تلح على أن النظرية الأساسية للتطور، هي مثبتة وموثقة بشكل كاف كنظرية الجاذبية أو الفعل المتمثل بدوران الارض حول الشمس.


إشارات


* ربما أمضى أوائل أشباه البشر زمناً جيداً على الأشجار، سيما زمن الراحة والنوم وإبتعاداً عن المُفترسِين. لدى أشباه الإنسان، هؤلاء، أذرعاً طويلة كالتي لدى القرود. وحالياً، يُرى بأن المشي على قدمين قد ظهر، عندما تغطى الجزء الأكبر من أفريقيا بالأحراش المدارية. فقدت الفكرة القديمة التي تقول أن أوائل أشباه الإنسان التي مشت على قدمين، قد تطورت عندما غطّت أفريقيا أراضي عشبية شاسعة (وأن الإنتقاء الطبيعي قد فضّل فعل المشي المنتصب، لأنه قد سمح للأفراد بعبور النقاط الواضحة ورؤية الأعشاب العالية والبقاء على قيد الحياة بعيداً عن الأشجار) القبول، لأننا اليوم، نعرف بأنه في تلك الحقبة، قد تحولت الأشجار إلى مساكن في كثير من أجزاء أفريقيا. ظهر الإنتشار الواسع للأراضي العشبية دون أشجار فيما بعد ظهور أوائل أشباه الإنسان بوقت كافٍ. مع ذلك، يوجد دليل على أن الأحراش الكبيرة المدارية قد بدأت بالإنفصال لمساكن "لخليط" من المناطق الحرشية والفارغة، بمرور الزمن، الذي قد تطورت أوائل الأنواع التي مشت على قدمين خلاله.

لنتذكر مع ذلك، بأن المشي على القدمين لم يتطوّر "بسبب" حدوث أي تغيُّر مُناخي، فكما رأينا بهذه السلسلة، لا "يُسبّب"  التغيّر في البيئة، بحد ذاته، حدوث تغيُّر تطوري جديد. لكن، المُرجّح بأن المستجدّ التطوري، الذي قد يظهر بالصدفة (بإعادة تآلف وراثي صدفوي أو لأسباب أخرى) يُحفظ وينتشر في الجماعة بطول العديد من الأجيال، فيما لو وجدت الجماعة تغيرات بيئية، ولو تسمح تلك التعديلات التطورية الجديدة للأفراد بالبقاء على قيد الحياة والتكاثر في ظل تلك التغيرات. من الممكن، بالتالي، إمتلاك أفراد من الجماعات، والذين بالصدفة، قد إكتسبوا قدرة على المشي المُنتصب، "فائدة مولّدة" لأنهم إستطاعوا تمضية بعض الوقت بعيداً عن الأشجار، وتمكنوا من التنقل بين الأشجار والطرق الضيقة بين المساكن التي شجرها قليل والتي بدأت بالظهور. وقد سمحت لهم هذه المسلكية المرنة بالإنتفاع الأقصى من تنوع الأغذية وموارد أخرى في النقاط الواضحة (غير المشجّرة) وأطراف الأحراش. حتى لو أمضت أشباه الإنسان المنتصبين وقتاً طويلاً على الأشجار، فربما، قد بدؤوا بتحميل الأغذية من مكان لآخر (عوضاً عن أكلها بالمنطقة التي يعثرون عليها فيها)، قاد هذا لحدوث تاثير للتغذية وللتفاعلات الإجتماعية (كمثال، حمل بعض الأفراد الأغذية بعيداً لتقاسمها مع أعضاء آخرين للجماعة) ...الخ.

** لدى أوائل القرود الجنوبية، الماشية على قدمين، دماغ بحجم 450 سنتيمتر مكعب، وهو بحجم دماغ الشمبانزي الحديث تقريبا (400 سنتيمتر مكعب). لكن، لدى أشباه الإنسان "المتقدمين" مثل أوائل الممثلين للجنس إنسان دماغ أكبر بكثير: 
 
لدى إنسان بحيرة رودلف دماغ بحجم 700 إلى 900 سنتمتر مكعب (تقريباً ضعف دماغ القرود الجنوبية، ولو أن الجسم ذاته تقريباً). لدى القرود، يتضاعف حجم الدماغ بين الولادة والنضوج. بينما يتضاعف حجم الدماغ لدى أشباه الانسان (إعتباراً من الإنسان المنتصب والبشر الحديثين) 3 مرات بذات الوقت. تُولَدْ أطفال البشر الحديثين بدماغ حجمه 385 سنتيمتر مكعب، والذي يتضاعف بالعام الأول ثلاث مرّات تقريباً، ويصل لحجم 1350 سنتيمتر مكعب.

ملاحظة: عند ورود تعبير "ولادة طفل بشري تابع"، تعني كلمة التابع، هنا، أنه يحتاج لرعاية أبوية طويلة.
 
 

ليست هناك تعليقات: