El pensamiento musulmán en la Europa del siglo XIV
R.H. Shamsuddín Elía
I.A.C.I
Instituto Argentino de Cultura Islámica
A partir de la tesis elaborada por el jesuita e islamólogo español Miguel Asín Palacios en 1919, diversos estudios de investigación han subrayado la existencia de fuentes islámicas para las ideas de Dante Alighieri en su «Divina Comedia», como las descripciones del infierno en el Sagrado Corán; el viaje nocturno (isra') y la ascensión a los cielos (mi'raÿ) del Profeta Muhammad (BPD); la visita al cielo y al infierno en la «Epístola del Perdón» del poeta y filósofo sirio Abul-Alá al-Maarrí; el «Libro del nocturno viaje hacia la Majestad del más Generoso» y el «Libro de las Revelaciones de La Meca» del místico andalusí Ibn al-Arabi de Murcia.
Miguel Asín Palacios: La escatología musulmana en la Divina Comedia
الجنّة السماوية
الإسلامية في "الكوميديا الإلهية"
نعثر في الأنشودة الأولى من فردوس دانتي على الشبه الأكبر مع تلك المرحلة السماوية الجديدة. يتمثل بصعود دانتي وبياتريشي (التي حلت مكان فيرجيل)، وعبور كرة النار، من الجنة الأرضية إلى جنان السماوات (الفردوس، الأنشودة الأولى).
وكما هو الحال في
كتاب أبو العلاء المعري المعراج (ص 93)، يصعد المسافر ابن القارح إلى السماء تقوده
فاطمة ابنة محمد وزوجة علي، كما يفعل دانتي مع بياتريشي.
نجد في الأنشودة
العاشرة الفكرة المركزية، التي تساعدنا على إكتشاف فكر الشاعر الفلورنسي الحقيقي.
فقط من خلال
الطروحات الإسلامية، سنتمكن من فهم ذلك الحساب الرحيم، غير القابل للتبرير في
اللاهوت الكاتوليكي، الذي يستحقه شخص مثل سيجيري الباربانتي (أو سيجير) بالنسبة لدانتي، وهو
أستاذ بجامعة باريس قد جرى إتهامه بالهرطقة الرشدية (نسبة لإبن رشد) وقُتِلَ بإيعاز من البابوية.
"ثمّ أبعد منه انظر إلى سطوعِ الأرواح
اللاهبة لإيسيدورو وبيدا وريشار، الذي كان في التأمل أكثر من مجرد إنسان. إنه
النور السرمدي لسيجيري الذي علم في شوارع فوار، وعالج أفكاراً ألحقت به ضرراً كبيراً".
(الفردوس، الأنشودة العاشرة).
"يُفسّر
تعاطف دانتي مع علوم الإسلام بالعموم، وتجاه إبن رشد على وجه خاص، لغزاً آخراً
أيضاً، وهو أكثر غموضاً للآن، والذي تمكن من حلّه النابغة الإيطالي برونو ناردي في
واحدة من دراساته وحملت عنوان "سيجيري الباربنتي وتأثير فلسفته في الكوميديا
الإلهية ودانتي" والمنشورة بمجلة "الفلسفة المدرسية الجديدة" خلال
العامين 1911-1912، حيث يضعه دانتي في فردوسه رغم إتهامه بالهرطقة وقتله بوقت
لاحق. يضعه دانتي إلى جانب القديس توما الأكويني، آلبرتو ماغنو، القديس ايسيدرو،
ديونيسيو أريوباغيتا، بيدا، بويسيو، القديس اوغسطين ...الخ.
كيف يمكن تبرير
هذه الجرأة الزائدة؟
استنفذ
الدانتيون كل الوسائل الممكنة لإعطاء إنطباع عن مسيحيته الصريحة وجديته، والتي لم
تحقق له تفادي العقوبات الصارمة المطبقة على هرطوقي مثل سيجيري فقط، والمعتبر
كبطرك للرشدية (نسبة لإبن رشد) والميت خارج نعمة الكنيسة، بل كذلك، جعلته محطّ إشادة من قبل أعتى
أرثوذكسيي الكنيسة، لقد بلغت جرأته حد الإستهزاء، حين جعل توما الأكويني، المناهض
العنيد لسيجيري في مشكلة الحقيقتين وفي مشكلة وحدة العقل، يكيل المديح له وهو ما
يكافيء إعادة إعتراف بسيجيري.
(آسين بالاثيوس، ذات المصدر، ص 82).
تصدّى ناردي لجوهر هذا اللغز، حيث طرح من جديد قضيّة مصادر فلسفة دانتي. فلقد جرى الإعتقاد بأنّ دانتي قد كان فيلسوفاً مرتبطاً بفلسفة توما الأكويني بشكل حصريّ؛ لكنّ، أثبت ناردي، وبفضل مراجعة بالغة الدقة لنصوص دانتي والمقارنة مع أخرويات مرتبطة بالأفلاطونية الجديدة وبأنظمة ابن سينا وابن رشد، بأنّ دانتي، وإزاء الصراع بين الفلسفة العربية-الأفلاطونية الجديدة لأولئك المفكرين واللاهوت المسيحي، قد تبنّى موقفاً إيمانياً أو صوفياً، حيث لجأ إلى تعاليم الإيمان لكي يتفادى التشكيكات الناشئة عن ذلك الصراع.
بفضل هذا الموقف، وبعيداً عن تماهيه مع فلسفة
توما الأكويني، يُعتبر دانتي من أتباع المذهب المدرسيّ، لكن، ذو توجه انتقائي، فدون
أن يتبع أيّ معلّم خاص، يقبل جميع المفكرين، القدماء ومفكري العصور الوسطى،
مسيحيين ومسلمين، جميع الأفكار والنظريات، بحيث يقوم بصهرها في نظامه الشخصيّ،
الذي يشغل حيّزاً متوسّطاً بين فكر توما الأكويني وفكر إبن سينا - إبن رشد، حيث
يقترب من الفكر الأخير أكثر من الأول لأسباب كثيرة.
ترتبط إطروحات
دانتي الرئيسية بالفكر العربي، بحسب ما أبرز ناردي، من خلال علم الكون، نظرية
العدالة الإلهية وعلم النفس:
الله نور، تنتشر أشعته وتخفّ كلما ابتعدت عن
المركز. تنعكس مهارات الكرات السماوية كمرايا لتلك الأشعة وتنطبع بوصفها أشكال
للمادة.
يساهم ناردي
بإيضاح مصدر هذه الأفكار الدانتية، التي وإن كان لها سوابق أوغسطينية، فهي أتت من
الفلسفة العربية - الأفلاطونية، وبالتحديد، أتت من أنظمة الفارابي وإبن سينا والغزالي
وإبن رشد".
(آسين بالاثيوس، ذات المصدر، ص 397-398).
العام 1881،
اكتشف الباحث فيرناند كاستيتس مؤلفاً مجهولاً لصاحب الكوميديا الإلهية في مخطوط
بكلية الطب بجامعة مونبلييه. حيث عُرِفَت مقاطع قليلة (سونيتات قليلة) من الأنشودة
السابعة والتسعين ومن خلال مخطوطات أخرى. أطلق دانتي عليها إسم "إل
فيوري" أي الزهرة، وتشكّل النص الإيطالي الوحيد الذي يروي قصّة موت سيجيري دي
باربنتي، حيث يرثي دانتي مجدداً مصير هذا الفيلسوف البلجيكي المحزن (السونيتة
الثانية والتسعين، 9-11، ص 815):
"لم يكن
المعلم سيجيري سعيداً لوقت طويل:
بطعنة واحدة،
أماتوه وهو يعاني من الألم العظيم
في محكمة روما،
في أورفييتو".
في الأنشودة
السادسة والعشرين، وكما حصل مع محمد، يلتقي دانتي بآدم ويحاول الإستعلام منه حول
اللغة التي تحدث بها في الجنّة الأرضية:
"حلقة أخرى توحي بالمقارنة الفاقعة، هي
حلقة اللقاء بآدم، لدى عودة الرحالة المسلم (ابن القارح في رسالة الغفران لأبو
العلاء المعري، ص 98) من الجحيم إلى الجنّة أو الفردوس؛ حيث كان الموضوع الرئيسي
في حواره مع أب كل البشر، هو اللغة البدائية التي تحدث بها هو. حسناً، يلتقي دانتي
مع آدم في الدائرة الثامنة السماوية (الفردوس، الأنشودة السادسة والعشرون) وأيضاً
ويتركز الحديث بينهما حول اللغة، التي تحدث آدم بها خلال إقامته في الفردوس
الأرضي".
(آسين بالاثيوس ، ذات المصدر، ص 107).
في الأنشودة
الثانية والثلاثين من الفردوس، يوزّع دانتي الطوباويين بصورة مدهشة من حيث
الأصالة:
"جرت الإشارة لعدد من التصورات التقنية
الشبيهة بما ورد في بعض قراءات قصّة المعراج الإسلامية. نذكر على سبيل المثال
الكرات السماوية المسكونة بالملائكة، الأنبياء والقديسين، والذين يتوزعون عليها
بحسب مزاياهم، والمذكورة في تلك القراءات العديدة أيضاً. ومن المهم الإشارة هنا
إلى عدم وجود تفسير لهذا التطابق في التصور الدانتي والإسلامي في أدبيات الكتاب
المقدس لا في العهد القديم ولا الجديد. في حين يذكر إبن عربي درجات توزيع لأولئك
المختارين.
يحدد إبن عربي
أربع درجات، هي على التوالي:
1. الأنبياء أو رسل
الله، يشغلون الدرجة الأعلى على المنابر.
2. القديسون،
الذين أورثوا تعاليم الأنبياء وساروا على نهجهم وطريقة حياتهم، يشغلون الدرجة
التالية الدنيا حول كرسي العرش.
3. الحكماء،
الذين بلغوا علماً إلهياً رفيعاً في حياتهم، يشغلون درجة أدنى على كراسي.
4. المؤمنون
البسطاء، الذي تلقوا الوحي بالواسطة من خلال ناقليه للناس من الله، يشغلون الدرجة
الأدنى على مقاعد (يمكن الإطلاع والمقارنة بين أناشيد دانتي والفتوحات المكية لابن
عربي سيما أناشيد الفردوس 31، 30، حيث قسّم رواة الحديث المسلمين ذات التقسيم
الدانتي في قسمين، وذلك قبل ظهور ابن عربي وكتاباته: حيث يصفون صهر محمد عليّ
بصورة دقيقة مدهشة: "على جانبي العرش الإلهي، يوجد في الجنة جوهرتان أو لؤلؤتان،
واحدة بيضاء وأخرى صفراء؛ تحتوي كل واحدة منهما على 70000 قصر؛ الجوهرة البيضاء
لأجل محمد ورعيته؛ الجوهرة الصفراء لأجل إبراهيم وأتباعه".
لا يمكن وضع
تصوُّر لهذا التوزيع، وبكل هذا التشابه، إلا ما تخيله دانتي من توزيع للأنبياء والبطاركة
والقديسين في القسم الأيسر من الوردة الصوفيّة، ووضع من عاشوا بعد المسيح في القسم
الأيمن (الفردوس، الأنشودة 32).
ولكي يصل
التشابه إلى التفاصيل، يفترض إبن عربي بأنّ المكان الأشرف والأعظم، سيشغله محمد وهو
بذات مقام آدم، حيث يشغلان كأبوين للبشرية مرتبة روحية عظيمة، بذات الطريقة التي
وضع فيها دانتي آدم أبو البشرية، القديس بطرس بطرك الإيمان المسيحي في الوردة
الصوفية (الفردوس، الأنشودة الثانية والثلاثون).
في اللوحتين
اللتين، قارنَّا بينهما:
تبدو لوحة إبن
عربي كأصل للوحة دانتي المنسوخة عنها تماماً".
(آسين بالاثيوس،
ذات المصدر، ص 240-242).
كي لا يملّ
القاريء من كثرة المقارنات القياسية وشروحاتها، سنعمل على إيجازها.
فعلى سبيل المثال، النسر الضخم الذي يضعه دانتي
في سماء المشتري، المتشكِّلْ من تجميع عدد لا يُحصى من الملائكة المزودة بأجنحة
ووجوه فقط، والتي تسطع كالضوء وتتحرك أجنحتها خلال ترتيل أناشيد الكتاب المقدس ثمّ
ترتاح (الفردوس الأناشيد 18، 19، 20): ي
عبارة عن تكييف ناتج عن دمج النسر الضخم على شكل
ديك، يراه محمد ويقوم بتحريك جناحيه عند أداء الآذان: لا إله إلاّ الله.
(كتاب أخروية محمد، 28، ص 80-81).
هكذا، وكما جرى على حافة الأمبيريوس أو سماء
النور الخالص، يحلّ القديس برنار مكان بياتريشي، لكي يقود المسافر نحو النور
الأبديّ (الفردوس، الأناشيد 31 و33)، وكذلك، في الطبقة الأعلى من السماء
الإسلامية، يتراجع الملاك جبريل ويصعد محمد وحده باتجاه الحضرة الإلهية على عرش
مضيء.
(أخروية محمد، 19، ص 70).
"الحبّ هو القوّة التي تنعش كامل الكون: في واحدة من قصائده، يكتب إبن
عربي "تتسع الأرض وسع إبتسامة أزهارها"، دانتي في كوميدياه الإلهية،
المتأثرة جداً بالرحلة الليلية المحمدية، كما أثبت آسين بالاثيوس ونيلي، لا بُدّ وأنه قد اطلع على قول إبن عربي، الذي يعكس بدوره إطلاعه على
سورة الإسراء القرآنية، حيث نقرأ كيف يرى الله العالم. في الأنشودة الأخيرة من
الفردوس، يستحضر دانتي الآتي:
"وهنا، تجرّد خيالي السامق من قوته؛ ولكن،
من قبل، قد حرَّكَ إرادتي ورغبتي، كدولابٍ مدفوعٍ باستواء، الحبُّ الذي يحرك الشمس
وسائر النجوم".
تشكل هذه العودة إلى الإله، الحبّ أو المحبة،
ذات الدافع القادم من الإله، هو الخلق.
يستشهد إبن عربي،
دون كلل، بآية قرآنية تعتبر "أنّ كل شيء يأتي من الله وكل شيء سيرجع
إليه".
(روجيه جارودي: الأفقين، ص 192).
يتبع
للإطلاع على مواضيع أخرى ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق