COMIDA PARA LOS MUERTO
Los muertos enterrados en los cementerios fenicios del sur de la Península Ibérica aparecen acompañados por ajuares relativamente
homogéneos. Entre estos elementos materiales son frecuentes los escarabeos, las pequeñas joyas, los huevos de avestruz, el ocre, los recipientes donde quemar aceites o
resinas y los vasos para
contenerlos, y las vajillas
y recipientes utilizados en la vida
طعام لأجل الموتى
يبدو أن موتى المدافن الفينيقية الإيبيرية قد تزودوا بنوع من الأثاث المتناغم نسبياً. حيث يوجد بين تلك العناصر المادية جعرانات (تمائم على شكل نوع من الخنافس)، مجوهرات صغيرة الحجم، بيض نعام، حجر المغرة، أواني حرق الزيت أو الراتنج والأكواب التي تحتويها والأواني المستخدمة في تخزين، تحضير وإستهلاك الأغذية والمشروبات.
ترمز غالبية الموجودات المادية تلك إلى الخصوبة، التجدُّد، الحماية والعناية، يبرز بينها الأواني المتعلقة بالأغذية أو المشروبات. في المقابر الفينيقية الإيبيرية، حيث تندر المعطيات الحيوية الأثرية، تصعب معرفة فيما لو وضعت الأواني فارغة – بإعتبارها رمز بذاتها للطعام أو الشراب – أو مملوءة بنوع من الأغذية.
ترد معلومة مفيدة، بهذا الصدد، من قبر في مدفن لوريتا بمنطقة ألمونييكار. حيث عثروا بهذا القبر على بقايا طبق مقعر أحمر اللون فيه بقايا أرنب أو طائر.
في قبور مرحلة متأخرة، خلال الحقبة القرطاجية البونية، تتوفر الأدلة بصورة أكبر حول تزويد الموتى بالطعام، حيث جرى التعرُّف على بقايا لحوم ونباتات.
تزويد الموتى بالطعام والشراب والأواني المتنوعة هو سلوك موروث في منطقة فلسطين – سورية، وقد حمله مستوطنون فينيقيون معهم ومارسوه حيث سكنوا في الغرب.
فمقبرة مدينة صور وأثاثها مثال واضح بهذا الإتجاه، إضافة لوجود إشارات أدبية مختلفة لهكذا ممارسات. حيث تُشير نصوص الكتاب المقدس ونصوص أوغاريتية لتقدمات الطعام للموتى، وهو سلوك جرى إعتباره مركزيّ في البيئة الفلسطينية – السورية كي تصبح رحلة الميّت نحو العالم الآخر مريحة.
نظراً لأهمية هذه الممارسة، يُجسّد وضع الطعام في القبور العلاقة القائمة بين الأحياء والميّت خلال طقس الجنازة:
حيث يحتاج الميّت لرعاية الأحياء ويأمل الأحياء، بالمقابل، بشفاعة الميّت لبلوغ الغنى، الصحّة الجيدة أو الرفاه لعائلاتهم. لهذا، ربما، يطول زمن تقديم الطعام إثر لحظة الدفن، كما تُشير نصوص عديدة، وكذلك، كما تُبيّن المعطيات الأثرية ببعض القبور الفينيقية في المناطق الغربية.
عملية تغذية الموتى هي إمتداد لممارسة يومية، يتم عبرها، ترميز التواصل بين الأجيال وإستمرارية وتضامن عائليين. ربما لأجل هذا، لعبت النسوة الكنعانيات دوراً مركزياً في النطاق الجنائزيّ، الإهتمام بقبور الأسلاف والموتى، حرق البخور والعطور وتوفير الأطعمة، كما تُشير بعض المعلومات.
يسير الدليل الأثريّ ببعض المواقع الفينيقية المتوسطية الوسطى بذات الإتجاه، كما تُشير محتويات القبور من أنواع مختلفة من الأواني – يحتوي بعضها على بقايا طعام -. لكن، لا يسير الأمر على هذا النحو في المواقع الفينيقية الإيبيرية، على الأقل، في القبور التي تعود لما قبل القرن السادس قبل الميلاد.
1. هذا هو حال القبر رقم 11 في موقع الحديقة بمدينة ملغا، حيث وضعوا على أقدام الميّت عنزة، بقي هيكلها العظمي بلا رأس ولا أطراف.
2. في قبور قرطاجية بونية في موقع بيّاريكوس، جرى تحديد بقايا تَقْدِمات نباتية، مثل بقايا قمح، جوز ولوز.
3. هذا هو حال موقع الحديقة بمدينة ملغا، حيث عثروا على جرّة ثلاثية الفصوص وكأس صغير، وهي توحي أنها تقدمة خمر أو زيت أو مشروب آخر للميت إثر دفنه.
الشكل 5 .. من الموضوع الأساسيّ
الشكل 6 .. من الموضوع الأساسيّ
تتجسد تلك التقدمات من الأطعمة في القبور الفينيقية، بصورة رئيسية، عبر تخزين الأواني الخاصة بإستهلاك وتقديم الطعام، ويجري تمثيلها عادة عبر حضور طبق أحمر، جرّة للنبيذ، وبصورة إستثنائية أكثر كأس للشراب (الشكل 5). الأوعية الكبيرة – باستبعاد المرامد – نادرة الحضور، على الأقلّ، بحسب ما يبين سجّل القبور المكتشفة. تركز وجود الجرار الكاملة في القبور الخالية من بقايا بشرية داخلها – وبالتالي، من المحتمل أنها شكلت أوعية قد احتوت مشروبات كتقدمة للميّت – في غرف الدفن الكبيرة، كما هو الحال في عدد من القبور المسماة ترايامار 1، ترايامار 4، القبر 1 إي في جسر نوي، والتي تقوي الفكرة القائلة بأنّ تلك القبور جرى حفظها لأجل بعض عائلات النخب بتلك المواقع الفينيقية (الشكل 6).
يتصل قسم هام من الأوعية الجنائزية، على ما يبدو، بالولائم لا بالغذاء اليوميّ. تعكس الأواني السيراميكية أهمية حضور النبيذ في هذه الطقوس. حيث تذكرنا هذه الولائم بصيغ توزيع الأغذية اليومي، لأجل بناء مكانة وسلطة، وذلك عبر إستخدام السخاء المُقنّنْ.
الطبق، في هذا السياق الجنائزي، العنصر الوحيد المرتبط بالغذاء اليومي، يوحي شكل هذا الإناء بأنهم استخدموه للسمك أو اللحم المشوي – كما يبيّن الدليل الأثري بالقبر 12 بمنطقة لاوريتا سالفة الذكر – أو ربما لأنواع من الطعام لا تترك بصمات أثرية كالخبز.
بكل الأحوال، لا تحتوي الأغذية المخزنة بالقبور على الأطعمة الأكثر شيوعاً، التي رأيناها سابقاً من خلال الطبخ المُمارس في منازل المواقع الفينيقية. بخلاف مدافن فينيقية أخرى معاصرة أو مدافن قرطاجية بونية، لا توجد معلومات عن حضور الكثير من الأواني في المواقع الفينيقية جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية، كما هو الحال في عموم هذه المواقع الفينيقية الإيبيرية.
تسمح هذه الإستثناءات التي يمكن ملاحظتها بالسجّل الأثري الجنائزي، إضافة إلى التمييز القائم بالغذاء اليومي لقسم هام من المقيمين في المواقع الفينيقية الإيبيرية، باستخلاص إسهام تلك الطقوس وتقدمات الأغذية والمواد المرافقة للموتى الأخرى دوراً حاسماً في بناء التمييز الطبقي وتمثيل السلطة السياسية. بهذا المعنى، عملت تقدمات الطعام كرمز تواصل بين الأجيال، رمز لإستمرارية التضامن العائلي، الأمر الذي يبدو كحديث عن بروز عائلات بعينها للدخول إلى مواقع طبقية وسلطوية محددة في المواقع الفينيقية. بذات الوقت، يُشير إستحضار المواد، الممارسات والتمثيلات "المشرقية" التي يمكننا إكتشافها بتلك المواقع، إلى إلغاء الصيغ المحلية بتحضير، تقديم وإستهلاك الأغذية، والذي يُعزى بدوره لنظام سلطوي وتراتبية أقصت السكان المحليين وبينت الهيمنة الفينيقية في تلك المواقع.
المآدب والمدافن
الشكل 7 .. من الموضوع الأساسيّ
تكتسب هذه الفكرة أهمية أكبر، فيما لو نأخذ ممارسات أخرى متعلقة باستهلاك الأغذية الموثقة بتلك المواقع بالحسبان، كما حدث في إحتفالات المآدب في المدافن والأجواء الجنائزية.
جرى توثيق بعض بقايا تلك الإحتفالات في مواقع فينيقية إيبيرية، كما هو الحال في موقع ترايامار، مصبّ ألغارُّوبو وجسر نوي وهو أحد المواقع بمنطقة ألمونييكار. لدينا في الحالين قبريين أثريين، حُفِظَ أشخاص من النخبة الاستيطانية فيهما، حيث لوحظ حضور عشرات أو مئات الأوعية السيراميكة المتكسرة، والتي جرى تخزينها بالقبور بصورة متعمدة (الشكل 7).
جرى إستخدام غالبية تلك الأوعية، بصورة رئيسية، لتقديم الطعام، وبصورة أقلّ، لتقديم الشراب، حيث احتوت على صحون – 400 قطعة بقبور موقع ترايامار – وبعض كؤوس الشراب وحاويات كبيرة. هي بقايا الأواني المستخدمة في الولائم الجنائزية، والتي جرى تخزينها عمداً لأجل تثبيت الذاكرة على حوادث ارتبطت بالإعتزاز بمجتمع الأسلاف المدفونين هناك. تظهر تلك البقايا في قبور ترايامار بطبقات متعاقبة متداخلة فيما بينها. ربما، حدثت تلك الإحتفالات الجنائزية بصورة دورية ووفق تواريخ محددة. تستحضر، بالتالي، أعمال إجتماعية يساهم بها عشرات الأشخاص حيث تُبنى، تتجسد وتثبت الذاكرة عن الأسلاف المدفونين بتلك الأماكن.
في بناء الذاكرة الإجتماعية لتلك النخب في المواقع الفينيقية، تلعب الأغذية دوراً مركزياً. فعبر فعل تناول الطعام، يبني الأحياء معنى المجتمع المحدد في المؤاكلة. وبهذا، يندمج المجتمع بالأسلاف، يتقاسم معهم المكان ويُخزّن الأواني في قبورهم. عرض المدعوون لتلك الإحتفالات – ربما أعضاء النخب المُستوطنين – من خلالها مكانتهم ضمن المجتمع واكتسبوا الشرعية عبر إتصالهم مع مجتمع الأسلاف. شكلت إحتفالات المواقع الفينيقية في ترايامار وجسر نوي المكان الأمثل لإجراء التفاوض على التمثيل الشعبي والسلطة السياسية وتراتبيات هرمية في دنيا المستوطنات تلك.
تلك الأطعمة، التي تواصل المدعوون والمساهمون، بواسطتها، مع كائنات لامرئية، أكملت وظائف سياسية وإجتماعية مركزية في مجتمعات المستوطنات الفينيقية.
كما يُشير الباحثان مينتز ودو بوا، فإنّ المؤاكلة بسياقات طقوسية، يمكن أن تُعيد تأكيد أو تحويل العلاقات بين الأحياء، عبر خلق حواجز وفروقات طبقية وعلى مستوى الهوية "الإتنية". وجب تمثيل تلك "الحواجز الإجتماعية" خلال تلك المناسبات الإحتفالية عبر شجرة النسب، كما رأينا، لكن، كذلك، عبر ممارسات طقوسية – مآدب المدافن – مع بعض الأطعمة، بضع صيغ إستهلاك ومواد لا تحضر في الحياة اليومية لسكّان المواقع الفينيقية الإيبيرية، والتي رأيناها من خلال مطابخ منازلهم.
تعكس الطقوس والمواد المستعملة من قبل نخبة المواقع
الفينيقية الإيبيرية تأثرهم "بالبيئة الفينيقية الأم المشرقية" وممارسات
نخبتها خلال الإحتفالات الإجتماعية.
حيث يعود تقليد الإحتفال الجنائزي بعد
الدفن وإقامة المآدب في المدافن إلى المشرق، حيث توجد إشارات نصيّة عديدة
لها. وهو ما يحدث مع الأواني المستخدمة بتلك الطقوس والإحتفالات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق