El pensamiento musulmán en la Europa del siglo XIV
R.H. Shamsuddín Elía
I.A.C.I
Instituto Argentino de Cultura Islámica
A partir de la tesis elaborada por el jesuita e islamólogo español Miguel Asín Palacios en 1919, diversos estudios de investigación han subrayado la existencia de fuentes islámicas para las ideas de Dante Alighieri en su «Divina Comedia», como las descripciones del infierno en el Sagrado Corán; el viaje nocturno (isra') y la ascensión a los cielos (mi'raÿ) del Profeta Muhammad (BPD); la visita al cielo y al infierno en la «Epístola del Perdón» del poeta y filósofo sirio Abul-Alá al-Maarrí; el «Libro del nocturno viaje hacia la Majestad del más Generoso» y el «Libro de las Revelaciones de La Meca» del místico andalusí Ibn al-Arabi de Murcia.
Miguel Asín Palacios: La escatología musulmana en la Divina Comedia
يسوعيّ مهتم
بدراسة الإسلام
وُلِدَ ميغيل
آسين بالاثيوس في مدينة سرقسطة الإسبانية يوم 5 تمُّوز من العام 1871، ابن لعائلة
من التجار المتواضعين من أصل أراغوني وريوخاني. درس حتى نال الدكتوراه في اللاوهوت
في مدينته الأمّ، وتابع خلال ذاك الوقت دراسة الفلسفة والآداب في الجامعة. جرت
تسميته ككاهن يسوعي خلال العام 1895. كان تلميذاً لخوليان ريبيرا تاراغو (1858-1934) المستشرق المعروف، سرعان ما برع في تخصص الإسلاميّات وحصل، بوقت لاحق،
على كرسي اللغة العربية في الجامعة المركزية.
كذلك، تلقى
تعاليم مؤرخين معروفين مثل إدواردو سافيدرا (1829-1912) وفرانسيسكو كوديرا (1836-1917)، وكانا أوّل مَنْ أعاد دراسة تاريخ الاندلس بصورة نزيهة ومدى تأثيره
على خصوصيات وعادات الشعب الإسباني.
أتاح شغفه
العلميّ وسعة إطلاعه شغل أعلى المراكز الثقافية بزمنه وفُتِحَتْ له أبواب
الآكاديميات في اللغة والتاريخ والعلوم الأخلاقية والسياسية في إسبانيا وفي
أوروبا.
زرع الصداقة وتبادل المعلومات مع باحثين في الدين الإسلامي أوروبيين كالهولندي المعتنق للإسلام سنوك هرخرونيه (1857-1936) أستاذ في جامعة ليدين.
كذلك، وبفضل شمائله ككاهن مثالي وبفضل تسامحه وانفتاحه وأدبه،
اعترف به الجميع من مسيحيين ويهود ومسلمين.
كتب تلميذه،
الأخصائي البارز بالإسلاميّات، المستشرق إيميليو غارسيا غوميز (1905-1995)، الآتي:
"آسين ليس أوّل شخص في مجال الدراسات العربية في إسبانيا فقط، بل هو أحد أكبر العقول
المعبّرة عن ريادتنا وتاريخنا. ككاهن كاتوليكي، امتلك خبرة نادرة في اللاهوت والفلسفة
والتصوُّف الآرثوذكسيّ. كباحث مستشرق، اهتم بإظهار الفكر الإسلامي خلال عصره
الذهبيّ الذي امتد لقرون. جددت أعماله أفكارنا حول كبار الفلاسفة كابن باجه وابن
طفيل وابن حزم وابن رشد. كذلك، على صعيد التصُّوف، فقد درس الغزالي وابن مسرّة وابن العريف وابن عباد النفزي والشاذليين. لكن، أعاد حضور شخصية هامة، قد شغلت مركزاً
حيويا ومهما في دراساته، تلك الشخصية هي المعلم الأكبر إبن عربي".
يُقدّم مستشرق
كبير آخر، هو الإسباني آنخل غونثاليث بالينثيا (1889-1949)، لنا صورة أخرى عن الأب
آسين:
"عمل في المكتب
الكبير ضمن مكتبته وعرف أين وضع كلّ كتبه. سهر الليالي ونام قليلاً فترة ما بعد
الظهر. كان طعامه بسيطاً ولم يكن يحبّ تناول الطعام خارج المنزل. أحبّ الحياة
المتواضعة النزيهة. لم يكن متعلقاً بالأموال، وقد فكّر مثل سينيكا بأنّ الأغنى ليس
من يمتلك أكثر بل من يحتاح أقلّ. حاول شراء الكتب الهامّة بدراساته دوماً ودون
كلل".
امتلكت أبحاثه
الخاصة بالفكر الإسلاميّ ثلاثة أهداف، هي:
1. إبراز
العقائد الفلسفية واللاهوتية للمسلمين الإسبان وتبيان العلاقة اللصيقة بينهم وبين
مفكري المشرق المسلمين.
2. تفسير أهمية
تلك العقائد بتحقيق النهضة الأولى من خلال مدارس القرن الثالث عشر.
3. محاولة إثبات
الأصول المسيحية للتصوُّف الإسلامي من جانب، ومن الجانب الآخر تبيان المؤثرات
الإسلامية في المفكرين المسيحيين مثل رامون لول وتوما الأكويني وإنسلم تورميدا (عبد الله بن عبد الله الترجمان بعد اعتناقه الإسلام) ودانتي.
يُفاجئنا الهدف
الثالث بتناقضه الجليّ.
عملياً، لم يقم
آسين بالاثيوس في كل أعماله سوى بتفحُّص التصوُّف الإسلامي، وعندما يُشير، من حين
لآخر، إلى أصول مسيحية لهذا التصوُّف، فهو يقدّم أدلة غير بارزة تعبيراً عن التزام
أكثر منه قناعة أكاديمية. وبشكل معاكس، عندما يعرض للتأثيرات الإسلامية في حكماء
وفنانين مسيحيين، فهو يقدّم تفاصيل مثيرة، كما فعل مع دانتي وكوميدياه الإلهية،
حيث تولد جدل حاد بينه وبين مستشرقين مهتمين بالدراسات الرومانية واللاهوتية
الكاتوليكية، حيث خرج آسين بالاثيوس منها سليماً ومُنتصراً.
لأجل فهم مكانة
آسين، يجب فهم وضعه ضمن محيطه وفي الحقبة التي عاش بها.
ففي المقام الأوّل، اتسم موقف الكنيسة
الكاتوليكية الإسبانية، في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين،
بالمحافظة الشديدة والنفور الكبير من "دين الموروس أي الإسلام".
في المقام
الثاني، حصول أحداث سياسية دموية كوصول الدكتاتور ميغيل بريمو دي ريفيرا (1870-1930) والصعود الكبير لحركة شعبية قادها فرنسيسكو فرانكو (1892-1975) وما
نتج عنها من حرب أهلية حصدت أرواح الآلاف (1936-1939)، كذلك، جرى اضطهاد وملاحقة
كل المفكرين الأحرار مثل ميغيل دي أونامونو، ليون فيليبي، بلاس إنفانتي، فيدريكو غارسيا لوركا، ميغيل إيرنانديث وغيرهم.
وفي المقام الثالث، لا يجب تجاهل القضيّة
الأهمّ:
كان آسين عبارة عن كاهن كاتوليكي، توجب عليه
تقديم تفسيرات لنفسه وللسلطات الكنسية التي يتبع لها.
نعود من جديد
إلى البروفيسورة لوثي لوبيث-بارالت التي ستوجهنا ضمن تلك الآفاق الآكاديمية
المعقدة:
"أظهر آسين
نوعاً من الحذر في الطرح في أوائل مقالاته الخاصة بالتصوُّف الإسلامي، ويبدو أنه
قد شعر بالحاجة الملحة لإبراز تأثير المسيحية بهذا التصوُّف، والذي يعود الفضل له
لإعتبار هذا كموضوع للبحث. كذلك، تُشير عناوين مقالاته الرائدة لتأثير المسيحية:
"الإسلام المُتأثّر بالمسيحية" (1931)، "روحانية الغزالي واتجاهه
المسيحي" (1935). توجب علينا الإنتظار حتى العام 1941، كي نقرأ تغيُّراً في
عناوين مواضيعه، بحيث يصبح الحديث عن تأثير إسلاميّ على النصوص المسيحية: بصمات
الإسلام عند توما الأكويني وتورميدا وباسكال ويوحنا الصليب. عندما نشر آسين، في
العام 1919، كتابه الهام "الأخرويات الإسلامية في الكوميديا الإلهية"،
الذي يقترح فيه وجود تأثير للقصص الإسلامية في قصص الكوميديا الإلهية لدانتي، أثار
جدلاً شديداً وتعرض لسيل من الإنتقادات (التي ردّ عليها بصورة منهجية وبصبر
مثالي).
لا نعرف إن كانت
تلك التجربة المريرة ستترك بصماتها على ذاك الباحث، الذي سيلتزم الحرص الشديد في
عناوين ومضامين فرضياته واقتراحاته بصورة أكبر.
بلغ بحث آسين
حول التأثير الإسلامي ذروته بدراسته لنصوص الشاذليّة.
من ناحية أخرى،
يرد قسم كبير من التصورات والمفردات والتعابير اللغوية لدى مفكرين مسيحيين، جرت
الإشارة لبعضهم أعلاه، من صوفيين أفارقة إسبان.
لم يستخدم آسين
ذات المصطلحات، التي نستخدمها نحن اليوم، لكن، بالتدقيق السريع بنصوص المستشرق
آسين، سنرى حجم إعجابه بأولئك المعلمين المنتمين لإسلام الغرب.
وهنا، أتجرّأ
لحدّ القول بأن التأثير الإسلامي قد حدث بصورة مباشرة على مؤسسة دير الكرمليات
القديسة تيريزا (1515-1582).
لا يتوجب علينا نسيان أنه كان كاهناً وقد كتب خلال أعوام، كانت محفوفة
بالمخاطر على كل من يكتب خارج الإطار الكنسيّ المسيحيّ.
وتكون مواقف آسين بوصفه مستشرقاً
في حقل بحثه العربي والإسلامي بحاجة للمراجعة والدراسة حتى هذه اللحظة.
اتسم موقفه الفكريّ والعاطفيّ تجاه
الأدبيّات الإسلامية، التي خصص القسم الأكبر من حياته لدرسها، بحالة من التقلُّب،
تظهر عبر محاولاته إظهار تأثير مسيحي بنصوص صوفيه إسلامية ليجري قبولها وصولاً إلى
تصنيفها كذروة في العمل الصوفيّ الآرثوذكسي الإسباني.
من المؤسف أنّ إدوارد سعيد لم
يهتمّ بدراسة المستشرق الإسباني آسين بالاثيوس في كتابه
"الإستشراق"".
العام 1932،
ظهرت مدارس لتحقيق دراسات عربية في مدريد وغرناطة، وقد استلم إدارة الأولى آسين
بالاثيوس، فيما استلم إدارة الثانية تلميذه غارسيا غوميز.
العام 1933، تأسست مجلة الأندلس (التي استمرت
تحت هذا الاسم حتى العام 1978 والذي تغير، لاحقاً، لتصدر تحت اسم القنطرة)، كذلك،
خلقوا مركز بحث خاص بالدراسات العربية بإدارة غارسيا غوميز، شارك في تحقيق أبحاثه
أخصائيين بدراسة الإسلام إسبان وبعض الأجانب، وشكّل هذا المركز مرجعاً أساسياً في
كل مايتعلق بدراسة إسبانيا المسلمة.
بدأ العلامة محمد إقبال (1876-1938) الفيلسوف والشاعر والمتصوّف الهندي - أحد مؤسسي الجمهورية
الإسلامية في الباكستان - بنهاية العام 1932 رحلة طويلة إلى إسبانيا زار خلالها كل
الأماكن التاريخية الأندلسية في قرطبة وإشبيلية وغرناطة. التقى مع ميغيل آسين
بالاثيوس في جامعة مدريد في شهر يناير/كانون ثاني من العام 1933، حيث خاضوا حواراً
شيّقاً أمام مئات الطلاب حول التصوُّف في الإسلام وتأثير الأخرويات الإسلامية في
الكوميديا الإلهية.
توفي آسين
بالاثيوس بتمام الساعة السابعة من مساء يوم السبت 12 آب من العام 1944 في مدينة
سان سيباستيان بإقليم الباسك. وقد خلفه ابن أخيه خايمي أوليفر آسين (1905-1980)
على الصعيد الثقافي، حيث حقق أبحاثاً هامةً حول علم المكان وعلم فقه اللغة في
الأندلس. العام 1953، نال أوليفر جائزة على عمله "قصّة أو تاريخ اسم
مدريد". العام 1958، جرى تعيينه مديراً لمدرسة الدراسات العربية في مدريد.
العام 1959، ساهم بإدخال دورة في المركز الثقافي الإسباني في القاهرة تحت عنوان
"مدريد العربية"، حيث كان أخصائياً في هذا الموضوع.
أختتم هذه
السيرة الموجزة لآسين بالاثيوس بكلمات لغارسيا غوميز، الذي يُشير لوجود تشابهات
بين فكر آسين وفكر الشاذلية ويعتبره "مُعلّماً" كما أحبّ
المتصوفة الشاذليون مناداتهم دوماً، حيث ترجم آسين لهم وجرى النشر بعد وفاته:
"ليس معلمك
ذاك الذي تسمعه، بل هو الذي تتعلم منه؛ وليس ذاك الذي يقدم لك شروحاته، بل هو الذي
يترك في قلبك بصمات نعاليمه؛ وليس ذاك الذي يدعوك للدخول من الباب، بل هو الذي
يرفع عن عيونك الحجاب؛ وليس ذاك الذي يوفّر لك كلماته، بل هو الذي يستحثّ فيك ذات
الحالات الروحانيّة".
يتبع
للإطلاع على مواضيع أخرى ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق